ينبع الماء العذب الزلال من الينابيع الحلوة فتُزهر الأرض وتزهو وتكتسي بالمسطحات الخضراء المزدانة بالورود الحمراء والصفراء والزرقاء، ومن كل لون بهيج، ينم عن أريجها نسيم النعيم الذي يجعل الزهور ترقص، والطيور تُغرّد، والخضرة النضرة تكاد تذوب، والنسيم مِنْ طَرَبٍ يكاد يموع، والمُتَنَزِّهُ في هذا المنظر المُمْتَدّ إلى غير حدّ، يُحسّ بالنعيم، ويذوق السعادة، وتضحك في داخله البهجة، وتنفتح نفسه للحياة، وتمتليء خلاياه وحناياه بجمال الوجود، فللعين متعة النظر، وللأنف متعة الشم، وللوجه رقة مرور النسيم المُعطّر العليل، وللمشاعر عذوبة التملّي من المنظر الجميل، وكما يحصل ذلك في الواقع المادي، يحصل في الواقع المعنوي، حين نقرأ أو نسمع الشعر العذب الرقيق، المغزول من أحلى الكلمات، المزدان بأبهى الصور، والمحمول على أرقّ المشاعر حتى إنه يدخل القلوب بلا استئذان، ويمتع الذوق والوجدان، ويجعل الإنسان يحس بلذة الجمال الفني التي تُرْوِي وتُظمئ، وتَعِدُنا بفراديس لم نَرَها بعد.. مي.. وتزهر ورود ونواوير وخزامى وشيح ورقّة الشعر هِبة بيئة الشاعر وبنتُ موهبته وصدى رهافة مشاعره، وعذوبة روحه، وحُسن حسّه وذوقه، واكتمال صورة الجمال في خياله الذي يرفرف كطائر مُلوَّن ساحر.. حين انتقل العرب من بيئة الصحراء الجافّة الشهباء، الشحيحة بالمناظر الجميلة.. وبالمطر، واستوطنوا البلدان التي تجري فيها المياه، وتسري فيها أنسام الجمال، وتزدان بالورود والزهور، والنساء الحسان، والبساتين الناضرة، والأنهار الجارية، والأشجار الخضراء الباسقة، والطيور الملونة المغردة بأجمل الألحان، كالشام والعراق والأندلس، رقّت كلماتهم وراقت أشعارهم، وازدانت صورهم بمختلف الألوان.. ولا يعني هذا أن شعراء الصحراء لم يكونوا مُبدعين، بل إنهم أكثر إبداعاً، غير أنهّم أقلُّ رِقّة، فأشعار الصحراء كالجبال تمتاز بالشموخ والجلال، وأشعار ساكني البيئات الصداحة بالجمال، الفواحة بالعطور، أكثر رقة وعذوبة، وأقرب إلى الجمال منها إلى الجلال، فالمشاعر التي تنبع من أعماق الوجدان، تعكس ماتأثر به هذا الوجدان من مناظر، وما أحاط به من مظاهر الحسن والعذوبة، ربما كما تفعل المرايا المصقولة.. كأن الطلّ منتشراً عليه بقايا الدمع في الخدّ المشوقِ بِأبي غزالاً غازلتْه مقلتي بين العذيبِ وبين شطيّ بارقِ وسألتُ منه زيارةً تشفي الجوى فأجابني بوعدً صادقِ بِتنا ونحن من الرجا في خيمةٍ ومِنَ النجومِ الزُّهْرِ تحتَ سُرادقِ حتى إذا مالت به سِنةُ الكرى أبعدتُه شيئاً وكان معانقي أبعدته عن أضلُعٍ تشتاقُهُ كي لا ينامَ على وِسادٍ خافِقِ) (ابن بقي) يا طفلة تحت المطرْ تركض واتبعها بنظرْ تركض تبي الباب البعيد .. تضحك على الثوب الجديد ابتلّ .. وابتلّ الشَّعَرْ لو رميتي شالك الدافي على متن السما دفيت الشمس من فصل الجليد لو نثرتي صوتك الغالي على صدر الظما انبت العشب واخضرّ الجليد يا طفلة تحت المطر .. تركض واتبعها بنظر تركض تبي الباب البعيد .. تضحك على الثوب الجديد ابتل .. وابتل الشعر (بدر بن عبدالمحسن) ورَوْض عنْ صنِيعِ الغيثِ رَاض كما رضي الصَّدِيقُ عَنِ الصَّدِيقِ يُعِير الرِّيح بالنَّفَحات رِيحاً كأَنَّ ثَراهُ مِنْ مِسْك فَتِيقِ كأَنَّ الطَّلَّ مُنْتشِراً علَيْهِ بقايا الدَّمْعِ في الْخَدِّ الْمشُوقِ (أبو الفتح كشاجم) مي.. وتزهر ورود ونواوير وخزامى وشيح مي.. وتمطر مزوني قصايد للغلى والود مع جود الزمان وقسوته والهم والتبريح الاقي بسمة عيونك تواسي حيلي المنهد الاقي ضحكتك تغسل فؤادٍ هدّه التجريح وتنثر به عصافير الفرح ثم انتشي واسعد يا انتي ما بقي غيرك يواسي عزتي ويزيح هموم الوقت وآلامه وجرح صار يتمرد مي!.. وكلي اقف لك ذرى لامن عتتك الريح فداك الخافق اللي ما حسبها لا عطى ولا رد (فهد متعب) مشاعر ساكني البيئات الصداحة بالجمال الأكثر رقة وعذوبة Your browser does not support the video tag.