لا تكره شعوب العالم صداقة أمريكا، لكنها لا تطمئن أو تثق بها، لأنها متقلبة وغير أمينة إلا بما يخدم مصالحها، والرئيس بوش لو استعرض ولايته الأولى في خطاب التنصيب الليلة قبل الماضية، لربما وازن بين التعاطف الكبير الذي حصل عليه خلال أحداث 11سبتمبر والكراهية المتنامية التي تسبب بها غزو العراق، والنظر إلى بقية الشعوب كقطيع يحتاج إلى راع يعيد توليفه بطباع وثقافة أمريكا.. تكلم بوش عن الحرية، ورسالة أمريكا، المبشرة بعالم تريد تكوينه على شروطها دون أن تدرك أن أكبر، وأخطر الأمور في إحداث تغييرات في بنية المجتمعات وكسر تقاليدها، وثقافتها أن يكون البديل اختطافاً لها، وفرض سلوك دولة ما بالقوة، وقد سبق لدول استعمارية دام بقاؤها ما يزيد على ثلاثة قرون، ومع ذلك عجزت أن تغير من لغة، ودين وثقافة مستعمراتها، وأمريكا، بعصر المعلوماتية وتداخل الشعوب وتقاربها، ليست مهيأة أن تكون الرسالة الأمينة والمقبولة إلا إذا أعادت سياستها، وانطلقت من حق الشعوب بالحرية التي تنبع من داخلها لا المفروضة بكثافة نيران الأسلحة.. الشعب الأمريكي، ودود وصادق ويفهم قيمة الصداقات وصيانة الأمن العالمي إلا أنه يفتقد لثقافة واسعة تجعله يعرف حقيقة الأمم وتواريخها، ومقدساتها، ولذلك يأتي التأثير السياسي، والإعلامي كبديل عن قراءة الحقائق باستقلالية تامة، وهو ما سهّل على القيادات التي دخلت البيت الأبيض أن تملي إرادتها بكثافة دعايتها، لا بنشر الثقافة عن شعوب العالم وتاريخها.. الرئيس بوش كسب بعض الحروب العسكرية والنفسية، لكنه عجز أن يعطي الثقة للآخرين بسلامة سياسة بلاده، وهذه النقطة بالذات خلقت رأياً مضاداً وعدائياً مما جعل العقول الأمريكية التي استشعرت الخطر أن ترفض هذا التوجه لأن اختزال العالم برأي أمريكي أحادي الجانب، لا يمكن أن يضمن النجاح، لأن مصير كل شعب وأمة، لا يُعلَّق على إرادة دولة أخرى حتى لو كانت بحجم وقوة أمريكا.. الغريب أن خطاب بوش جاء عاطفياً مملوءاً بالمصطلحات الدينية، مبتعداً عن مأزق العراق، والإرهاب، وكأنه يعترف أن السنوات الأربع الماضية من رئاسته لم تكن بزخم سنوات كلينتون مثلاً، وحتى لو استند بأقواله إلى التأييد الشعبي الذي أعطاه إياه من انتخبه، فهو ليس دلالة على نجاح سياسته الخارجية، ولم يكن التفاؤل بمرحلته اللاحقة كبيراً، بل إن المتشائمين لا يزالون يخشون طفرات أخرى ربما تضاعف من الحروب والعداوات..