الأسهم الأوروبية تتجه لمكاسب أسبوعية بدعم البنوك    9 طلاب موهوبين من تعليم الطائف يتألقون في «إبداع 2026»    كتاب جدة يقيم ورشة لمهارات المقالة النقدية    تفاصيل رغبة مانشستر يونايتد في ضم روبن نيفيز    مُحافظ الطائف يستقبل وفدًا من أعضاء مجلس الشورى    الأمير سعود بن مشعل يزور «ونتر وندرلاند جدة»    اختتام دورة حكام التايكوندو "بومسي –مستجدين" بجدة    تعليم جازان يحتفي باليوم العالمي للغة العربية ٢٠٢٥    زانيتي: السعودية رائعة وستنظم مونديالا عظيماً    «زاتكا» تُحبط تهريب 187 ألف حبة كبتاجون بمطار الملك عبدالعزيز    المملكة ترحّب بقرار إلغاء العقوبات الأمريكية على سوريا    المعيقلي: ولاية الله أساس الطمأنينة والإيمان    الحذيفي: التقوى وحسن الخلق ميزان الكرامة عند الله    عسير في صدارة الوجهات السياحية الأسرع نموًا في الخليج العربي 2025    الين يتراجع بعد قرار المركزي الياباني برفع الفائدة    جامعة تبوك تحتفل بحصول جميع برامج البكالوريوس على ⁧‫الاعتماد البرامجي‬⁩ بنسبة 100%    ارتفاع أسعار النفط في ختام تعاملاته    مقتل سبعة أشخاص في تحطم طائرة خاصة في الولايات المتحدة    لولا يؤكد أنه سيستخدم حق النقض ضد قانون يخفض فترة سجن بولسونارو    «دوائر النور»    موسى المحياني: وضع الأخضر قبل المونديال مخيف والتحرك يبدأ الآن    السياح يوثقون مهرجان الإبل    قطرات للأنف لعلاج سرطان المخ    انتشار فيروس جدري القرود عالميًا    فيفا يصدر قراره في نتيجة مباراة المنتخبين السعودي والإماراتي بكأس العرب 2025        مهرجان الرياض للمسرح يتألق في ثالث أيامه بعروض مسرحية وحفل غنائي    بطولة "قفز السعودية".. عبدالرحمن الراجحي بطل شوط نقاط كأس العالم 2026    القبض على يمني في جازان لترويجه نبات القات المخدر    نابولي يثأر من ميلان ويتأهل لنهائي كأس السوبر الإيطالي بالسعودية    مزادات الأراضي تشتعل بصراع كبار التجار    إستراتيجية واشنطن في لبنان وسوريا بين الضغط على إسرائيل وسلاح حزب الله    تخريج 335 كفاءة وطنية ضمن برامج التدريب بمدينة الملك سعود الطبية    "القوات الخاصة للأمن والحماية" نموذجٌ متكامل لحفظ الأمن وحماية مكتسبات التنمية    أمير منطقة جازان يستقبل القنصل الهندي    أمير جازان يستقبل الفائز بالمركز الأول في مهرجان الأفلام السينمائية الطلابية    جمعية أرفى تحصد فضية جائزة "نواة 2025" للتميز الصحي بالمنطقة الشرقية    تعليم الطائف ينفّذ لقاءً تعريفيًا افتراضيًا بمنصة «قبول» لطلبة الصف الثالث الثانوي    أمير تبوك يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تعيد توطين طائر الجمل بعد غياب 100 عام    أمير الشرقية يكرّم داعمي جمعية «أفق» لتنمية وتأهيل الفتيات    أمير القصيم يواسي خالد بن صالح الدباسي في وفاة زوجته وابنتيه    نعمة الذرية    في ذمة الله    البيطار يحتفل بزفاف مؤيد    القحطاني يحصل على الماجستير    ضبط أحزمة ناسفة وصواريخ.. تفكيك خلية تابعة ل«داعش» في إدلب    تصعيد عسكري في كردفان.. الجيش السوداني يستهدف مواقع ل«الدعم السريع»    سمو ولي العهد يعزّي ولي عهد دولة الكويت في وفاة الشيخ جابر مبارك صباح الناصر الصباح    أكد أنه امتداد لدعم القطاع الصناعي من ولي العهد.. الخريف: القرار يعزز التنمية الصناعية ويطور القدرات الوطنية    تصاعد الاستيطان الإسرائيلي يثير إدانات دولية.. واشنطن تؤكد رفض ضم الضفة الغربية    حرقة القدم مؤشر على التهاب الأعصاب    علماء روس يطورون طريقة جديدة لتنقية المياه    البكري تحذر من الإفراط في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي    تصعيد ميداني ومواقف دولية تحذر من الضم والاستيطان    أمير تبوك يطلع على نسب الإنجاز في المشروعات التي تنفذها أمانة المنطقة    الهيئة العامة للنقل وجمعية الذوق العام تطلقان مبادرة "مشوارك صح"    «المطوف الرقمي».. خدمات ذكية لتيسير أداء المناسك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محاربة الخرافة أولى مراحل تأسيس التفكير العلمي
نشر في الرياض يوم 26 - 01 - 2006

الخرافة والعلم لا يجتمعان، هذه حقيقة لا تحتاج البرهنة عليها سوى رؤية نتاج كل منهما في المجتمعات التي تعيشان فيها، لا يلبث التفكير العلمي أن يغادر الساحة من بابها الخلفي فور دخول الخرافة من بابها المقابل، لأن الخرافة في حقيقتها تعطيل لأهم القوانين التي يعتمد عليها العلم تفكيراً وممارسة، هذا القانون هو قانون السببية الذي يُعنى بتأكيد وجود علاقة ترابط عضوية بين الأسباب والمسببات، علاقة لا تنفصم عراها ولا تغيب نتائجها المبنية على مقدماتها الصحيحة .
