الرئيس المصري يُغادر جدة بعد أدائه مناسك الحج    الأمير خالد الفيصل يهنئ خادم الحرمين وولي العهد بحلول عيد الأضحى المبارك    الأمير عبدالعزيز بن سعود يُدشن قيادة الإدارة العامة للمجاهدين في مشعر عرفات    تخصيص 600 عامل نظافة لمنشأة الجمرات    ولي العهد: نجدد دعوتنا للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة    رسالة خاصة من كريستيانو رونالدو لنجله    محترف ضمك يقود رومانيا للتغلب على أوكرانيا    مقابل 12 مليون يورو.. الهلال يتخلى عن البرازيلي ماتيوس بيريرا    رونالدو يضغط لضم راموس إلى النصر    السجن والغرامة والترحيل ل6 مخالفين لأنظمة الحج    نائب أمير منطقة مكة المكرمة يستقبل مدير عام الدفاع المدني المكلف وقائد قوات أمن المنشآت    وزارة الداخلية تختتم المشاركة في المعرض المصاحب لأعمال ملتقى إعلام الحج    خادم الحرمين يتكفل بنفقات الهدي ل 3322 حاجاً وحاجة من برنامج الضيوف    المتطوعون يرون قصصهم مع البرنامج التطوعي الصحي ال16    حجاج بيت الله الحرام يرمون اليوم الجمرات الثلاث في أول أيام التشريق    وزير الصحة يؤكد للحجيج أهمية الوقاية بتجنّب وقت الذروة عند الخروج لأداء ما تبقى من المناسك    "البيئة": 24 ألف ذبيحة بمسالخ الرياض في ثاني أيام عيد الأضحى    نيابةً عن خادم الحرمين.. نائب أمير مكة يُسلّم كسوة الكعبة المشرفة لسدنة بيت الله الحرام    د. زينب الخضيري: الشريك الأدبي فكرة أنسنت الثقافة    2100 رأس نووي في حالة تأهب قصوى    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه مادة الإمفيتامين المخدر    الرئيس الأمريكي يهنئ المسلمين بعيد الأضحى    نائب أمير مكة المكرمة يطلع على خطط أيام التشريق    نجاح حج هذا العام    الذهب يتراجع ترقبًا للفائدة الأميركية    إنجازات السياحة السعودية    تصادم قطارين في الهند وسفينتين في بحر الصين    «الهدنة التكتيكية» أكذوبة إسرائيلية    ارتدوا الزي الوطني.. الثقافة السعودية تزين عيد الحجاج الصينيين    محمد بن ناصر يستقبل المهنئين بعيد الأضحى    الجوازات تؤكد جاهزيتها لإنهاء إجراءات مغادرة ضيوف الرحمن في جميع المنافذ الدولية    الحجاج يكملون رمي الجمرات الثلاث لليوم الأول من أيام التشريق    الأمن الصناعي بشركة المياه الوطنية عينُُ ساهرة لاتنام لحراسة اكثر من 3 مليار لتر من المياه    القادسية يشارك في بطولة MADCUP الإسبانية    فيلم "ولاد رزق 3" يحطم الأرقام القياسية في السينما المصرية بأكثر من 18 مليون جنيه في يوم واحد    هيئة الاتصالات: وصول مكالمات الحجاج إلى 44.8 مليون مكالمة في مكة والمشاعر خلال يوم العيد    51.8 درجة حرارة المنطقة المركزية بالمسجد الحرام    عروض الدرعية تجذب الزوار بالعيد    "الصحة" للحجاج: تجنبوا الجمرات حتى ال4 عصراً    عيد الأضحى بمخيمات ضيوف الملك ملتقى للثقافات والأعراق والألوان الدولية    نائب أمير مكة يستقبل وزير الحج ووزير النقل والخدمات اللوجستية وقائد قوات أمن الحج    موسكو تحذّر كييف من رفض مقترحات السلام    «الأرصاد»: «49 درجة مئوية» الحرارة العظمى المتوقعة في منى ومكة.. اليوم    كاليفورنيا ..