٭٭ من المعروف أن بنوك وطنية مثل البنك الأهلي التجاري.. وبنك الرياض سبقت غيرها في مجال الاستثمار العقاري المحلي.. فعلى مدى أكثر من ثلاثين عاماً.. ظل البنك الأهلي التجاري.. يستثمر في اصول عقارية بطريقة تقليدية من خلال بناء عمارات سكنية.. وأسواق تجارية.. خصصت لها إدارة خاصة.. تقوم بتملك الأراضي وبنائها وتأجيرها.. وجدولة عائداتها. وفي ظل محدودية مجالات الاستثمارات المحلية - في ذلك الوقت - فقد كانت تلك الخطوة تعد استثماراً مأموناً.. له عائدات ثابتة بحكم حسن اختيار المواقع التي شيدت عليها العقارات.. الأمر الذي وفر مناخاً مناسباً وغير معقد.. ولا يكاد يخرج عن مفاهيم العمل التجاري التقليدي. وبمعنى آخر فإن البنك يؤمن للأصل العقاري المراد إنشائه.. قرضاً تمويلياً خاصاً. فإذا قلنا أن المطلوب هو رصد مبلغ «10 ملايين ريال» لتشييد مبنى من خمسين محلاً تجارياً ومئة شقة.. فإن الإدارة العقارية تقوم بتحصيل عائدات العقار لمدة عشر سنوات - مثلاً - لحساب سداد القرض المصرفي.. وبمعنى ما يصبح المبنى المستثمر بمثابة رهن عيني لدى إدارة القروض التمولية بالبنك. ٭٭ هكذا أصبح الحال في قروض مصرفية تمويلية.. سواء كاستثمار خاص ببنك ما أو لحساب مستثمر أو مجموعة شركاء لمبنى أو مجمع تجاري.. فبعد تحديد هامش أرباح سنوية تضمن توفير السيولة اللازمة للمالك يستقطع البنك قسطا سنويا من القرض التمويلي. لسنا هنا بصدد انهيارات بعض هذه الاستثمارات بحكم التصورات الخاطئة التي قامت عليها دراسات الجدوى.. أو بحكم تقلبات وتحولات السوق التجاري السريعة وغير المتوقعة.. التي أدت لتراكم مديونيات كثير من المستثمرين، وبالتالي تراكم قيمة الفوائد.. وتزايد عدد الأصول الاستثمارية الفاشلة بحوزة البنوك.. خاصة فيما يتعلق بالمجمعات والأسواق التجارية التي أصبح من شبه المستحيل إعادة تشغيلها بطاقة تمنحها القدرة على تحريك مديونياتها.. وذلك إما لوجودها في مواقع غير صالحة للاستثمار التجاري أصلاً.. أو لأنها منشآت مرتجلة لا تتوفر فيها الشروط المناسبة.. أو لوقوعها ضمن رقعة جغرافية مشبعة بالمواقع التجارية.. بما لا يسمح بالتوسع بتقديم نفس الخدمات أو ضمن رقعة جغرافية مشبعة بالمواقع التجارية.. بما لا يسمح بالتوسع بتقديم نفس الخدمات أو عرض سلع مشابهة. ٭٭ إذا كان هذا هو حال كثير من الاستثمارات العقارية التي قدمت لها البنوك مبالغ تمويلية كبيرة وأصبحت مرتهنة بأصولها غير ذات الجدوى تقريباً.. وإذا كانت كثير من السياسات المصرفية.. تضع شبكة قروضها العقارية الاستثمارية في دائرة محددة.. تم التوسع فيها عن طريق قروض شراء الفلل والمساكن الخاصة.. مقابل دفع جزء من المبلغ ودفع المتبقي على أقساط تصل إلى عشرين عاماً.. وهو ما أدى لحدوث توسع استثماري في بناء الفلل والمجمعات السكنية.. التي تتحول عن طريق شرائها من المواطنين إلى أصول جديدة مرهونة للبنوك الممولة لممتلكها.. الأمر الذي يجعلها تدخل ضمن دائرة لعبة أخرى لا أحد يدرك أو يتحدث عن حجم مخاطرها. أما السبب فيعود إلى كون المجمع السكني المشيد هو مرهون بالكامل للبنك الذي مول إنشاءه.. وفق قرض استثماري.. تشكل الأرض المشيد عليها والمباني العينية الجزء الأساسي من الأصول