بعد أن تلقي نظرة على بريدك الإلكتروني وتطمئن لسير العمل وأنت مستلقٍ على الوسادة الجميلة تغوص في سكرة اللهو على مواقع التواصل أو التركيز في قراءة الجديد أو مشاهدة المسلسلات عبر التطبيقات الموجودة وتشتري ما تشاء من المتاجر الإلكترونية وإذا جعت تطلب العشاء من إحدى خدمات التوصيل، تجلس أنت كعينة بين جميع الشركات التي تحاول إضافتك لسوقها سواء عبر خدمة تحمل قيمة جديدة أو سعراً يناسب احتياجك.. لقد ازداد العالم صخباً مع أمواج (البيانات) الرقمية وأصبحت تقاس بآلاف ال(تيرابايت) وتسارع الإنتاج والنمو. قبل أمواج البيانات كانت أمواج البحر هي طريق الثراء والنهضة، في القرون الوسطى سعى ملوك أوروبا لكسر الجمود وتحقيق طفرة اقتصادية توظف آلاف العاطلين وتمول إنفاق الدولة في العمارة والحضارة، وجد ملوك البرتغال ضالتهم في البحر. وقبل أن تكتشف البرتغال طريقاً إلى الهند على يد الرحال (فاسكو دي غاما) بقرن جعلت السفن البرتغال تتمدد إلى سبتة ثم شواطئ أفريقيا البعيدة. مع تطور صناعة السفن جعل ذلك البرتغال أسرع وأدق في التوجه ولهذا تم جذب ودعوة المهندسين وتغير الأخشاب وإعادة تجميعها وتطوير علم الفلك لمعرفة الاتجاهات وتسجيل أشكال النجوم وحركة الظل لمعرفة المدارات. كل ذلك ساهم في خلق ملاحة برتغالية لا تزال عالقة في حركة التجارة والنهضة فلم يحدث ذلك في أيام بل في عقود واستخدمت الخرافات لتهدئة مخاوف البحَّارة البسيطين مثل شخصية القديس (كروز) حيث رُوج بأنه عندما لامس أمواج البحر أصبح البحر عذباً، فأصبحت تماثيله معلقة في السفن لتطمئن البسطاء من خبايا البحر وغدره. لحق الإسبان ثم الفرنسيون وأخيراً البريطانيون واليابانيون بركب التطور الذي بدأته البرتغال وأدرك الجميع المعادلة. أولاً العلم للسيطرة على البحر ثم الثراء وتصوير ذلك المجد بالفن والقصور والتماثيل. ولكن مسيرة النمو الاقتصادي كانت مرتبطة بمحورين أولاً رفع إنتاجية الفرد سواء العامل في المدينة أو الفلاح في الريف. ثانياً رفع مستوى الحركة لذلك تطورت وسائل النقل والشحن لكن ظل العائق والمانع شيئين رئيسيين أولا الموارد وبالتحديد موارد الطاقة، ثانياً التوترات الجيوسياسية ولا تزال هذه التحديات موجودة حتى اليوم. ظل ثالوث العلم والتقنية والمال يحكم نهضة الحضارات فإذا تفاعلوا مع أنفسهم بشكل طردي ازدهرت الحضارات وإذا كان التفاعل عكسياً ضمرت واندثرت.. ومع حراك هذا الثالوث ظهرت قرون النور. وحتى الفن تغير وتعقد أكثر ليجاوب على تساؤل العقل فظهر فن (الباروك) الأكثر ديناميكية والذي يصور اللحظة الإنسانية في أبدية الفن في لحظة ضوء وزوايا أكثر تعقيداً وصار المدرسة التي تحكم عمران ونحت المدن الكبرى ليجسد مسيرة التطور. واليوم نعيش زمن أمواج (البيانات) حيث يتسارع النشاط الاقتصادي بشكل مطرد ويزداد الإنسان كسلاً. Your browser does not support the video tag.