تعد أشجار العرعر من أيقونات المنطقة الجنوبية، وبالأخص منطقة عسير. فهي من أكثر الأشجار انتشارًا على سفوح جبال السروات وقممها المرتفعة، مثل جبال السودة ومتنزه السحاب، وشعف بني مازن، وتزداد كثافة في الجهات الشمالية للمنطقة، حيث تعد من أهم عوامل الجذب السياحي نظرًا لإخضرارها على مدار العام، وتشكيلها غطاءً نباتيًا يجمع بين الجمال والظل. ورغم أن أشجار العرعر تصنف ضمن فئة الأشجار المعمرة، حيث تعيش الشجرة الواحدة مئات السنين، إلا أنها باتت في منطقة عسير تعاني قصر العمر، نظرا لما تتعرض له من إهمال واجتثاث واستباحة، حيث تؤكد الاحصائيات أن 150 ألف شجرة فقدتها المنطقة حتى الآن. مذبحة بيئية أصبحت تهدد العديد من الغابات والمزارع، كما تهدد الثروة الوطنية والغطاء النباتي بالمنطقة، وقد تبلغ المأساة ذروتها، إذا عرفنا أن جهة مسؤولة همت بأن تشارك في تلك المذبحة.. ففي محافظة بلقرن تتهم إدارة «الزراعة» بلدية المحافظة باجتثاث 400 شجرة من متنزه الكفاية المكتظ بأشجار العرعر، وذلك لتنفيذ مشروع مقبرة، إلا أن الإدارة تقول: إنها وقفت في وجه التنفيذ، وسجلت محضرا برقم: «227964» بتاريخ: 23 / 7 / 1438ه، كما خاطب مركز شعف بلقرن بلدية المحافظة برفع يده فورًا عن الموقع بخطاب رقم: «210» في تاريخ 23/ 7/ 1438ه. ومن جانبها تنكر بلدية المحافظة أن تكون اجتثت هذا العدد من الأشجار، وتقول: إن لديها ما يثبت ذلك، مؤكدة أن مشروع المقبرة معتمد ووضع لتنفيذه مبلغ 1,5 مليون ريال. «المدينة» وقفت على الموقع، لتتبين المخالفات التي وقعت فيها البلدية في اجتثاث هذه الأشجار دون الرجوع إلى الزراعة بموجب التقارير ومحاضر الجهات الحكومية ذات العلاقة، وللتعرف على رأي المسؤولين في تلك القضية. أمير عسير يوجه بالمحافظة على الأشجار وجه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير أمانة المنطقة والجهات الأمنية الأخرى ذات العلاقة باتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة للتجاوزات التي تحدث من قبل البعض بشأن قطع الأشجار، وكذلك تفعيل الدور المناط بوسائل الإعلام المختلفة في إظهار أهميّة الشجرة والبيئة بشكل عام للحفاظ عليها والحد من الأضرار السلبية الناتجة عن التصرفات الخاطئة من قبل بعض المواطنين. وأكدّ سموه على الأهمية البالغة في الحفاظ على البيئة وتنميتها والإبقاء على مكوّنات الحياة البيئية، حيث لوحظ مؤخرًا انتشار ظاهرة الاحتطاب الجائر والتي شكّلت إحدى الظواهر السلبية التي يجب التخلّص منها، مشددًا على ضرورة سرعة تفاعل الجهات المسؤولة مع هذه التجاوزات ومنع أي مخالفات. وذكر التعميم الصادر أنه يتوجب على الأمانة تنفيذ الأوامر والتوصيات المناطة بها كونها الجهة الرقابية المسؤولة عن الأسواق والمطابخ والمطاعم وتفعيل دور الجهات الأمنية للقبض على من يقطع الأشجار أو يحمل الحطب والفحم. وزارة الزراعة تطالب بمعاقبة المخالفين أكد المهندس فهد بن سعيد الفرطيش مدير عام الإدارة العامة للشؤون الزراعة بمنطقة عسير على ضرورة حماية الشجرة وتطبيق النظام بحق كل من يعبث بها وقال إن توجيهات صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن خالد بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير لكافة الجهات باتخاذ الإجراءات النظامية اللازمة للتجاوزات التي تحدث من قبل البعض بشأن قطع الأشجار والاحتطاب الجائر، وكذلك تفعيل الدور المناط بوسائل الإعلام المختلفة في إظهار أهميّة الشجرة والبيئة بشكل عام للحفاظ عليها والحد من الأضرار السلبية الناتجة عن التصرفات الخاطئة من قبل بعض المواطنين. أما ما حدث في متنزه الكفاية بمحافظة بلقرن فقد تم عمل محضر ضبط مخالفة من قبل فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمحافظة بلقرن باجتثاث 400 شجرة عرعر من قبل المقاول المنفذ لمشروع مقبرة من قبل بلدية بلقرن، ولم يتم اتخاذ موافقة جهات الاختصاص وهي وزارة البيئة والمياه والزراعة لإقامة مثل هذا المشروع الواقع في المتنزه التابع للوزارة والتي تشرف عليه، وقد تمت احالة المخالفة للجنة المخالفات، حيث تم ابلاغ المتسبب في هذه الكارثة البيئية «المقاول» للتحقيق معه وسيتم متابعة هذه القضية من قبلنا شخصيًا.. وبعد اكتمال الاوراق سوف يصدر قرار المخالفة والعقوبة. بلدية بلقرن تبرر وتنكر ومن جانبه يرد عبدالمجيد محمد عسيري مدير المشروعات ببلدية محافظة بلقرن على اتهام الزراعة باجتثاث 400 شجرة بمتنزه الكفاية لتنفيذ مشروع مقبرة، فيقول: تم شخوص إدارة المشروعات بالبلدية على الطبيعة بحضوري ومعاينة الموقع مع مقاول المشروع، و8 من المواطنين المطالبين بتنفيذ مشروع المقبرة المعتمد برقم «4/ 00/ 00/ 3700/ 401/ 007/ 19» بعقد بمبلغ مليون وخمسمائة ألف ريال، وتم إعداد محضر مشترك بتاريخ 22 / 10 / 1438ه بخلاف ما اتهمتنا به زراعة بلقرن باستثناء لا يذكر من الشجيرات التي لا يتجاوز عددها 10 فقط، ولدينا صورة من المحضر المشترك. وأضاف عسيري: لدينا مشروع معتمد وهو تنفيذ مقبرة في الموقع الذي تم إيقافنا عن تنفيذه من قبل رئيس مركز شعف بلقرن وفرع الزراعة بالمحافظة، رغبة منهم في نقل المشروع إلى موقع آخر.. ولم ينفذ ذلك حتى تاريخه لوجود عدة مخاطبات بخصوص الموقع وما يجرى عليه من نزاعات. قطع الأشجار الخضراءيدل على عدم وعي وحول متنزه الكفاية وما حدث فيه من اعتداء، قال فارس حسن اليامي رئيس مركز شعف بلقرن التابعة لمحافظة بلقرن: إن عملية قطع الأشجار الخضراء تدل على عدم وعي من يقوم بها، فديننا الاسلامي الحنيف يأمرنا بزراعة الاشجار لا بقطعها، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إذا قامت الساعة على أحدكم وفي يده فسيلة فليغرسها»، والشجرة التي تنمو طبيعيًا في هذه البلاد تحتاج إلى عشرات السنين بل لمئات السنين حتى تنمو وتكبر نظرًا للظروف البيئية الصعبة، فعند قطعها يصعب تعويضها في ظل الظروف المناخية القاسية، ومتنزه الكفاية تم الوقوف عليه على الطبيعة برئاسة محافظ بلقرن ورئيس البلدية ومدير الزراعة، حيث تم إيقاف مقاول تنفيذ مشروع المقبرة حسب طلب الزراعة، لكون الموقع مراعي وغابات ومتنزهات وجرى حصر الاشجار التي تسبب المقاول في ازالتها، وطالب فرع الزراعة بالمحافظة بتطبيق نظام المراعي والغابات حيال التعدي بحق المقاول. وبالنسبة لمشروع المقبرة، أوضح اليامي انه طالما وقفت لجنة مشكلة برئاسة محافظة بلقرن وجرى اعداد المحاضر اللازمة حيال هذا المشروع وتم مسح الموقع وتبتيره في موقع آخر اسمه «الروزة»، فالرأي نقل المشروع من متنزه الكفاية إلى الجزء الصالح في الروزة ليكون المقبرة المطلوبة. د.الغامدي: تخريب البيئة إفساد.. ونفتقد لقوانين تجرم ذلك وحول الإرث الطبيعي والثقافي لشجر العرعر وأهميته بالمنطقة الجنوبية، قال الدكتور محمد حامد الغامدي الأكاديمي بجامعة الملك فيصل: إننا بحاجة لنشر الوعي البيئي بأهمية الغطاء النباتي، باعتباره إرثًا طبيعيًا وثقافيًا، ويجب ألا تكون التوسعات العمرانية والسياحة على حسابه، ولذلك نحن نحتاج بشكل عاجل وسريع إلى تشريعات وأنظمة تحافظ عليه وتعزز حمايته وتنميته، فتخريب البيئة جزء من الفساد والإفساد المنهي عنه، وهناك من يقطع أشجارا عمرها يزيد على 600 عام بدم بارد، خاصة وأن المملكة تشتهر بشجر العرعر، حيث يُشكّل أغلب الغطاء النّباتي في الشريط الممتد من الطائف إلى أقصى نهاية جبال السراة جنوبا، وتدميره جريمة بحق البيئة وحق الأجيال القادمة.