مُحافظ الطائف: الخطاب الملكي تجسيد رؤية القيادة لمستقبل المملكة    رئيس مجلس الشورى: دعم القيادة الحكيمة للمجلس امتداد لرؤيتها في تعزيز مسيرة التنمية    أمير تبوك الخطاب الملكي تأكيد للنهج القويم للمملكة داخليًا وخارجيًا    الأمير فهد بن جلوي توَّج الملاك الفائزين في تاسع أيام المهرجان    المرور: التمهل قبل الدخول إلى الطرق الرئيسية يحد من الحوادث المرورية    سوق تمور المدينة يبدأ بالتصدير ومزاد خيري    حرس الحدود في حقل تضبط مواطن مخالف للائحة الأمن والسلامة لمزاولي الأنشطة البحرية    ولي العهد تحت قبة الشورى: سعينا مستمر لخدمة المواطن وزيادة دخله ورفع مستوى الخدمات وتحسين جودة الحياة    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل رئيس وأعضاء جمعية الوقاية من الجريمة "أمان"    وسط حضور جماهيري كبير .. الأخضر السعودي تحت 20 يتوّج بكأس الخليج    ختام بطولات الموسم الثالث من الدوري السعودي للرياضات القتالية الإلكترونية    الجناح الأوروغوياني لوتشيانو رودريغيز يقود هجوم نيوم    أمير القصيم يتسلم تقرير جمعية طهور    القبض على مقيم باكستاني في نجران لترويجه مادة الحشيش المخدر    تعليم الطائف يعلن بدء استقبال طلبات إعادة شهادة الثانوية لعام 1447    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس فريق تقييم أداء الجهات الحكومية    نائب أمير منطقة تبوك يستعرض منجزات وأعمال لجنة تراحم بالمنطقة    افتتاح المنتدى الدولي للاتصال الحكومي في الشارقة    صقار المستقبل برنامج موجه للصغار    المفتي: الخطاب الملكي يحمل رسائل سامية لخدمة الوطن والإنسانية    السبع العجاف والسبع السمان: قانون التحول في مسيرة الحياة    فضيلة المستشار الشرعي بجازان: " ثمرة تماسك المجتمع تنمية الوطن وازدهاره"    المملكة تجدد أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف تضامنها الكامل مع قطر    رئيس وزراء قطر يعلن تشكيل فريق قانوني للرد على الاعتداء الإسرائيلي    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى (10498.04) نقطة    البرامج الجامعية القصيرة تمهد لجيل من الكفاءات الصحية الشابة    مُحافظ الطائف يستقبل رئيس جمعية المودة للتنمية الأسرية    "Grand Arrival"تجمع كانيلو وكروفورد في لاس فيغاس استعدادًا للأمسية التاريخية    الدولار يحافظ على استقراره وسط ترقب الأسواق بيانات التضخم الحاسمة    أمير المدينة يلتقي العلماء والمشاركين في حلقة نقاش "المزارع الوقفية"    حساب المواطن يودع 3 مليارات ريال لمستفيدي دفعة شهر سبتمبر    أحلام تبدأ بروفاتها المكثفة استعدادًا لحفلها في موسم جدة    الاتحاد الأوروبي يدين الهجوم الإسرائيلي على قطر    الإحصاء: ارتفاع الرقم القياسي للإنتاج الصناعي بنسبة 6.5% في يوليو 2025    المواقيت ومساجد الحل.. خدمات متجددة وتجربة ميسرة للحجاج    بولندا تُسقط طائرات مسيرة فوق أراضيها    ولي العهد للشيخ تميم: نساند قطر وإجراءاتها لحماية أمنها    محمية الإمام تركي تُشارك في معرض كتارا الدولي    "التخصصي" يفتتح جناح الأعصاب الذكي    "الملك سعود الطبية" تطلق خدمة تخطيط القلب لمرضى الرعاية المنزلية    عيادة متنقلة بالذكاء الاصطناعي للكشف عن اعتلال الشبكية الناتج عن السكري    الداخلية القطرية تعلن مقتل أحد منتسبي قوة الأمن الداخلي جراء الهجوم الإسرائيلي    رئيس موانئ يزور جازان للصناعات    إنتاج أول فيلم رسوم بالذكاء الاصطناعي    8 مشروعات فنية تدعم «منح العلا»    يسرا تستعد لعرض فيلم «الست لما»    إنفاذاً لأمر خادم الحرمين بناء على ما رفعه ولي العهد.. نائب أمير الرياض يسلم وسام الملك عبدالعزيز للدلبحي    إطلاق خدمة «بلاغ بيئي» بتطبيق توكلنا    السعودية: ندعم الحكومة السورية في إجراءات تحقيق الاستقرار.. قصف إسرائيلي لمواقع في حمص واللاذقية ودمشق    «حقيبة الرفاة».. جريمة هزت العالم    مجلس الوزراء برئاسة ولي العهد: سلطات الاحتلال تمارس انتهاكات جسيمة ويجب محاسبتها    رقابة مشددة على نقل السكراب    نونو سانتو أول الراحلين في الموسم الجديد بإنجلترا    ولي العهد وملك الأردن يبحثان الهجوم الإسرائيلي الغاشم    أهمية إدراج فحص المخدرات والأمراض النفسية قبل الزواج    تاريخ وتراث    الاتفاق يجهز ديبملي    دواء جديد يعيد الأمل لمرضى سرطان الرئة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ورحل حميد المكارم إبراهيم بن يحيى العميري
نشر في الجزيرة يوم 22 - 05 - 2019

إذا فارقنا من نحب في غمضة عين الحياة، تباغتنا وقتها كل ينابيع الحب ممزوجة بالألم، فتنهمر لكن بعد فوات الأوان، والتي قد لا تكفيها كلمات الرثاء لو كتبت بمداد السنين، يقتات منا الفقد أعمق ذراتنا، يحيلها بحمم ناره ليس لرماد، بل لفتائل من الضجيج تصل بحريقها مسامنا، وتعيث فينا لهيبًا وألمًا وحزنًا، حتى إذا ما أنزل الله علينا من سمائه بردًا، ومسح برحمته على مكامننا استسلاما أيقظ فينا شعلة اليقين، فنخرج من دائرة البركان لننطوي على أحزاننا ونجترها بصمت.
