للعرب مع الحبّ قصص كثيرة، بعدد ذرّات الرمال في صحاريهم الكبيرة، وقد توارثتها الكتب الغفيرة، وتناقلتها الرُكْبان، ولم تمْحُها الأزمان!. بيْد أنّ جُلّ القصص تنتهي نهاية حزينة، فإمّا يُحال بين الحبيبيْن دون زواجهما، كعنترة بن شدّاد وعبلة بنت مالك، أو يكيد لهما الأقارب الذين بعضهم مثل العقارب بالطلاق بعد نعيمٍ وجيزٍ من الزواج، كقيس بن ذُريْح ولُبْنى بنت الحبّاب!. ويكاد يخلو التراث العربي من قصة حبّ تُوِّجت بالزواج واستمرّت حتى آخر العمر لهؤلاء المُحبّين، فلا يُعرف تأثير الشيخوخة على قصص حبّهم، وهل كان الحبّ سيرسخ بينهم كما كان في شبابهم؟ أم تنحته عوامل التعرية فيصبح أوهاماً وسراباً؟. خطر لي هذا التساؤل بعد أن قرأتُ قصة حبّ عجيبة حصلت في أمريكا في منتصف القرن الماضي، لرجل اسمه Noah وامرأة اسمها Ally، وقد تزوجا بعد حبّ جارف، وعاشا معاً في ثراء وسعادة حتى أصبحا جدّيْن لكُومٍ من العيال، ثمّ أصيبت Ally بالزهايمر، وصارت تنتابها نوبات طويلة من فقدان الذاكرة، تحول بينها وبين رعايتها لنفسها، بل حتى بقضاء حاجتها بطريقة سوية، فأودعها أبناؤها وبناتُها داراً لرعاية المُسنّين رغم اعتراض أبيهم العجوز Noah الذي من فرْط حبّه لها انتقل للعيش معها في الدار بدلاً من بيته الوثير، وليقضي السنين يحكي لها تفاصيل حياتهما السابقة لعلّها تستعيد ذاكرتها، فإذا ما استعادتها لدقائق فرح كالمجنون، وظلّا يُناجيان بعضهما كما لو كانا في بداية قصة حبّهما، وإذا فقدت الذاكرة مرة أخرى بكى بحرْقة كالأطفال، وتحمّل صراخها وخوفها منه، إذ لا تتعرف إليه بسبب مرضها، وهكذا حتى ماتا بحبّهما العجيب على فراشٍ واحد!. يعني باختصار: هذه قصص الحبّ "ولّلا بلاش"، عِشْق وإخلاص ووفاء، ولو قورن بالحبّ في التراث العربي لأمكن القول أنّ الحبّ بالزهايمر أفضل من الحبّ بدونه!. وهنا أدرك شهرزاد الصباح، وقبل أن تسكت عن الكلام المباح، حمِدت الله على أنّ وصال المُحبّين العرب لم يدم حتى أرذل عمرهم، فربّما فاجأونا معه بتحوّله إلى كراهية، فيخيب أمل الأجيال العربية التي اتخذتهم قدوة، فهي، أي الأجيال، تتسلّى الآن على الأقل بقصصهم وسط الفتن الحالية والاضطرابات!. @T_algashgari [email protected]