أذكر أنني كنت أحزن مع (نهاية كل قصة) أقرؤها حين كنت مراهقاً.. النهاية غالباً موحشة.. ولكنْ حين أعددت بحثي (الشعر الإسلامي في العصر العباسي الأول) فرحت بنهاية الشاعر المشهور أبي نواس.. فهذا الشاعر الذي ملأ الدنيا مجوناً، وصار رمزاً من رموزه، وأُضيف إليه الكثير مّما لم يفعله، أصابه مرض الموت وهو في الخمسين من عمره، وأخذ جسمه يضعف بشدة وأصابه الهزال وغزته الأوجاع من كل جانب (هل هذا يدعو للفرح؟) كلا بالطبع، مصدر الفرح أنّ ذلك الشاعر الماجن دفعه المرض الذي طال للتوبة والندم على كل ما فعل (وربما صَحّتْ الأرواح بالعلل)، والله توّاب رحيم.. وفي فراش المرض أطلق أبو نواس قصائد كثيرة في التوبة والدعاء والندم، ولكنها -مع الأسف- لم تحظَ بالذيوع كما حظي شعره في المجون: * (إذا ما خلوْتَ، الدّهرَ، يوْماً، فلا تَقُلْ خَلَوْتَ ولكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ ولاَ تحْسََبنَّ اللهَ يغفلُ ساعة وَلا أن مَا يخفَى عَلَيْهِ يغيبُ لهَوْنَا، لَعَمرُ الله، حتى تَتابَعَتْ ذُنوبٌ على آثارهِنّ ذُنُوبُ فَيا لَيتَ أنّ اللّهَ يَغفِرُ ما مضَى، ويأْذَنُ فِي تَوْباتِنَا فنتُوبُ إذَا ما مضَى القَرْنُ الذِي كُنتَ فيهمِ وخُلّفْتَ في قَرْنٍ فَأنْت غَريبُ وإنَّ أمرءًا قَدْ سارَ خمسِينَ حِجَّة ٍ إلى مَنْهِلِ مِنْ وردِهِ لقَرِيبُ) * (أَيا مَن لَيسَ لي مِنهُ مُجيرُ بِعَفوِكَ مِن عَذابِكَ أَستَجيرُ أَنا العَبدُ المُقِرُّ بِكُلِّ ذَنبٍ وَأَنتَ السَيِّدُ المَولى الغَفورُ أَفِرُّ إِلَيكَ مِنكَ وَأَينَ إِلّا إِلَيكَ يَفِرُّ مِنكَ المُستَجيرُ؟) وحين مات وجدوا آخر قصيدة كتبها: (يا رَبِّ إِن عَظُمَت ذُنوبي كَثرَةً فَلَقَد عَلِمتُ بِأَنَّ عَفوَكَ أَعظَمُ إِن كانَ لا يَرجوكَ إِلّا مُحسِنٌ فَبِمَن يَلوذُ وَيَستَجيرُ المُجرِمُ أَدعوكَ رَبِّ كَما أَمَرتَ تَضَرُّعاً فَإِذا رَدَدتَ يَدي فَمَن ذا يَرحَمُ ما لي إِلَيكَ وَسيلَةٌ إِلّا الرَّجا وَجَميلُ عَفوِكَ ثُمَّ أَنّي مُسلِمُ )