لم يكن يدر في خلد المفكر النمساوي المسلم محمد أسد بأن ما عبر عنه في ثنايا كتبه من أحاسيس ومشاعر عن الاسلام سيكون سببا رئيسا في تخليد ذكراه في قلوب كل من عرفه او قرأ له عبر مشواره الطويل، وكلنا نعرف أنه كان من ابرز رجالات الغرب الذين تركوا بصمة مميزة على الثقافة الغربية والاسلامية والأوروبية على حد سواء، أنه الرجل الذي عرف مبكرا عظمة الإسلام كقوة ناهضة على البشرية جمعاء. أراد محمد أسد إيقاظ ضمائر المسلمين بأنهم مختلفون عن غيرهم من الشعوب والحضارات فكريا وروحياً فإذا كان هناك مشكلات اعترت طريقهم وسببت لهم التأخر عن ركب الحضارة عبر أزمان متفرقة فمرد ذلك إلى عدم المحافظة على ارثهم الإسلامي الذي كان وراء الحضارة الإسلامية الزاهرة فيما مضى وإهمال الواقع الفكري الحالي. وعندما شرع في التفكير لتأليف كتابه الذي اسماه ( الإسلام على مفترق الطرق) اراد أن يوقظ الإحساس والوعي لدى المسلمين وتعميق اعتزازهم بتقاليدهم ومؤسساتهم وبما يجعل الاختلاف عن الآخرين سببا للابداع الثقافي بعد قرون من جمود المجتمع وعقمه العقلي، ويقول محمد اسد ان كتابه المشار اليه آنفا اسيء فهمه من بعض القراء والقادة المسلمين الذين عجزوا عن إدراك مغزى دعوته إلى الإبداع الثقافي حيث ذهب البعض إلى أن دعوته كانت تهدف إلى الرجوع الى الأنماط الاجتماعية البارزة في قرون انحطاط المسلمين الأخيرة وهي عكس تماما ما قصده. لقد كان يخشى محمد أسد يرحمه الله من أن ينساق بعض المسلمين للتقبل الأعمى للأنماط الاجتماعية وطرق التفكير السائد في القرون الوسطى في العالم الإسلامي بدلا من الرجوع بثقة وجرأة الى الفكر الإسلامي المستمد من القرآن والسنة. لقد استشهد بمحمد أسد عدد من الباحثين ممن ساهموا بفكرهم خلال مشاركتهم الاحتفاء بمكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 1426 من خلال الندوة الكبرى التي احتضنتها جامعة أم القرى. واليوم تنهض مكتبة الملك عبدالعزيز بدورها الثقافي في المجتمع وتقدم هذا الكتاب للقراء والمتخصصين وكل المهتمين بعدما تفضل فضيلة الشيخ صالح الحصين بالقيام بترجمة الكتاب إلى العربية. وفي الوقت الذي أرشح الشيخ صالح لنيل جائزة الملك عبدالله في الترجمة، أدعو كل من يتسنى له الوقت بقضاء وقت ممتع لكي يعرف المرء المسلم حسب قول المؤلف إن الإسلام ليس مجرد ثقافة بين عدد من الثقافات وليس مجرد فكر بشري بين عدد من الأفكار، بل هو قوة منتجة للثقافة. ونؤكد ما ذهب اليه محمد أسد في كتابه بأننا لسنا في حاجة إلى إصلاح الإسلام لأن الله أكمله لنا من قبل وما نحن في حاجة إليه بالفعل إنما هو موقفنا من الدين والتخلص من كسلنا وغرورنا وقصر نظرنا. التغيير لابد منه، ولكنه لابد أن يكون تغييرا لما بأنفسنا وأن يكون باتجاه الإسلام لا بُعداً عنه. [email protected] فاكس: 026980564