حرائق تلتهم الغابات وتتسبب بعمليات إجلاء    الاحتلال الإسرائيلي يحرق صالة المسافرين بمعبر رفح البري    رئيس "سبل" يهنئ القيادة بمناسبة حلول عيد الأضحى    مصادر «عكاظ»: هتان يحدد مصيره «الاحترافي» عقب رحلة أمريكا    «الداخلية» للحجاج: تقيّدوا بالمواعيد والمسارات والاتجاهات المحددة    40 نيابة لمباشرة القضايا في الحج    «الإحصاء»: التضخم يواصل استقراره.. وصعود طفيف للأسعار    «السراب» يجمع يسرا اللوزي وخالد النبوي    قتل تمساح ابتلع امرأة !    1 من 6 مصابون به.. هذه المشكلات وراء العقم في العالم    5 فوائد صحية لماء البامية للرجال    جهاز إشعاعي للكشف عن زهايمر القلب    بيلينغهام يهدي إنجلترا فوزاً صعباً على صربيا.. وفيخهورست ينقذ هولندا    ردة الفعل تجاه مستيقظي العقل    أمير منطقة تبوك يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك مع جموع المصلين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية والراوي
نشر في الرياض يوم 08 - 12 - 2005

السؤال التقليدي والرتيب الذي يواجه به الروائي دائماً - وخاصة في المجتمع التقليدي -: هل أنت في عملك؟، أو هل أنت فلان (شخصية روائية)، أو هل وقائع الرواية واقعية؟! على هذا النحو؛ يسأل المجتمع التقليدي مبدعيه. وهي أسئلة مخابراتية، تلتهم المفاهيم الفنية لهذا الجنس الأدبي المنفتح بطبيعته على آفاق التأويل اللامتناهية.
من العسير على المجتمعات النامية، الآخذة في التشكل المدني، والتي لم تكتسب الهوية المدنية بعد؛ أن تتقبل العمل الروائي المشبع - بطبيعته - بحيوية المدنية المعاصرة وإشكالياتها المعقدة. ولن تتقبل هذه المجتمعات التقليدية هذا الجنس الأدبي المنتمي لمجتمعات ما قبل المدنية؛ إلا بعد رحلة المخاض الثقافي التي تضعها أمام حقيقة الزمن الجديد.
الرواية هي بنت المدينة كما يقال. والمدينة هي الفضاء الخصب للمتناقضات، تلك المتناقضات التي تمنحها الهوية المدنية، ومن ثم الحيوية التي تكفل لها النمو والاستمرار. أما التقليدية - من حيث هي بنية ذهنية، ومن حيث هي مجتمع تقليدي تتجلى من خلاله - فهي على الضد من عالم المدينة، ومن ثم عالم الرواية.
لهذا؛ تواجه المجتمعات التي تقف على الحدود الفاصلة بين المرحلة التقليدية (ما قبل المدنية) والمرحلة الحداثية (مرحلة المدنية) إشكالاً ثقافياً حاداً، وتأزماً نفسياً عاماً، وذلك في محاولتها التكيف مع مرحلة حضارية جديدة، مرحلة مغايرة لما سبق؛ تصوراً وحقيقة إنها - لسذاجتها - تحاول أن تتمتع بالحاضر المدني، ولكنها - في الوقت نفسه - تأبى الخضوع لاشتراطاته العضوية التي تخضع لها بالضرورة. وتأبيها هذا مجرد دعوى، يرفضها واقع الحال.
عالم الأرياف والقرى عالم محدود في أبعاده كافة. ومن ثم، فهو عالم بسيط متماثل مكشوف، لا يكاد يخفي شيئاً. وهذا يقود إلى صرامة الرقابة الاجتماعية من جهة، ومن جهة أخرى، إلى أن يكون الحدث رهين لحظته، من حيث تعرّف الاجتماعي عليه. أي أن عنصر المفاجأة يكاد يكون معدوماً في القرية والريف. بينما المدينة تكتنز أسرارها إلى حين!
