الشدائد ليست كلها شرّ وكما قال الشاعر "جزى الله الشدائد كل خير.. عرفت بها صديقي من عدوي"، فالدروس التي نتعلمها من الأزمات لا يمكن أن نتعلمها في أي ظرف آخر، وفي عاصفة الحزم، التي هي دون شك تضعنا على المحك وتختبر قدرتنا وتماسكنا الداخلي، تعلمنا درساً أساسياً وهو أن أبناء هذا البلد يصبحون يداً واحدة وتذوب بينهم الفوارق وتختفي المناطقية عند الشدائد ويشعر من هو في الشمال والشرق والوسط وكل مكان أن الحد الجنوبي هو الحد المتاخم لبيته. هذا التلاحم أذهل الصديق قبل العدو، فقد كان البعض، ممن تملأ صدورهم كراهية هذا البلد، يتوقعون أن تهب القلائل وتظهر الفتن مع الحرب واستمرارها، لكن اشتعلت صدورهم حدقاً وحسداً عندما وجدوا أن "الموزاييك" الوطني يزداد ألقاً كلما ازدادت المحن واشتدت. أعتقد أن هذا الدرس الذي قدمته "عاصفة الحزم" للعالم غيّر صورة المملكة بشكل كامل في الأذهان، بل غير صورة دول الخليج مجتمعة، فنحن الآن على أعتاب صورة ذهنية جديدة تتناسب مع المرحلة، فلم نعد تلك الدول التي تنتظر من يأتي لحمايتها فنحن الآن نبادر ونحمي الجار ولدينا استعداد لفعل الكثير إذا ما اقتضت الظروف ذلك. قرار مجلس الأمن الأخير الذي أيد عاصفة الحزم وحيّد دولة مثل روسيا وجعلها تمتنع عن التصويت، وتسمح بتمرير القرار الذي ينصف الشرعية ويؤيد حكومة اليمن، ألجم أشباه السياسيين والإعلاميين العرب وفوّت عليهم فرصة «النعيق» المقزز الذي ملأوا به قنوات الخيانة أطل على عاصفة الحزم من "الدرعية" عاصمة الوحدة الوطنية التي افتتح خادم الحرمين الشريفين، أعزه الله، قبل أكثر من أسبوع المرحلة الأولى من إعادة قلبها التاريخي للحياة، من حي البجيري مقر الشيخ محمد بن عبدالوهاب، المقابل لحي الطريف حيث سكن الإمام محمد بن سعود، تبدو الدرعية درة التلاحم الوطني ورمزه المتجدد. المغزى التاريخي لهذا الافتتاح وفي هذا الظرف بالذات هو رسالة لأبناء الوطن قبل كل شيء وللعالم ويؤكد المبادئ التي قامت عليها هذه البلاد، فالوحدة التي بذل من أجل تحقيقها الآباء الكثير تستحق منا بذل المزيد والتضحية بأرواحنا وأموالنا من أجل صيانتها. من الدرعية، العاصمة والقلب النابض، إلى حدود الوطن الجنوبية التي يبذل أبناء الوطن أرواحهم من أجل حمايتها القصة تتكرر ليستعيدها الأبناء من الأباء. هذه هي مبادئ المملكة التي قامت على الشريعة الإسلامية وحماية الدين والوطن والتي لم تتغير خلال ثلاثة قرون وستظل إلى الأبد بإذن الله ولو كره الحاقدون. المفاجأة التي قدمتها المملكة لم يتحملها بعض الإعلاميين العرب الذين إما أنهم مازالوا يعيشون أمجاد الماضي الذي ذهب دون رجعة أو أنهم يعيشون في كنف المجموعات الإجرامية التي شكلتها إيران خلال العقود الثلاثة الماضية في المنطقة العربية مثل حزب الشيطان ومن يسير في ركابه. هؤلاء المحسوبون على الإعلام العربي لم يتحملوا المشهد الجديد ولا يريدون تصديقه، إذ يبدو أنه أكبر من احتمالهم فصاروا يكيلون الشتائم الرخيصة التي لا تصدر إلا عن جهلة وموتورين لا يستحقون الرد عليهم إلا كما قال الله تعالى في سورة الأعراف "وأعرض عن الجاهلين"، فلن تجد من الجاهل منطقاً وعقلانية وحواراً سياسياً فيه ندية لأن هذه الأدوات ستكون سبباً في ضعف حجته، وهو يغطي هذا الضعف بالصراخ والشتائم. يبدو أن عاصفة الحزم آلمت هؤلاء "الناعقين" كثيراً وأصابتهم في مقتل فلم يستطيعوا حبس ألسنتهم القذرة، لكنها "حلاوة الروح" فستبقى العاصفة مدوية فوق رؤوسهم وسيذهبون لمزبلة التاريخ. قرار مجلس الأمن الأخير الذي أيد عاصفة الحزم وحيّد دولة مثل روسيا وجعلها تمتنع عن التصويت، وتسمح بتمرير القرار الذي ينصف الشرعية ويؤيد حكومة اليمن، ألجم أشباه السياسيين والإعلاميين العرب وفوّت عليهم فرصة "النعيق" المقزز الذي ملأوا به قنوات الخيانة. انتصار الدبلوماسية السعودية والخليجية وتمرير هذا القرار الأممي التاريخي يبين أن المملكة لا تسير في طريق يكرس العدوان، بل هي تنتصر للشرعية والخير، تبذل الغالي والنفيس من أجل البناء لا الهدم، وإذا ما اضطرت لخوض حرب، كما حدث في الكويت والبحرين قبل اليمن، فهي تخوضها نصرة لجار ومن أجل إعادة الحق لأصحابه. هذه بلادنا وهذه نخوة العربي التي نشأنا عليها. من حاول من هؤلاء "المتشبهين" بالعرب و "الملتصقين" بالعروبة تصوير عاصفة الحزم زوراً على أنها اعتداء، رد الله كيده في نحره، مع أن المملكة لم تنتظر هذا القرار الأممي كي تعيد الحق لأصحابه وتحمي حدودها من أي اعتداء. كنت أقول دائماً إن أسود الجزيرة هم أحفاد أولئك الذين فتحوا العالم القديم وهم الذين حملوا شعلة الدين الحنيف للعالم وبنوا الحضارة الإسلامية في الشرق والغرب، فهم ليسوا بحاجة لمن يدافع لهم عن أرضهم، لكن فكرة "الحلف" هي فكرة متأصلة لدى العرب، فقد بنت القبائل العربية القديمة أحلافاً خاضت من خلالها معارك مصيرية منها "ذي قار"، والاستعانة بالأصدقاء من أجل نصرة الحق مسألة لا جدال فيها. لكن يبقى الأساس هو "ما حك جلدك مثل ظفرك" وأخذ العدة والتخطيط المستقبلي للوقوف بحزم لمن يريد أن يتخطفنا وهذه مسألة داخلية يجب أن نبني فكرنا التربوي القادم على أساسها. نحن مستهدفون وهذا أمر لا جدال فيه والوضع بحاجة فعلاً إلى إعادة بناء العزيمة لدى الشباب السعودي وتعويدهم على الشدائد، فهي التي تصنع الرجال. ولعل ما صرح به المفتي من ضرورة التجنيد الإجباري يعبر عن المرحلة الجديدة التي يجب أن يعيها شباب الوطن، فلم يعد هناك حلفاء دائمون، ومن هو معك اليوم قد يكون ضدك في الغد ولا يحمى الوطن إلا أبناؤه. هذه القواعد التربوية الجديدة التي يجب أن تشكل المرحلة القادمة، فإذا ما أردنا أن يهابنا أعداؤنا يجب أن يشعروا بقوتنا. نحن في الأسبوع الرابع من عاصفة الحزم، وكل مخططات الحوثيين وعلي عبدالله صالح أصبحت جزءاً من التاريخ، فنحن نناقش الآن مابعد عاصفة الحزم، وكيف سيكون اليمن في المستقبل. لن نسمح لهذا البلد أن يتحول إلى بؤرة صراع طائفي، ولن نسمح لشرذمة باعت بلادها أن تعيث في الأرض فساداً فما لا نرضاه لأنفسنا لن نرضاه لليمن. اليمن بحاجة إلى تنمية وإلى احتضان وهذا ما سيحدث بإذن الله بعد أن تضع الحرب أوزارها. لمراسلة الكاتب: [email protected]