في الفضاء العربي/الإسلامي الذي تضرب فيه الخرافة أطنابها وتسجل فيه حضورها من أحرف من ذهب كان المجتمع الجاهلي فيه وقت نزول القرآن مجتمعاً يعج بالخرافة التي كانت لا تتحكم فقط في نمط التفكير الذي يتوافر عليه ذلك المجتمع، بل إنها كانت تتحكم حتى في مسيرة حياة أفراده اليومية، وللتشاؤم والطيرة والخوف من تلبس الجان قصص لا تنتهي منذ أيام الجاهلية وحتى اليوم، كان العربي الجاهلي إذا تحرك من مضاربه متوجهاً إلى أي وجهة يهمه أمرها عمد إلى إثارة الطير الواقع على الأشجار فإن اتجه جهة معينة يعتبرها جهة إيجابية (اليمين مثلاً) تفاءل برحلته وعدَّ نتائجها الإيجابية من شبه المضمون، أما إذا اتجه الطير جهة أخرى محسوبة عنده في عداد السلب (الشمال مثلاً) تشاءم من رحلته وربما ألغاها لحين ما تقرر الطيور موعداً مناسباً آخر للرحلة!!!! .
كان ذلك العربي الجاهلي يتشاءم من مخلوقات حيوانية بعينها كالغراب والبوم التي إذا رآها في مسيره أو افتتح بها يومه عاد فتشاءم من يومه ذلك وأعاد ترتيب أوليات أيامه أو رحلاته لغد آخر لا يصادف فيه أياً من تلك المخلوقات، أما قضية الاتصال بالجان وتلبسه بالبشر فتلك قضية أخرى كانت من الرواسي الثقافية في حياة المجتمع ذلك الجاهلي التي لا يبني عليها العربي آنذاك تفاصيل حياته اليومية فقط، بل ربما تعدى ذلك إلى التأثير على وجوده بشكل أساسي، لقد عرف عرب الجاهلية ما اعتبروه آلية الاتصال بالجان عن طريق ظاهرتي الشعر والكهانة بشكل خاص بوصفهما ظاهرتين لهما أصول خاصة تمكن من توافر عليها من الاتصال بعالم الجن الذي تصوروه آنذاك قبائل متفرقة تعيش في وادٍ خاص في الصحراء أطلقوا عليه «وادي عبقر» وطبقاً لتصورهم عن صفات وصور الجان باعتبارها مخالفة لصفات البشر وصورهم فقد كان لأفراد ذلك الجان - وفقاً للتصور الجاهلي - القدرة على اختراق الحجب الفاصلة بين السماء والأرض واستراق أسماعهم لأنباء السماء ومن ثم إخبارهم عن الغيوب.
في جانب الشعر، وهو إحدى ظاهرتي الاتصال بالجن، فقد اعتمد العرب في الجاهلية - وفقاً لما توافرت عليه مخايلهم آنذاك - على الجن في نظمه وروايته، نجد ذلك واضحاً في استحضار الشاعر الأعشى لقرينه من الجن الذي يدعى «مسحل» وذكره اعتماده عليه في قرض الشعر إذ يقول الأعشى:
وما كنت شاحِرْداً ولكن حسبتني
إذا «مسحل» سدى لي القول أنطق
شريكان فيما بيننا من هوادة
صفيان جنيِّ وإنسيٌ موفق
جاء الإسلام بصفته خاتم الديانات ليأخذ على عاتقه نقل ذلك المجتمع الغارق حتى أذنيه في محيط الخرافة إلى آفاق رحبة من التفكير العلمي المنظم المنطقي الذي يربط المسببات بأسبابها والنتائج بمقدماتها، ولأن النصوص المؤسسة لا تستطيع وفقاً لآلياتها في تغيير المجتمعات القفز التام على مفردات الثقافة المعاشة إذ لو فعلت ذلك فلن يكتب لها القبول، فقد كان على النصوص الإسلامية المؤسسة (القرآن بالذات) أن تساير تلك الثقافة بالتأثر فيها من ناحية والتأثير فيها من ناحية أخرى وفقاً لآلياتها الخاصة سعياً منها لإحداث نقلة تطويرية لا تتعارض مع الواقع الذي تعيش فيه.
