مذبحة قبلية حدثت منذ فترة قريبة ماضية في منطقة (إب) باليمن، وذلك بسبب إقدام حمار على اغتصاب حمارة تعود ملكيتهما إلى قبيلتين مختلفتين. فقد أقدم حمار تملكه أحد القبائل اليمنية على اغتصاب حمارة تملكها قبيلة أخرى في الهواء الطلق، الأمر الذي أغضب صاحب الحمارة ودفعه إلى ضرب الحمار، وهو ما أجج غضب بني القبيلة الأولى ودعاهم إلى التجمع والاعتداء على الرجل صاحب الحمارة. وتطور الأمر فيما بعد بين القبيلتين إلى حد استخدام الأسلحة النارية والقنابل اليدوية، ما أدى في النهاية إلى سقوط 15 شخصًا من الطرفين بين قتيل وجريح. *** هذه المذبحة التي كان سببها حمار ذكرتني بالحروب الجاهلية القديمة التي كانت أسبابها لا تختلف كثيرًا عن أسباب الخلاف بين القبيلتين اليمنيتين. فهناك حرب الفجار، وحرب الأوس والخزرج، وحرب تميم وبكر بن وائل وغيرها كثير. أما أشهرها فهي حرب "داحس والغبراء"، التي دامت 40 عامًا، واشتركت فيها العديد من القبائل العربية بسبب فرسين هما "داحس"، وهو حصان لقيس بن زهير العبسي الغطفاني، و"الغبراء" وهو فرس لحذيفة بن بدر الذبياني الغطفاني. كما أن حربًا أخرى وهي "حرب البسوس"، قامت بسبب ناقة لامرأة اسمها البسوس التميمي، وذلك بين قبيلتي بكر بن وائل وتغلب بن وائل واستمرت هي الأخرى 40 عامًا عقب مقتل كليب بن ربيعة التغلبي على يد جساس بن مرة (من قبيلة بكر وابن أخت البسوس). *** وكما خاض أجدادنا العرب معارك طاحنة فيما بينهم للثأر من تعدي قبيلة على بعير، أو فرس تابع لقبيلة ثانية وغيره من تلك الأسباب نرى اليوم انفجارات لا تختلف في أعماقها عن تلك التي كانت تحدث في السابق، وقد نصورها بأنها مجرد انفجارات في الرأي والاتجاه نضع أسبابها عند طرف خارجي فالحزازات القبلية، أو الاختلافات العرقية أو الدينية، أو حتى الاختلاف في الرأي يمكن أن يقود إلى معارك كبيرة، قد تبدأ كلامية لتنتهي بإراقة الدماء بين الأطراف المتصارعة. ومن ينظر لبعض الثورات العربية القائمة، فسيجد كيف أنه بعد أن استقرت الثورة للثوار بكافة أطرافهم، انتهت لتكون بين تيارات يذبح أفرادها بعضهم البعض ثم يخرج البعض ليضع السبب في "طرف ثالث" يسمونه أحيانا ب"اللهو الخفي" وذلك لإخفاء السبب الرئيس وهو الاختلاف بين تلك التيارات دون محاولة للتوصل إلى خطوط التقاء مُشتركة. *** ورغم بشاعة الحروب الجاهلية وتفاهة أسبابها، فلقد أدى بعضها لإيجابيات على المجتمع. فقد كان لحرب البسوس تأثير في الأدب العربي وخصوصًا في شعر الرثاء والحماسة فكان لأحد أبطالها المهلهل (عدي بين ربيعة) شعر شهير في رثاء أخيه كليب بن ربيعة والتحريض على الثأر له كما أن القصة قد دخلت الأدب العربي على شكل قصة ملحمية في تصوير الحرب والثأر ونهاية الحرب. فلا أقل إذًا أن تخرج الثورات العربية الحديثة ببعض الإيجابيات على حياة شعوبها ومجتمعاتهم بما يتناسب مع ما أريق فيها من دماء. * نافذة صغيرة: (عندما يقرر العبد أن لا يبقى عبدًا فإن قيوده تسقط).. المهاتما غاندي. [email protected]