بأي قلم أكتب وعلى أي ورقة أسطر مآثر شيخنا وأستاذنا وحبيبنا أبي ياسر الشيخ الدكتور محمد بن مطر الزهراني رحمه الله، حيث انتقل إلى جوار ربه صباح يوم الاثنين 7-6-1427ه بعد معاناة مع المرض لم تعقه عن حلقات العلم والدروس في همة نادرة وعمل لا يعرف الكلل، وهكذا يموت العلماء والمربون في أوج نشاطهم العلمي والتربوي والدعوي، فلا يأس من رحمة الله ولا ركون إلى حالهم بل تلمس العون من الله جلّ وعلا ويقين بوعد سبحانه وإيمان لا يتزلزل مع عظم البلاد الذي نزل بهم. شيخنا الدكتور الفاضل هو أنموذج فريد يجمع خصالاً طيبة وحسنة قل أن تجتمع في إنسان ويصعب اكتمالها في شخص.. حيث الكرم والجود والتواضع والعلم والفقه والأدب مع المخالف وحسن الاستماع وحلاوة المنطق والغيرة على الدين والرحمة بالناس والتلطف بالعبارة والتوجيه والإرشاد يجمع ذلك كله عزوف كلي عن حب الظهور وتلميع الشخصيات مما أكسبه تواجداً في قلوب الناس وحباً له وحرصاً على مجالسته والأخذ عنه.. حتى أنني أعجز عجزاً تاماً أن أذكر شخصاً وجدت له هذا القبول ممن قام بتدريسنا من العشرات أو المئات خلال سنوات الدراسة كلها. وحيث إنني شرفت وكان من فضل المولى عليّ أن تتلمذت على الشيخ محمد رحمه الله في مرحلة الماجستير في جامعة أم القرى فقد وجدت أن شخصية شيخنا رحمه الله امتازت بعدد من المزايا أذكر منها: 1- التواضع الجمّ الذي هو له سجية وطبعاً غير متكلف ولا متصنع، ويطرد هذا مع أصغر طلابه وتلاميذه كما هو مع عامة الناس. 2- العلم الغزير مما يخيل إليك أنك أمام فقيه محدث مفسر قد جمع من كل فن ما لم يجمعه المتخصصون. 3- الخشية والتي تتجلى في تلك العبرات التي لا طالما سكبها رحمه الله في قاعات الدرس لا سيما عندما يأتي على ذكر أحد من السلف رحمهم الله، كما كان رحمه الله تدمع عيناه ويتغير صوته كلما أتى ذكر الشيخ الإمام ابن باز رحمه الله. 4- التربية لمن تحت يده تربية إيمانية جامعة لفضائل الأخلاق وأحسن الفعال فلا يشغل الطالب بتوافه الأمور وقيل وقال ومتابعة الردود من فلان أو علان مما تفنى فيه الأعمار وتضيع فيه الأوقات. 5- الحرص على نفع من تحت يده وبذل قصارى جهده مع طلابه مما لم أقف على أحد مثله، وأذكر أنه رحمه الله كان على موعد في المستشفى التخصصي في جدة للعلاج في يومٍ صباح يوم السبت حيث موعد محاضرتنا معه فأخبرنا قبلها بأسبوع أن بإمكاننا ترتيب موعد آخر معه فحرص الزملاء على ذلك ظناً منهم أن موعده في المستشفى سوف يكون أسبوعاً فلما صعب الحصول على وقت آخر لمحاضرة شاورناه في ذلك فكان أن أخبرنا أن الموعد فقط هو في ذلك اليوم وليس طوال الفصل.. فهنا تبين بجلاء حرصه مع شدة مرضه رحمه الله. كما أنه رحمه لما أعياه المرض في نهاية الفصل الدراسي ولم ننعم برؤيته في الامتحانات فكان يسأل هو بنفسه عن إجاباتنا وعن مدى ملاءمة الأسئلة فرحمه الله من إنسان. 6- الغيرة على الدين وأهله في أصقاع الأرض حيث كان رحمه الله داعية آخذاً بمنهج السلف الصالح في الدعوة إلى الله فلا حزبيات مقيتة ولا جماعات ولا فرق، يدعو لها إنما هي دعوة الأنبياء والرسل (أن أعبدوا الله مالكم من إله غيره). 7- كان رحمه الله آية في الاحترام والتقدير فكرمه وخلقه نادراً في هذا الزمان. 8- ومما رأيته في شيخنا رحمه الله ابتسامةً لا تفارق محياه فكان تضفي عليه مسحة عجيبة من الحسن الأخلاقي تذوب معها كل ما يكدر صفو القلوب ويشوب صفوها. وما سبق غيض من فيض وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.. فشيخنا رحمه الله لا يرثى بمقالة كهذه ولا بقلم كهذا.. حيث إن فقده فقد لأمة كاملة وموته مصيبة وغيابه ابتلاء.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.