وفقاً لتلك الآلية فقد بدأ القرآن الكريم بتفكيك ما يعرف بظاهرة اتصال الجن بالسماء واستراق السمع ومن ثم التوصل إلى علم الغيب الذي يعتمد عليه بشكل أساسي مفهوم تأثير الجان بالإنس وذلك في قوله تعالى {وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً، وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحداً، وأنا لمسنا السماء «والكلام هنا يأتي على لسان الجن» فوجدناها مُلِئت حرساً شديداً وشهباً، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهاباً رصداً} وأيضاً في قوله تعالى {إنا زينا السماء الدنيا بزينةٍ الكواكب، وحفظاً من كل شيطان مارد، لا يسَّمَّعون إلى الملأ الأعلى ويُقذفون من كل جانب، دحوراً ولهم عذاب واصب، إلا من خطف الخطفة فأتبعه شهاب ثاقب} وهكذا ألغى القرآن وإلى الأبد مفهوم اتصال الجن بالسماء واستراق الأخبار منها ومن ثم إلغاء أي مفهوم يرمي إلى تأثيرهم في الإنس تأثيراً يعتمد على ما يعرفونه من أخبار السماء، وقد ترك القرآن للعرب مهمة إكمال الصورة الفارغة مما أراد تفكيكه من مفهوم خرافي وفقاً لآليته في التطوير المتسلسل.
أما في مجال التشاؤم والتطير فقد تكفلت السنة النبوية بمهمة تفكيك ظاهرتيهما ممثلاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره عن أنس بن مالك (لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل، قالوا وما الفأل؟ قال كلمة طيبة) وهكذا ألغى الرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً التشاؤم والتطير إلى الأبد وأحل مكانه التفاؤل الذي لا يعني اليقين الذي ران على قلوب عرب الجاهلية بقدرة الأفكار الخرافية على تحقيق المراد، بل هو تفاؤل لا يجزم بتحقيق الأمر إلا بعد تقديم أسبابه ومقدماته وانتظار مسبباته ونتائجه بعد ذلك، في تدشين مرحلي هام للسببية ولإحلال التفكير العلمي في مرحلة مبكرة جداً من حياة العرب والمسلمين، لكن تلك النقلة التطويرية الهامة التي أرسى قواعدها الإسلام لم يُكتب لها النجاح الذي كان ينتظره الرسول صلى الله عليه وسلم من إكمال المسيرة نحو القضاء على التفكير الخرافي من الحياة العربية بشكل كامل، بل عادت أساطين تلك الخرافة لتسيطر على الثقافة العربية بشكل يكاد أن يتماس مع ما كان معاشاً وقت الجاهلية، فانفصلت الأسباب عن مسبباتها في النظر إلى الحوادث الطبيعية بشكل عام، وحل محلها القول بالصدفة أو كما حاول الأشاعرة أن يلطفوا به الأمر بقولهم بالعادة بدلاً من السببية، إذ قالوا إن العلاقة بين النار والاحتراق مثلاً ليست علاقة تلازم ضرورية بل علاقة ناتجة عن العادة فقط، أي أن الناس اعتادوا على رؤية الحريق يندلع في القطن مثلاً عندما تمسه النار، ولكن - وفقاً للرؤية الأشعرية بالطبع - يجوز أن لا تجري العادة وفق مجراها الطبيعي بحيث يمكن أن لا يحترق القطن أو القماش حتى وإن مسته النار.
الأمر في هذا العصر ليس ببعيد عما كان يتعاطاه أهل الجاهلية خاصة عندما نلاحظ جموعاً من الأنام وقد شدوا رحالهم وحطوها زرافاتٍ ووحداناً عند الكثير من الرقاة والمشعوذين بغية استشفائهم في أمور يعتقدون أنها ناتجة من مس الجان أوالعدوى أونتيجة للتطير، حيث ترى الخيام وقد نصبت والجموع وقد شخصت أبصارها انتظاراً لما ستتمخض عنه مخيلة ذلك الراقي أو المشعوذ من تشخيص لما يعانون منه من ظواهر مرضية تحسب في الغالب سواءً من قبل المستشفين أوالمستشفى بهم على ظاهرة الاتصال الما ورائية التي فكك القرآن ظاهرتها عند نزوله بأن تجاوب معها كظاهرة ثم ألغى أساسها المعرفي تماماً تمهيداً لإلغاء ذلك المفهوم الذي كان يعشعش على أفئدة وعقول الناس، وما هو حري بنا الآن وبعد انتشار العقلانية على هذا المستوى الواسع واستعانة بالتأسيس المعرفي للقرآن الكريم والسنة النبوية لإلغاء الكهانة والطيرة والتلبس، أن نبدأ بتأسيس التفكير العلمي - عن طريق مناهج التعليم خاصة - على أنقاض خرافة وطيرة العصر العربي الحالي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.