حين تأتي الرواية في السياق المدني المعقد والمتنوع، فلكي تحكي هذا التعقيد وهذا التنوع بكل أمانة، وبعيداً عن التزييف والتبسيط. لكن آلية التمثل الروائي ليست آلية ساذجة، بحيث تعكس الواقع آلياً عن طريق الحكاية؛ كما يبدو للمراقب الخارجي، بل هي آلية من نوع خاص (إبداع)، يكتب لها النجاح؛ حين تستطيع الإمساك بما خفي من عناصر الإشكال الاجتماعي (فنياً)، وحين تستطيع تتبع الخيوط الدقيقة الغائرة للإشكالية الحياتية التي هي بصددها، وذلك في سراديب المجتمع المغلق المتخم بالأسرار، وفي الشوارع الخلفية التي يرفض الجميع الاعتراف بها؛ لأنها - كما يرون - منفى الجريمة والعار.
الرواية بطبعها كاشفة فاضحة، تعري الأنا أمام نفسها قبل أن تعريها أمام الآخر. ولهذا يكون من المؤلم للذوات المتنرجسة أن تتقبلها إلا باخضاعها للتصور النرجسي الواعي. إن المجتمعات التقليدية - المتنرجسة بطبعها - لا تقبل الرواية إلا بشرط أن تتخلى الرواية عن شرطها الروائي، أي أن تكون مجرد (حكاية) عارية من الزمن والمكان والأشخاص!
تختلف الرواية من هذه الزاوية عن الشعر. فالشعر نرجسي الطابع، وليس من الضروري أن يكون نقدياً؛ حتى في بعده العام ك(خطاب). بينما الرواية حياة يخلقها الروائي إزاء الحياة الواقعية. وبصرف النظر عن طريقة تمثلها للواقعي، فهي نقدية على كل حال. ومتى سقط منها البعد النقدي؛ فإنها تسقط إلى قاع البيانات الدعوية والدعائية لهذا الحزب أو ذاك.
التجربة الروائية الاشتراكية - إبان المد الاشتراكي - والتجربة الروائية الإسلامية الراهنة، مازالت تحكي رحلة الفشل الفني الفاضح. المؤدلجون من هذا الفريق أو ذاك، تصوروا الرواية إحدى قنوات الدعاية المؤثرة؛ فكتبوا عن الأخلاق والمبادئ والشعارات. وتأبى الرواية أن تحكي زيف القضية والفن بقسرها على مجتمع لا يتقاطع مع فنها ولا مع إشكالياتها على نحو خلاق.
يريد المجتمع التقليدي أن تقف الرواية عند حدود ما يرسمه المجتمع عن نفسه من صور واعية، تحكي له ما يريد لنفسه أن تكون عليه. بينما الرواية تحكي المجتمع؛ باستنطاق الصامت من أزمنته وأمكنته وأشخاصه. في الرواية - حال كونها إبداعاً - تنطق الأشياء عن نفسها بحرية تامة، ودون رقيب واع، عكس ما يريد لها المؤدلجون المزيفون.
ومنذ المعري الذي أراد أن يحكي مجتمع الدنيا والآخر عن طريق تصور دنيوي للآخر، والمجتمع العربي في صدام ثقافي مع الراوي والرواية. وقد يتسامح مع المقامة؛ لأنها تنتهي إلى حيث القيمة الاجتماعية المعلنة، ولكنه لم - ولن - يتسامح مع المعري (الروائي!)؛ لأنه أبقاها مشرعة على أكثر من سؤال. المقامات كانت الإجابة عليها حاضرة اجتماعياً، ولم ترفض المقامة ذلك، بينما (رسالة الغفران) تبحث في المجتمع عن كل سؤال مشروع أو غير مشروع؛ ولا جواب!!!
وعلى الرغم من ابن شهيد وابن طفيل، وبقية الاستثناءات المختصرة، قديماً وحديثاً، لم يصطدم العربي بنفسه - روائياً - قبل التجربة المحفوظية في أربعينيات القرن العشرين وما بعدها. لقد كانت التجربة المحفوظية قادرة على أن تتماس - بفنية عالية - مع المجتمع الذي لم يتعود قراءة نفسه بعد؛ فتجبره على رؤية المدينة (القاهرة آنذاك) من أعماقها. ولهذا لم يكن متوقعاً أن تستجيب الثقافة المحافظة لهذا الإبداع الصاعد، بل كان رفضه كنوع أدبي هو موقفها في المراحل الأولى.
