مدينة خوست الصغيرة في شرق أفغانستان تبدو كقرية كبيرة أكثر منها مدينة والأشجار تكسو شوارعها الواسعة، وفي داخل أحد المعسكرات المحلية في المدينة جلس المقاتلون الأفغان الشبان وإلى جوارهم أسلحتهم يقرأون قصاصات ورق ألقت بها إحدى المروحيات الأمريكية، تحمل إحدى هذه الأوراق عنوانا يقول: «الأفغان النبلاء» وعليها صورة لجندي أمريكي وتقول الورقة أن الدول الحليفة ترغب في تحقيق السلام والاستقرار لكم، نرجو أن تساعدونا على حمايتكم ولا تتورطوا في أي عمليات عسكرية، كانت الولاياتالمتحدة قد بدأت في إلقاء القنابل فوق أفغانستان يوم الأحد السابع من أكتوبر الماضي أي قبل ستة أشهر تقريبا. لا شك أن الولاياتالمتحدة حققت نصرا كبيرا حيث أطاحت بحكم طالبان ودمرت شبكة القاعدة التي يقودها أسامة بن لادن، ولكن خوست تمثل الآن نموذجا للجبهة غير المنظمة لهذه الحرب الدائرة، وتقدم نموذجا للخيارات الصعبة التي تواجه الولاياتالمتحدة فإما تغادر المنطقة مع أنها على حافة الهاوية أو تعيد نشر القوات الأمريكية وهو ما قد يعني أن الوجود العسكري الأمريكي سيستمر لسنوات وسيخوض العديد من المواجهات مع عدو يعتمد اسلوب الكر والفر، وقد أثار الغموض الذي يحيط بالمهمة الأمريكية في أفغانستان العديد من الأسئلة حول المدى الزمني للوجود الأمريكي هناك، يقول عضو مجلس الشيوخ الأمريكي روبرت بيرد أنه لا يظهر في الأفق متى تنتهي هذه المهمة في أفغانستان، كما أن مسؤولي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) تعمدوا إشاعة الغموض حول هذه القضية حيث قال تومي فرانكس قائد العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان: لا يوجد أي شك في نتائج الحملة الأمريكية ولكن قد يكون هناك شكوك حول المدى الزمني للحملة، في الوقت نفسه يطالب عسكريون وسياسيون بألا يمتد وجود القوات الأمريكية في أفغانستان لعدة شهور وليس لسنوات، ولكنهم يقولون أيضا أنهم لا يريدون ترك أفغانستان لكي تعود إلى الهاوية مرة أخرى فتصبح موطنا للإرهابيين، وفي إشارة إلى أن الولاياتالمتحدة قد تنسجب من أفغانستان، بدأت القوات الخاصة الأمريكية تدريب الجيش الوطني الأفغاني، وكان وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد قد قال ان مثل هذه القوات الخاصة أساسية لاستقرار أفغانستان.ولكن وزارة الدفاع الأمريكية تؤكد أن تكوين جيش أفغاني يمكن الاعتماد عليه يحتاج إلى عامين على الأقل، ولكن إدارة الرئيس بوش لا تريد أن تظل القوات الأمريكية طوال هذه الفترة كما أن بقاء مثل هذه القوات يتعارض مع موقف بوش الذي يعارض عمليات حفظ السلام حول العالم، ولكن بعض الجنود الأمريكيون يرون أن الموقف يستحق بقاءهم، يقول دافي يونج وهو ضابط احتياط في الجيش الأمريكي ويعمل محاسب في نيويورك وقضى عدة شهور في تعليم الموظفين الأفغان على استخدام الكمبيوتر يقول دافي: إن قوات طالبان لم تعد موجودة والشعور الآن هو انه يجب علينا أن نقيم نظاماً فعالاً في أفغانستان حتى نمنع عودة طالبان إلى الحكم مرة أخرى، وإذا فشلنا فستكون هناك احتمالات حقيقية لعودة طالبان للحكم مرة أخرى. وفي إحدى الليالي سمع اطلاق نار في شوارع خوست، وفي الصباح شاهدنا شاباً أفغانياً يسير بالقرب من أكبر مساجد المدينة وعلى كتفه قاذف صاروخي، وعلمنا أن معركة دارت بين قوات الزعيم باشا خان زاردان وهو أحد المقاتلين الأفغان منذ الغزو السوفيتي في الثمانينيات وبين قوات قائد الشرطة المحلية في المدينة محمد مصطفى للسيطرة على طرق التجارة المزدهرة بين أفغانستان وباكستان.ففي ديسمبرالماضي قصفت الطائرات الأمريكية قافلة من زعماء قبائل خوست كانت في طريقها إلى العاصمة كابول لتهنئة رئيس الحكومة الانتقالية حميد قرضاي مما أسفر عن مقتل 12 شخصا، وقالت وزارة الدفاع الأمريكية إن القافلة كانت تضم أعضاء من القاعدة في حين يؤكد الأفغان أنها كانت تضم خصوم زاردان وأن الطائرات الأمريكية قصفتها بعد تلقي معلومات من جانب زاردران أنها تضم عناصر من تنظيم القاعدة. وعموما يخرج زائر مدينة خوست بانطباعات ممتزجة بسبب تجار خوست ومزارعيها ووصول الأمريكيين إليها، ورغم ذلك يقول سكان خوست ان الأمن تحت حكم طالبان كان أفضل، يقول دلاور وهو أحد أصحاب المتاجر في خوست إن الموقف الآن متوتر جدا والمحلات معرضة للإغلاق في كل لحظة لذلك يجب نشر المزيد من القوات الأمريكية في المدينة إذا كانت هناك رغبة حقيقة في إعادة السلام إلى خوست،