التي تم تقييمها وتقدير حجم القرض بموجبها.. ثم نجد أن المالك الذي قام برهن هذه الأصول للبنك.. قام ببيعها على عدد من المواطنين الذين قاموا بدورهم من تمويل شرائها عن طريق البنك بضمان رهن أصولها.. أي أن الأصل الواحد أصبح مرهوناً مرتين مرة كمجموعة استثمارية عن طريق المستثمر الأصلي.. ومرة أخرى مرهون كوحدات سكنية منفصلة. ٭٭ في كلتا الحالتين نجد أن القرض الاستثماري الأساسي يخضع لشروط ما يماثلها من قروض ذات فوائد يتراوح سدادها من عشرة إلى عشرين عاماً.. بمعنى أن المستثمر يحصل على مجموع ثمن الوحدات مقابل التزامه بسداد أقساط القرض مع الفوائد المقررة عليه. هنا ندخل في لعبة جديدة.. وحركة استثمار وهمية.. وتلاعب بالضمانات العينية التي تم القرض بموجبها.. حيث لن نلبث أن نصطدم بعدة حقائق من أهمها: أولاً: يصبح المستثمر الأصلي هو المستفيد الوحيد.. دون غطاء مالي بحساب ذلك الضمان العيني الذي ببيعه على مجموعة مواطنين يكون قد خرج من ملكيته.. وأصبح في ملكية آخرين.. مما يجعله في حل من الضمان العيني الذي اخذ القرض بموجبه.. وفي حال عدم وفائه بالتزاماته تجاه البنك.. فإن البنك لا توجد لديه ضمانات عينية يمكن حجزها أو بيعها أو استثمارها.. وذلك بحكم انتقال ملكية تلك الضمانات لعدد من الناس.. الذين ارتبطوا بقرض آخر لا علاقة له بالقرض الأصلي. ٭٭ هنا نسأل: ما هو موقف البنك حيال المقترض الأصلي عند اخلاله بالتزامه وعدم وفائه بسداد القسط أو الأقساط المقررة عليه. ونسأل كم يصل حجم المبالغ التي قدمتها البنوك لاستثمارات عقارية من هذا النوع وأصبحت قروضها دون ضمانات تذكر بعد بيعها.. وكيف يمكن تلافي مثل هذا الخلل الخطير في العلاقة بين المستثمر العقاري والمصارف المقرضة. هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار قضايا «الحقوق الخاصة» التي تمثل دعوتها المقامة من المصارف تجاه المقترضين نسبة تزيد على السبعين في المئة من مجموع دعاوى الحق الخاص.. والتي يتم الغاء عبئها على خزينة الدولة.. بحجة عدم القدرة على السداد وبموجب صكوك «الاعسار» ويصل مجموع مبالغ مديونياتها إلى عدة مليارات. وإذا كانت الدولة قد تنبهت لهذا الخلل.. وتوجهها الحالي أو المستقبلي يصب بالاتجاه الذي يحتم وقف الاعتماد على خزينتها لحل مشاكل الحق الخاص.. وسداد ديون تضمن إثراء كثيرا من أولئك الذين عولوا على دور صكوك الاعسار في حل مشاكلهم ولو بعد حين من الزمن.. غير أن هذا لا يحل المشكلة.. ولا يغلق كثير من الثغرات الفاضحة التي تعتور عمل المصارف المحلية.. والتي يسهم في الابقاء عليها - للأسف - كثير من المسؤولين المتنفذين في المصارف.. وبينهم من هو من أصحاب الخبرات الطويلة في العمل بين مسارب وانفاق هذا العمل المالي الشائك الذي تكون ثغرات الاستيلاء على المال العام فيه من خلال إجراءات إدارية وضمانات شكلية أو وهمية.. سهلة وقانونية أيضاً. ويمكن القاء مسؤولية العبث بها على صغار الموظفين.. هي معضلة شائكة تحتاج لدراسات اقتصادية متخصصة لخبراء ودارسين من خارج المصارف.. لوضع الأسس المناسبة التي تحول دون هدر المال العام أو الاستيلاء عليه بطريقة قانونية لا غبار عليها.. في وجوههم الواسعة الابتسام دائماً.