لقد كان من الطبيعي في هذا السياق، هذا السياق المحافظ من جهة، والجاهل بطبيعة الرواية من جهة أخرى، أن توضع الأعمال الروائية في دائرة المقصى، إما بمبررات ثقافية تضعها خارج المتن الثقافي المعترف به، وإما بوصمها بتهمة الاشتباك مع الديني، والعقائدي منه على نحو أخص.
المصادرة الثقافية لم تتوقف عند حدود التناول الثقافي، بل تجاوزته إلى المصادر المادية لهذا العمل (الكتاب) المرفوض، لهذا السبب أو ذاك. تم توظيف الأجهزة المدنية لخدمة الرقابة الثقافية!؛ فأصبح الكتاب يتصدر قائمة الممنوعات من التداول أو الاتجار. لم يشفع ل(أولاد حارتنا) ولا (الخبز الحافي) ... إلخ، فضلاً عمّا هو دونها فناً وتجاوزاً، أن تنتمي إلى عالم ليس هو الواقعي بحال، وليس هو التعبير المباشر الذي هو ذات منطوقه. لم تكن الفنية من جهة، ولا الحاجة المعرفية إليه من جهة أخرى، لتمنحه فرصة العبور عبر بوابة المترصد الرقابي!.
وإذا كانت هذه هي حال العمل الروائي، من حيث موقعه في الاجتماعي والثقافي، ومن حيث موقعه على قائمة الاتهام، فإن كل ذلك ينعكس على الروائي شخصياً، من حيث افتراض نوع من العلاقة بينه وبين نصه؛ تجعله قائلاً لمقولات النص على نحو مباشر.
القراءة التقليدية للعمل الروائي عاجزة عن فهم الدور الحقيقي للذات المبدعة في العمل الروائي، ومن ثم يبقى المبدع - في نظرها - رهين مقولات النص. في القراءة التقليدية؛ المجتمع الإنساني الذي تخلقت الرواية من مادته الأولية بريء، والنص - كأفق تأولي - بريء أيضاً، ولا متهم سوى الروائي.
ويزداد الاضطهاد القرائي المترصد للروائي؛ عندما يتقاطع العمل مع السيرة الذاتية للروائي. رواية الحياة (السيرة الذاتية) والرواية الفن من الطبيعي أن يتداخلا على نحو من الأنحاء. والويل كل الويل - بالمنظور التقليدي - للكاتب الذي لا يكون ماهراً في طمر ملامح هذا التداخل بين رواية الحياة ورواية الفن.
السؤال التقليدي والرتيب الذي يواجه به الروائي دائماً - وخاصة في المجتمع التقليدي -: هل أنت في عملك؟، أو هل أنت فلان (شخصية روائية)، أو هل وقائع الرواية واقعية؟! على هذا النحو؛ يسأل المجتمع التقليدي مبدعيه. وهي أسئلة مخابراتية، تلتهم المفاهيم الفنية لهذا الجنس الأدبي المنفتح بطبيعته على آفاق التأويل اللامتناهية.
بين إجابات الروائي التي يطرحها استجابة لمثل هذا الاستجواب، وبين الإجابات التي ينطق بها عالم الرواية، يتهاوى النص. ويزداد الأمر سوءاً عندما يحاول الروائي تبرئة شخصه مما اقترفه العالم الروائي على يديه. أي أنه يعترف بالجريمة وينكرها في آن؛ مع أن الأدب بريء دائماً، ولا يمكن أن يُدان إلا من حيث أدبيته. إن الروائي برئ كبراءة الرواية، ولكنها الإيديولوجيا الحركية، تحتال بكل هذا الترصد للرواية والروائي؛ لتصادر الإبداع، ومن ثم تصادر الإنسان.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.