سواء أكانت حرب إسرائيل الجديدة ضد قطاع غزة لدوافع أمنية، وهي الأسطوانة المشروخة التي دأبت على ترديدها إثر كل عدوان تشنّه على الفلسطينيين، أم لدوافع انتخابية، يقوم بها تحالف نتنياهو - ليبرمان لترجيح كفته في الانتخابات الإسرائيلية المزمع إجراؤها في يناير المقبل، أم لدوافع سياسية بقصد ضرب مشروع السلطة الفلسطينية لكسب صفة الدولة غير العضو في الأممالمتحدة، إلاَّ أن المؤشرات الأولية تؤكد على أن إسرائيل أقدمت هذه المرة على مغامرة غير محسوبة، بشكل غير مسبوق، وأنها بصدد تلقي الهزيمة الثالثة في سلسلة حروبها الأخيرة. وبما يعني أن العدَّ العكسي لانهيارها قد بدأ بالفعل، وهو ليس بالأمر الجديد، فقد سبق وأن توقع أبراهام بورج الرئيس السابق للكنيست ورئيس الوكالة اليهودية باقتراب نهاية المشروع الصهيوني، وهو الحاصل الآن، بعد أن خيّمت أجواء الفزع والرعب على إسرائيل، مشكّلة خيمةً من دخان صواريخ المقاومة الفلسطينية، التي أصابت -لأول مرة- مدنًا ومواقعَ إسرائيلية ما كانت في حسبان نتنياهو، أو باراك عندما وصلت شمالاً إلى يافا، وتل أبيب، وجنوبًا إلى بئر السبع، وأشدود، وسيدروت، وشرقًا إلى مستوطنات القدس، وبيت لحم، حتى وصل بعضها على بعد مرمى حجر من الكنيست. استدعاء نتنياهو ل75 ألف جندي من الاحتياطي، وحشد دباباته بالقرب من قطاع غزة، وما نقلته الوكالات مؤخرًا عن نيته القيام بغزو أرضي للقطاع يشكّل مؤشرًا آخر على أن الفشل مآل تلك المغامرة غير المحسوبة، والتي اعتبر وزير خارجية بريطانيا أنها لو تمّت فستجعل إسرائيل تخسر التعاطف الدولي، وهو ما يعني في الواقع التعاطف الغربي؛ لأن الغالبية العظمى من دول العالم تقف جميعها إلى جانب الحق الفلسطيني، الذي يعني أيضًا الحق في المقاومة، والدولة، والعودة، والعيش الحر الكريم. العدوان الإسرائيلي الوحشي المتواصل منذ الأربعاء الماضي على القطاع، والذي أودى حتى الآن بحياة العشرات، وجرح المئات من الأهالي الأبرياء أثبت أن ما غاب عن إسرائيل في توقعاتها لنتائج تلك الحرب، وهو إحياء المقاومة، واستخدامها أساليب وأدوات نضالية جديدة، وتوحيد الفصائل الفلسطينية في مواجهتها للمحتل، هو العامل الأكبرالذي سيعجل بهزيمتها في تلك الحرب.