سأتطرق إلى بعض الأسئلة الشائعة التي تتكرر في أذهان الناس عن الصيام والصحة وسأحاول أن تكون الإجابات مختصرة بقدر الإمكان: * لماذا أشعر بالعصبية وأنا صائم بالذات في نهاية اليوم؟ - صحيح أن نسبة كبيرة من الشعور بالعصبية أثناء الصيام هو سبب نفسي غير حقيقي، بمعنى هو افتراض أن الصائم لا يتحمل أي شيء وهو افتراض غير صحيح، ولكن هناك سبب فسيولوجي صحيح يتمثل في نقص السكر في الدم بالذات في نهاية اليوم مما قد يؤثر على فاعلية وعمل بعض الخلايا العصبية، وكردة فعل للجسم يحدث هناك تغيرات هرمونية لضبط الاستفادة من السكر المتبقي بشكل أفضل فيتم تقليل إرساله لبعض الخلايا مما يسبب الشعور بالهبوط والضعف وأيضاً العصبية وتقلب المزاج. كما أن الجوع وخلو المعدة من الأكل يحدث تقلصات تؤدي إلى عدم الراحة مما يزيد التوتر وربما العصبية. إن هذه العملية مفيدة جداً للإنسان لو استثمرها بشكل سليم فبدل أن يكفهر وجهه ويقطب جبينة ويرد على مايقابله بعبارة (اللهم إني صائم) مع الشعور السلبي، فالأفضل أن يجعل هذا الهبوط فرصة لتأديب النفس وحملها على التواضع والهدوء والسكينة واستشعار حال الفقراء الذين يحدث لهم نفس الأعراض. * هل الفتور الذي يحصل في الجسم سببه الجوع؟ الجوع ونقص السكر سببان رئيسيان في الفتور ولكن هناك سبب مهم جداً يسبب الفتور في رمضان وفي غيره، ألا وهو نقص الماء في الجسم، وقد يستغرب البعض ذلك ولكن الحقيقة أن نقص الماء يسبب تغيرات كبيرة في الجسم لأن الماء هو البيئة التي تعمل فيها كل مكونات الجسم بما في ذ1لك الهرمونات والإنزيمات والتفاعلات داخل الخلايا، وعندما تقل السوائل عن 1% من كمية السوائل الجسمية فإن التغيرات تبدأ تتضح. يعتبر العطش دليلاً مؤكداً على حاجة الجسم للماء ولكنه لا يعني وجود خطر على جسم الإنسان فالجسم لا يشعر بالعطش بمجرد بدء حاجة الجسم للماء بل بعد فقد أكثر من 1% من السوائل الرئيسية، لهذا لابد من ترتيب شرب الماء والسوائل في ليل رمضان بصفة عامة بشكل مستمر. وقد صنف علماء اللغة مراتب العطش إلى أقسام حسب شدة العطش بدأت بأهونها فأول مراتبه العطش، ثم الظمأ، ثم الصدى، ثم الغلة، ثم اللهبة ثم الهيام، ثم الآوام، ثم الجُواد، ثم القاتل وهو أعلى مراتبه ولكن الظمأ يعني بدء التأثير على الجسم وعملياته الحيوية، ثم مرحلة التأثير على حيوية الخلايا فلا تعد تؤدي وظائفها بالشكل السليم ثم تأتي مرحلة الجفاف في الجلد والشفاه واللسان بحيث لو قرصت الجلد بين أصابعك ثم تركته لا يعود بسرعة لوضعه الطبيعي وهي طريقة مهم معرفتها بالذات للأطفال للتأكد من عدم وصولهم لمرحلة الجفاف، ثم تأتي المرحلة التالية بعد فقد أكثر من 15% من ماء الجسم بأن الجسم يفقد تركيزه فتحدث زغللة في العينين ودوار شديد، ثم يفقد المخ سيطرته على الجسم عند الوصول إلى فقد 20% من الماء فتحدث دوخة وفقد للوعي لو استمرت ساعات فإن ذلك يؤدي للوفاة. هذه الحالات يعرفها الذين يرتادون الصحراء ويحدث لهم مشاكل وفقد للماء أو ضياع فيوقنون بالموت بعد الوصول للمرحلة الثالثة. * لماذا نشعر بالرغبة في النوم بعد العشاء أو السحور؟ - السبب أن نسبة كبيرة من الدم تتجه إلى الأمعاء للمساعدة في هضم وتحليل الطعام وامتصاصه، فيقل الدم عن الأجزاء العلوية ومنها الدماغ وأحياناً يقل عن العضلات فيحدث نوع من التنظيم الداخلي للجسم ومن ضمنه الشعور بالكسل والنعاس، وكلما زادت كمية الغذاء المتناول كلما زاد ذلك التأثر، وأيضاً كلما زادت سرعة تناول الغذاء كلما احتاج الجسم للراحة والاسترخاء. وجدت الأبحاث أن الأغذية النشوية تزيد تلك الرغبة أكثر من العناصر الغذائية الأخرى. * أشعر بدوخة خفيفة بعد الإفطار مباشرة - السبب الارتفاع المفاجئ لسكر الدم بسبب تناول كمية كبيرة من السكر سواء في المشروبات أو المأكولات أو المضافات مثل الشيرة. تلك السكريات تتحول بسرعة إلى جلوكوز وهو سكر الدم مما يرفع نسبة السكر بشكل مفاجئ يؤثر على الدماغ والجهاز العصبي مما يسبب الدوخة. كما أن شرب كميات كبيرة من السوائل يربك المعدة ويضغط على جدرانها بعد أن كانت في وضع الارتخاء أثناء الصيام مما يسبب الشعور بالدوخة وربما الغثيان المؤقت. أنصح بعدم تناول السكريات بكمية كبيرة عند الإفطار، وكلما تم تناول أغذية فيها ألياف ساعد ذلك على ضبط تحول تلك السكريات للدم مما يقلل من حدوث تلك الدوخة. * لماذا يفطر الصائم على الرطب؟ - يقضي الصائم يومه بدون أكل أو شرب فيكون في تلك الحال بحاجة إلى مصدر سكري سريع، يدفع عنه الجوع وماء يرويه من العطش، وأسرع المواد الغذائية التي يمكن امتصاصها ووصولها إلى الدم هي المواد السكرية، وخاصة تلك التي تحتوي على السكريات الأحادية أو الثنائية (الجلوكوز أوالفركتوز أو السكروز) لأن الجسم يستطيع امتصاصها بسهولة وسرعة خلال دقائق معدودة بالذات إذا كانت المعدة والأمعاء خالية كما هي عليه الحال في الصائم. إن الألياف الموجودة في الرطب أو التمر تساهم في تنظيم تحلل السكر الموجود في الرطب أو التمر وتزود الجسم به بتدرج لا يجعل سكر الدم يرتفع فجأة مما قد يكون له آثار غير جيدة على الصحة، ولو تم إعطاء الصائم نفس الكمية من السكر بدون تلك الألياف فإن السكر سيرتفع بشكل عاجل مما قد يؤدي إلى مايسمى بإغماءة السكري. إن تناول السكريات (الموجودة في الرطب) يوقف تأكسد الأحماض الدهنية، فيقطع الطريق على تكون الأجسام الكيتونية الضارة، وتزول أعراض الضعف العام والاضطراب البسيط في الجهاز العصبي،، كذلك يوقف هدم الأحماض الأمينية وبالتالي حفظ بروتين الجسم. وعلى العكس من ذلك لو بدأ الإنسان فطوره بتناول المواد البروتينية أو الدهنية فهي لا تمتص إلا بعد فترة طويلة من الهضم والتحلل وتسبب تلبك في المعدة. إن احتواء الرطب على نسبة مرتفعة من الماء (65-70%) يزود الجسم بنسبة لا بأس بها من الماء، فلا يحتاج لشرب كمية كبيرة من الماء عند الإفطار. لماذا يفشل البعض في إنقاص أوزانهم في رمضان؟ رمضان فرصة ذهبية لنقص الوزن إذا تم اتباع برنامج صحي مناسب، ولكن الغالب لا يتبعون البرامج الصحية في رمضان لعدة أسباب. في رمضان تقل الحركة ويتحول النوم من الليل إلى النهار ويتغير نمط الغذاء إلى الأغذية عالية السكريات والدهون وأعتقد أن أهم سبب هو قلة الحركة فالتمارين البدنية قليلة أو ضعيفة والحركة اليومية المعتادة في العمل وغيرها قليلة أو معدومة، بل أن البعض تقل نسبة حركتهم إلى ضعفين أو ثلاثة مقارنة بوضعهم في غير رمضان وبعضهم ينام من الفجر إلى المغرب أي 13 ساعة بدل 7-8 ساعات في غير رمضان، فالتالي يقل حرق الجسم للدهون. * لماذا نشعر بسعادة عند الإفطار؟ - السبب عجيب جداً، هي سعادة نشعر بها ولكن يحدثها تفاعلات معينة داخل الجسم يقوم بها مجموعة من الهرمونات تسمى هرمونات السعادة ومن ضمنها هرمون (الدوبامين) وهو يفرز عند تحقيق الهدف والرضى ولذة العبادة وكل موقف سعيد تمر فيه يكون من خلال إفراز تلك الهرمونات، و هو مرتبط بنوعية الغذاء الذي نحبه وفي نفس الوقت مرتبط برغباتنا الداخلية، كما أنه مرتبط بإدمان المأكولات والمشروبات وحتى السلوك، من يحب مشروب الكولا مثلاً فأنه يشعر بلذة وهو يتناوله ليس بسبب مكونات ذلك المشروب بل لارتباط شربه بإفراز الدوبامين، ولنتصور سعادة المؤمن عندما ينهي صوم يومه فإنه يفرح ويسعد وهذا الهرمون هو من ينفذ عملية السعادة تلك ويجعلها مؤثرة في خلايا الجسم وتظهر علاماتها على النفس والوجه. * أشعر براحة وطمأنينة أثناء الصيام - الحمد لله على ذلك الشعور الإيماني، وهو إنعكاس حقيقي لما يحدث داخل الجسم من تنظيم لعملياته دون إرهاق. وقد أثبتت الأبحاث أن الجوع يساعد بشكل كبير في تهذيب النفس وتنمية قدراته على التحكم في الذات ويزيد من قوة الإنسان وقدرته على التغلب على الشهوات والميول العدوانية، وفي المقابل يسبب الشبع السلوك المتسلط، كما أن الامتناع عن الطعام في الصيام يؤدي إلى إحداث نقص في السكر بالدم وهذا يسبب نوعاً من الضعف الذي يؤدي إلى القابلية للإيمان والتفكير الإيجابي، ويعتقد أنه من أهم أسباب نجاح كثير من القيادات التي سطر التاريخ نجاحاتهم. * أعاني من عسر الهضم والغازات وأحيانا الإمساك، فماذا أفعل؟ - ننصحك بتجنب المأكولات المقلية والمشروبات التي تحتوي على كمية كافيين عالية مثل القهوة والشاي وبعدم الإسراف في الأكل أثناء الإفطار و بشرب الكثير من الماء طوال الليل، وللقضاء على الإمساك ننصح بتناول النخالة والقمح الأسمر والمزيد من الخضار والفاكهة مع شرب الماء طول الليل كما ذكرنا. * ما أفضل وقت للتمارين البدنية لإنقاص الوزن؟ - أفضل وقت هو ماقبل الفطور بساعتين، والسبب أن الجسم يحرق الدهون المخزنة مباشرة لعدم وجود كمية كافية من مصادر الطاقة في الأمعاء، وأفضل تمرين هو التسخين لمدة خمس دقائق ثم ترفع قوة التمرين بالتدريج لمدة عشر دقائق ثم يخفف لمدة دقيقة أو دقيقتين ثم تزاد القوة لمدة عشر دقائق ثم راحة دقيقة إلى دقيقتين أخرى وهكذا. وسبب آخر لهذه الفترة هو إمكانية تعويض السوائل المفقودة بعد فترة وجيزة من التمرين فلا يكون فيه إجهاد حيوي للجسم. في رمضان تقل الحركة ويتغير نمط الغذاء إلى الأغذية عالية السكريات والدهون الرطب أسرع المواد الغذائية التي يمكن امتصاصها ووصولها إلى الدم
