جاء إعلان الهيئة العامة للرياضة الأخير بتكليف فريق متخصص، للقيام بتقييم شامل للأندية الرياضية الحكومية وفقًا لواقعها، والأدوار التي تقوم بها، ومدى الاستفادة من خدماتها، على أن يتم العمل على تقليصها رغبة في فتح المجال للقطاع الخاص للاستثمار في أندية تجارية بمختلف الألعاب الرياضية خبراً مبهجاً للوسط الرياضي، بعد وصول عدد الأندية الحكومية المسجَّلة إلى170 ناديًا، تركز في أغلبها على لعبة كرة القدم. القرار الرائع على الرغم من أنه تأخر كثيراً إلا أن الجدية في تطبيقه عبر فريق متخصص، يوحي بأنه ليس مجرد قرار عابر، بل ستتبعه خطوات عملية حقيقية تقلص العدد الكبير من الأندية التي تتوزع في مناطق واسعة دون مخرجات حقيقية، إذ بات ومع التوجه إلى عالم الخصخصة أمر تقليصها ضرورة حتمية، للتركيز على الكيف بعيداً عن الكم، إذ إن وجود هذا العدد الكبير من الأندية، والتي أنشئت دون دراسات وافية أمسى أمراً مكلف جداً على أصعدة متعددة، وأهمها على الصعيد الاقتصادي الذي أصبح العنصر الرئيسي في تطوير الرياضة في أي بلد، بعد أن أضحى الهدف السابق قبل عقود هو نشر الرياضة في كل أنحاء الوطن، بغض النظر عن التوزيع الجغرافي للمنطقة، وهذا الأمر أدى إلى تكدس كبير في عدد الأندية في مساحات متجاورة، دون فوائد حقيقية تجذب الجماهير والاستثمارات المتنوعة، التي تزيد من مداخيل الأندية، واعتمادها بشكل أساسي على الدعم الحكومي. تقليص أو دمج عدد الأندية أصبح واقعاً لا مناص منه، إلى جانب أن نجاح خصخصة الأندية لا يمكن أن يتم، في ظل وجود أندية ليس لها أي مشاركة تذكر، بل هي تمثل عبئاً في واقع الحال، كما أن استقطاب وتنوع الاستثمارات يستدعي توفر بيئة رياضية جاذبة، تقوم على أسس عميقة ودراسات مستفيضة لأوضاع الأندية. في ظل واقع محبط، يكشف أن هناك من الأندية من يتسلم إعانات مالية حكومية، لمجرد أنها شاركت في مباريات لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في الموسم الرياضي، حتى لو حضورياً فقط مع ثبوت انسحابات متكررة في بعض المباريات هدفها فقط الحضور من أجل الحصول على الإعانة المالية وليس الممارسة الفعلية، وهذا يعد استنزافاً وصرفاً مالياً من الجهات الحكومية من دون جدوى أو منفعة. تحديد الأندية ذات الفاعلية التي تحقق انتصارات في الألعاب التي تشارك محلياً وخارجياً، مع السماح ببعض مقرات الأندية بالتعاون مع إمارات المناطق والمحافظات، للاستفادة منها من خلال فتحها للأهالي كبدائل مناسبة لملاعب الحواري، سيكون توجهاً مجدياً يتجاوز سلبيات العدد الكبير والحالي، من الأندية المتناثرة بين كل مدينة ومحافظة متقاربة، كما أن التركيز على ألعاب متنوعة غير كرة القدم في بعض الأندية، سيكون وضعاً ملائماً وبيئة مناسبة، لاكتشاف مواهب جديدة في الألعاب المختلفة، نحو صناعة لاعبين أبطال وأندية متفوقة، تستطيع المنافسة على الصعيد المحلي والإقليمي، وصولاً إلى نتائج أولمبية متميزة في الأولمبياد العالمي، تتجاوز إخفاق المشاركات السابقة والخجولة، في ألعاب قليلة ومحدودة. توجه الهيئة إلى تقليص عدد الأندية الحالي أو دمجها، لن يكون توجهاً سهلاً بعد عقود طويلة لاستمرار أوضاع الأندية الحالي، دون دراسات مستفيضة وورش عملية ولقاءات بين المتخصصين في هيئة الرياضة، واتحادات الألعاب الرياضية المختلفة، ورؤساء الأندية جميعاً وحتى في حضور مندوبين من إمارات المناطق والأمانات والبلديات في المناطق والمحافظات، للوصول إلى رؤية موحدة تنطلق من منظومة متكاملة، تعكس الأهداف الوطنية لهذا التوجه على المدى الطويل، وتقيس نتائج تطبيقه المرحلية، انطلاقاً من أن الرياضة لم تعد ترفيهاً كما كان سابقاً فقط، ورغبة في الانتشار المحلي كما ظلت قبل عقود. الرياضة حول العالم باتت تمثل صناعة اقتصادية واستثمارية حقيقية، تستدعي الحاجة لتمويل الأنشطة والبرامج والأدوات، فما يحدث الآن في المملكة في القطاع الرياضي هو عمل منظم ومخطط له، ويسير وفق خطة مدروسة ومعدة باحترافية كبيرة، انطلاقاً من رعاية القيادة الحكيمة لدور الرياضة في النهضة الاقتصادية في المملكة في ظل رؤية 2030، التي ترتكز على أن الرياضة هي واجهة اجتماعية وحضارية مهمة، تنتج الحضور المشرف بمنجزاته، ليس على الصعيد المحلي فقط، بل وصولاً إلى المنافسة القوية على الصعيد الدولي وعلى نطاق واسع ومستمر.