عرفت في الثقافة السعودية، نماذج نسائية، مثل: ندى الجزيرة - سلطانة السديري، بوصفها شاعرة وسيدة صالون ثقافي - بديوانها "عبير الصحراء" (1956)، وسميرة خاشقجي، أديبة وصحافية وناشطة نسوية - بروايتها "ودعت آمالي" (1958)، وثريا قابل، شاعرة وصحافية - بديوانها "الأوزان الباكية" (1963)، و"شميم العرار" (1964) لغادة الصحراء - الأميرة جواهر بنت سعود آل سعود، و"عيناك أحزاني" (1970)، للأميرة مشاعل بنت عبدالمحسن آل سعود.. تشاغلت تلك النصوص بقضايا الذات والواقع، أي ما بين موضوعتين كبريين، هما "الحنين" و"الاستعمار"، فلا يمكن أن تشيح الشاعرة عن قضايا عصرها وإلحاحاته المرحلية. إذن، ماذا حققت تجربة فوزية أبو خالد على المستوى الثقافي؟. يتمثل منجز أبوخالد الثقافي، على أكثر من حقل ثقافي، الشعر - محل الشهادة، وأدب الطفل في "طيارات الورق" (1990)، و"طفلة تحب الأسئلة" (1991)، وأعمالها في حقل علم الاجتماع سواء أبحاثها أو مقالاتها. ويمكن ملاحظة المنجز الشعري، منذ ديوان "إلى متى يختطفونك ليلة العرس؟" (1975)، والثاني "قراءة في السر للصمت العربي/ أشهد الوطن" (1982) اللذين وضعاها بالتوازي مع أجندة التحرر - النضال من بعد استعادة الكرامة العربية في حرب 1973، حيث سبقتها هزيمة 1967، واستمرار المسار الثوري العربي على مستوى قريب ثورة ظفار (1962 – 1975)، والمستوى البعيد الكفاح الفلسطيني المسلح اتفاقية القاهرة (1969)، فتمظهرت رموز النضال النسوي العربي، أي: جسدنة الفداء، عند المناضلات جميلة بوحيرد وليلى خالد وطفول العمانية أو المجازر والجلاءات الجماعية والاجتياحات مثل: نكسة (1967)، تل الزعتر (1976)، اجتياح بيروت (1982). وتسوق على ذلك في شهادة لها "كلام غير رومانسي في تجربة شرسة" (1994): "تجربة قصيدة النثر لم تكن بطبيعة الحال، غريبة في ساحات ثقافية أخرى من الوطن العربي، كانت أرضية تلك الساحات أكثر مخاطرة في التجديد، وأعمق تجربة في العلاقة بين المد التحرري على المستوى الوطني، وبين التجديد والتحديث على المستوى الثقافي والإبداعي". فلا يخفى في تلك النصوص استثمار أساليب "الفورة النضالية" الملتهبة في كتابات غسان كنفاني ومحمد الماغوط وإدماجها بمجازات "الرومانسية الفظة" عند نزار قباني - في "مائة رسالة حب" (1970)-، وغادة السمان - في كتاباتها الشعرية منذ "حب" (1973)-. وجعلها الوعي بمعضلات مجتمعها وعصرها، تندفع إلى استراتيجية الكتابة الأخرى، فهي بعملها كاتبة وموظفة وأستاذة، استوعبت منظومات "ثنائية التضاد" في " بين المثقف والسلطة، الثقافة والمؤسسة، والإبداع والحرية من جهة وبينه وبين الالتزام من جهة أخرى"، يمكن أن تردي بتجربة إبداعية إلى الجنون والخسارة، وأقرب أمثلتها الروائية منى جبور، والشاعران حمد الحجي ونجيب سرور، أو تحدث حالة توازن واستمرار. انتقلت من شعرية النضال – التوحش، نحو التشظي - الهامش، في دواوينها اللاحقة، إذا اعتبرنا "ماء السراب" (1995) يحمل آخر بقايا أسلوب البداية – التفجر، أي عفوية الانطلاق وتدوير الذاكرة. وظهر ذلك عند انتقالها من شعرية المعنوي إلى شعرية المادوي، أي تقمص الأشياء واستنطاقها، في "شجن الجماد" (2006)، و"تمرد عذري" (2008)، و"ملمس الرائحة" (2014). بينما اختبرت نفسها بين تدوير الذاكرة الشعرية العربية، في انفراد الشاعرة العربية بالرثاء، على أن "موضوعة الرثاء" تجاوزت المرثي إلى رثاء الذات والمدن، وبين توظيف التراث الثقافي النجدي – الحجازي في ديوان "مرثية الماء" (2005) بموضوعه رثاء شقيقها محمد – رحمه الله-، فتقلب "واقع الجنازة" إلى "مجاز العرس"، مستثمرة "طقوس الاحتفال" كلها، ليصبح الميت عريساً. وبهذا خرجت من أساطير كبرى استحكمتها على انهيارها إلى نوافذ الذات المغلقة، وتحول الضجيج إلى صدى تبدد مع الأيام، فاستحال إلى حديث النفس وأوهامها.. التجربة الشعرية، منتجاً ثقافياً، إما تكون شهادة على حياة في مرحلة، وإما تكون وصمة لا تغفرها الذاكرة ولا تمحوها الأيام.. فهل كانت أبو خالد مع نفسها أو ضدها.. لا أدري. * مقاطع من شهادة بمناسبة مهرجان بيت الشعر الثاني دورة فوزية أبو خالد 22- 25 ديسمبر 2016.