لقد وقع العقل العربي في فخ التقنية وتطبيقاتها العملية، وتغلغلت قوانين كثيرة في حياة الفرد ورفعت من شأن العلم والمتعلم وظهرت الثورة المعلوماتية فكانت عنصراً رئيسياً للاستثمار البشري والتقني، وحققت الطفرات والإنجازات العملاقة التي أصلحت خلل العزلة وأدخلت الناس إلى النظام العالمي الجديد والتطورالتقني والتكنولوجي وثورة الاتصالات ضمن منظومة العولمة. فكان مصطلح فهم العقل العربي متذبذباً ومتفاوتاً لاسيما وأنه أصبح قيد التصنيف العالمي واحتل حيزاً لابأس به مع شعوب العالم فكان المضمار فسيحاً أكبر من جميع اتجاهاته، والأشكال والحدود والشروط استولت على اهتماماته وأغرته بالإنتاج والرأسمالية وهيمنة الأسواق الدولية وغيرت مسارات عديدة لم توقفها الحواجز الجمركية ولم تقلصها حقول الخصوصية الثقافية. علماً أن تشابه العالمين الغربي والعربي في العلوم والأطعمة والملابس والغايات والوسائل والأعمال والحاجات لا تخفى على أحد، ولكن ظلت الجوانب الضعيفة والتناقضات في خبايا النفوس كماهي لم تتغير، لولا مشاهد ثقافية مفبركة لم تخدم أهم جوانب الحياة الاجتماعية والمعرفية باستثناء البعض الذي عاش تحولات الواقع وسعى إلى نماذج بديلة نابضة بمفهوم جديد. وقال زهير الخويلدي مؤلف تشريح العقل الغربي:(من المذل للعقل البشري ألا يصل إلى شيء في استعماله المحض،بل أن يكون بحاجة إلى انضباط لقمع انحرافاته ووقايته من الأوهام الناجمة عنها، ثم استطرد قائلاً: تتعرض العقلانية في هذا الزمن الأخير إلى هجوم عنيف وتشكيك كبير نتج عنه تفشي الجهل المزدوج وعودة المكبوت وسطوة الرأي عن طريق التعميم، التي توفرها وسائل الاتصال ومجتمع الفرجة لثقافة الصورة والابتذال، ولعل أسباب هذا الصراع بعيدة كل البعد عن روح الثقافة ما جعل أنصار العلم في تناقض مضطرد وأن دائرة النور في انحسار وتقلص والسبب هو خسوف شمس المطالعة ونهاية الكتاب وبداية عصر الصورة وضعف الترجمة وغياب الإبداع وندرة التشجيع على التفرد والتميز). إن هذه المقابسات التي قدمها الخويلدي هي أقرب للعقل العربي منها للغربي، فيما انتقلت تلك الانحرافات العقلانية بين الطبقات الاجتماعية والأجيال المختلفة، ولكن هناك تناقضات بين المجتمعات والمقصود هنا أن العقل العربي استفاد من تجارب الآخرين وجعل أغلب الوسائل تنحو نحو العلم والتعلم وحققت التقنية معايير أفضل لهذا الإنسان الذي جعل غايته الارتباط والاتفاق مع المبادئ المنطقية في تكوينه الاجتماعي، فقد آن الأوان أن يبتعد عن الماضي القديم الذي كان قيد الانحسار والتخلف والتشدد والتطرف. فالمعرفة المعاصرة طورت العقل العربي وجعلت منه معجزة، عطفاً على ماضيه المعاكس لكل التطورات الأخيرة وأعاد إلى المقارنة الإنثربولوجية ماهيتها ومفهومها وأشكال تلك الكيانات الماضية والحاضرة التي يعيش بينها بعقله وقلبه يحبذ الحديث عن العصر ويحن إلى الماضي بكل صفاته وظواهره وضوابطه. ومن أهم خصائص العقل العربي أنه كان غائباً في فترة من فترات الزمن ولم تظهر أزمته الحقيقية إلا بعد أن ظهر الإرهاب واستمر في الرفض للواقع، ولكل جديد وظل قيد العجز والتناقض والإرباك، بدعوى الكرامة الإنسانية التي انتهكت ضده من الغرب وسلبت كثيراً من حقوقه بمباركة الدول العظمى وما يتجرعة الإنسان العربي من قمع وظلم وذل في الدول المحتلة مما حطم الإرادة والأمل في العدالة. بينما أخذ البعض موقع الصدارة وصعد تدريجياً إلى مصاف العالمية بفضل الإمكانات الضخمة الاقتصادية والسياسية والخروج من دائرة مغلقة إلى أخرى أكثر انفتاحاً تساوي حجم التطور رغم نقد العقل العربي، ورغم مشروع المثقفين غير المستقل عن الصفة المعرفية أو المذهبية، إذاً من الصعب معرفة ما علينا تصديقه.