أغراض الشعر كثيرة ومشهورة، كالغزل والمدح والهجاء، والفخر والوصف والرثاء، وهي أغراض تتداخل مع بعضها في كثير من الشعر الشعبي والفصيح، وخاصة الشعر القديم منهما، فالشاعر قد يبدأ بوصف الأطلال ثم يُعرِّج على الغزل، وقد يبدأ بوصف رحلته على ناقته لينتهي به المطاف إلى مدح من يريد، وكأنّ رحلته الشاقة، وناقته المُنْهكة، مقدمة لوصف ما وجد من تعب ليصل إلى مقرِّ ممدوحه، الذي يستحق سرى الليل وسير النهار.. والرثاء من أصدق أغراض الشعر إذا قيل في أحد الوالدين، أو في قريب غالٍ، أو حبيب مفقود، وهذا النوع يخلو عادةً من التكلف والمُحَسِّنات، وتجري فيه العواطف من القلوب جريان الدموع من العيون، لكنّ الرثاء إذا قيل في ممدوح سابق، راحل ، كان يجزل العطاء، قد يشوبه التكلف وتزيد فيه المحسنات ويدخل فيه المديح. يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نفسي وَعَنها فَتُوسِعهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ أما الشعر الصادق الصادر من القلب فهو الشعر الذي يُعَبِّر عن ذات الإنسان، ومشاعره الخاصة، فهذا يستحق أن يُسمّى (الشعر الخالص) وأصدقه ما توجّه به الشاعر في مرضه الشديد إلى ربه تبارك وتعالى، لأنه قد خلص من غرض المدح الذي دافعه الطمع، ومن غرض الفخر الذي دافعه الاستعلاء، وكثير من شعر الغزل الذي هدفه نيل التي أغراه جمالها بشكل وقتي لمجرد نيل الفرصة أو استعراض القدرة، بدون حب حقيقي، أما إن صدر الغزل عن حب صادق عفيف فهو يدخل في الشعر الخالص لأنه يُعبِّر عن (ذات الإنسان) بصدق مثل شعر مجنون ليلى وقيس بن ذريح، وعروة بن حزام، والدجيما، وابن عمار. ياكثر ماقلت أبا اسوي وابا اسوي ولا فيه شي من اللي قلت سويته ونعني بالشعر الذي يعبر عن (ذات الإنسان) مايسميه بعض النقاد (الشعر الغنائي)، والتعريف لا يعني (الأغاني) بمعناها السائد، بل يعني (التغنِّي) بمشاعر الإنسان الداخلية التي ملأت قلب صاحبها وفاضت على صدره فعبّر عن مكنون نفسه بها رافعاً عقيرته بأبياتها كأنما تتبخّر في داخله المضطرم بالمشاعر، فتُحرّر عواطفه، وتُريحه من الكبت، وتُطهّر صدره، وتوسّعه، وتزيل الضيق عنه نسبياً، فكأنها صمّام الأمان يمنع (القدر الكاتم) من الانفجار. والأشعار المعبرة عن (ذات الإنسان) كثيرة في الشعبي والفصيح ولكننا نختار منها ماتيسّر: وَزَائِرَتي كَأنّ بهَا حَيَاءً فَلَيسَ تَزُورُ إلاّ في الظّلامِ بَذَلْتُ لهَا المَطَارِفَ وَالحَشَايَا فَعَافَتْهَا وَبَاتَتْ في عِظامي يَضِيقُ الجِلْدُ عَنْ نَفَسي وَعَنها فَتُوسِعُهُ بِأنْوَاعِ السّقَامِ إِذا ما فارَقَتني غَسَّلَتني كَأَنّا عاكِفانِ عَلى حَرامِ كأنّ الصّبْحَ يَطرُدُها فتَجرِي مَدامِعُهَا بأرْبَعَةٍ سِجَامِ أُرَاقِبُ وَقْتَهَا مِنْ غَيرِ شَوْقٍ مُرَاقَبَةَ المَشُوقِ المُسْتَهَامِ وَيَصْدُقُ وَعْدُهَا وَالصّدْقُ شرٌّ إذا ألْقَاكَ في الكُرَبِ العِظامِ أبِنْتَ الدّهْرِ عِندي كُلُّ بِنْتٍ فكَيفَ وَصَلْتِ أنتِ منَ الزّحامِ جَرَحْتِ مُجَرَّحاً لم يَبقَ فيه مَكانٌ للسّيُوفِ وَلا السّهَامِ يَقُولُ ليَ الطّبيبُ أكَلْتَ شَيئاً وَداؤكَ في شَرَابِكَ وَالطّعامِ وَمَا في طِبّهِ أنّي جَوَادٌ أضَرَّ بجِسْمِهِ طُولُ الجَمَامِ تَعَوّدَ أنْ يُغَبِّرَ في السّرَايَا وَيَدْخُلَ مِنْ قَتَامٍ في قَتَامِ فأُمْسِكَ لا يُطالُ لَهُ فيَرْعَى وَلا هُوَ في العَليقِ وَلا اللّجَامِ فإنْ أمرَضْ فما مرِضَ اصْطِباري وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي وَإنْ أسْلَمْ فَمَا أبْقَى وَلَكِنْ سَلمت مِنَ الحِمامِ إلى الحِمامِ (المتنبي) ياكثر ماقلت أبا سوّي وابا اسوّي وما فيه شيٍ من اللي قلت سوّيته راحت حياتي وأنا أطرّي وانا انوّي واللي بغيته نسيته يوم خلّيته انا احسبني صغير وبالعمر توّي لاشك شيّبت وزين العمر عدّيته ياليتني ياحمد يومه صفا جوّي هاك الزمن يا شريف البيت خاويته ياكثر ماقلت أبا اسوي وابا اسوي ولا فيه شي من اللي قلت سويته (حمود البغيلي) ابتونّس دامني فوقها حي محدٍ خذا غير الشقا من حياته نركض بها من طلعة الفجر والضي أمّا ممات الذيب والا غناته نزعل ونرضى والنتيجه ولا شي ماغير كثر امراضها والشماته والعافيه كل مالها تنقص شوي بكره تثلث خطوتي مع عصاته ولا تلقى من يسقيك لو كاسة المي شايب اليا وقف تَعَثْره عباته ولا ينفعك لا ورع جبته ولا خي حتى عجوزك تمرضك من شفاته مادامها خضرا ومتوازنه لي والشيب مالوّن حجاجي وفاته ابي اطرّب راسي وحبه الني وقت الشباب وهذي والله حلاته دامي بدرب الحق ومجنب الغي ولا صلّعت ربك يزين مماته ترا النهايه قطعت قماش ملوي محدٍ شراه وجهزه في وفاته بالمغسله محطوط قبلك ومشري ومالٍ جمعته بيد غيرك وصاته حتى الكفن تالي حياتك شحاته (معجب الصقيري) معجب الصقيري