الفقد بركان لا نقواه حين يلحق بفلذاتنا، أو بأقرب من يمتد فينا عروقا، ونمتد بدمائه حياة، لكنه القدر، وإنه الأجل الذي لا نعلم، لا يتأخر، ونحن لا نعترض، فحزننا بشري محض وصبرنا يقين محض، ونحن بين محضين يهزمنا تارة ضعفنا، وتقتات في خبايانا فواجعنا تارة أخرى.
وهذا البوح بضع نبضات من فؤادي لعم زوجتي أم جواد العم الغالي الشيخ إبراهيم بن يحيى العميري، الذي وافاه الأجل في يوم الثلاثاء الثامن من شهر المحرم لعام 1440ه الموافق للثامن عشر من شهر سبتمبر لعام 2018 م، في مدينة أبي عريش بمنطقة جازان، ودفن في اليوم التالي، وذلك بعد حياة حافلة بالعطاء والبذل لأهله ومجتمعه وبلده، فمن عظيم مفاخره اشتراكه مع الملك فيصل -يرحمه الله- عندما كان أميراً وقتها في عهد والده الملك الموحد عبدالعزيز -يرحمه الله- في إحدى المعارك دفاعاً عن بلاده في حدودها الجنوبية بجازان، وكنت قد التقيت في معرض الرياض الدولي للكتاب في نسخته الأخيرة مع الصديق الأديب محمد بن عبدالرزاق القشعمي في جلسة ماتعة جمعت أيضاً بعض الأدباء والمثقفين في مقر مكتبة الملك فهد الوطنية، وتطرقت إلى شخصيات جازانية كانت تستحق منه اهتماماً بتسجيل تاريخ المملكة الشفهي والالتقاء بها، وذلك عطفاً على جهوده القيمة التي قام بها إبان فترة عمله بمكتبة الملك فهد الوطنية في تسجيل بعض وقائع تاريخ المملكة من شفاه معاصريها ومنهم ولاشك العم إبراهيم العميري -يرحمه الله تعالى-.
رحل العم الغالي إلى بارئه طيباً قرير العين بعد رحلة شاقة مع الألم، وبعد رحلة مضنية مع الكفاح الجاد ومصارعة الحياة والأحياء ونكبات الدهر وفواجعه، إلا أن الرجاء معقود في المولى -عز وجل- بأن تكون خاتمة هذه الرحلة والجهاد والشدة والكبد ولواعج المرض، كفارة وطهرة له من أدران الدنيا، والخلود -بإذن الله- في جنات عدن التي وعد بها المتقين:
ولكن كان لوفاة العم الغالي أباجبريل دوي من الحزن في أعماق أسرته وأقاربه ومحبيه وعارفيه، وفي نفسي لما له من مكانة جليلة عندي، ومحبة صادقة في قلبي، عجزت بعدها أن أمسك القلم لأسطر بعض مآثره لأن القلب تمنع والفؤاد ارتجف حتى قدر الله ذلك الآن، فكان كما قال الشاعر منقذ الهلالي:
لقد عرفت هذا العزيز منذ ما يزيد على العشرين عاماً، بعد أن أكرمني الله بمناسبة أسرة المرحوم قاسم بن عبده الحكمي سنة 1419ه، فعوضني الله بهذا الرجل الطيب عن فقد عمي والد زوجي، الذي لم أعرفه حيًّا، ولكن عرفته من تناقل أهله وعارفيه جميل سجاياه، وفضائل صفاته وأعماله، ناهيك عن تلك الأسرة الكريمة التي أحسن تربية أفرادها على الخير والصلاح وعلى رأسها زوجتي الوفية المحبة:
كان العم الطيب هو كبير الأسرة وحكيمها، حباه الله خصالاً حميدة، وأخلاقاً نبيلة، تميز بصفاء القلب، ونقاء السريرة، لا تعرف الكراهية إليه طريقاً وليس لها مكان عنده، أحبه من عرفه ومن تعامل معه، رحب الصدر، سمح الخاطر، طيب الحال والبال.
عرفته -يرحمه الله- بهدوئه ووقاره وسمته، يقبل عليك عندما تلقاه بالترحاب والمودة والوجه الباسم الطلق، فيخجلك بتواضعه، وجميل حديثه وترحابه، وكريم طبعه، ونقاء روحه ومظهره كنقاء ابتسامته، حتى أني في كل لقاءاتي معه أخرج بمزيد من الحب والتقدير له، فضلاً عن قصة تروى في معاني الوفاء والحب والعيش بسلام، فيا عمي:
يا نقي الفؤاد، يا من تحمل للصغير والكبير صدق الوداد
بوجهك الباسم وعطفك الدائم أنت أكبر من أن تكون مجرد ذكرى.
بعد وفاة جدي لوالدي الشيخ يحيى بن علي النجمي -يرحمه الله- في قرية النجامية بالعام 1430ه رأيت في العم إبراهيم عوضاً أيضاً عن فقيدي الغالي الأقدم الذي قضيت معه في طفولتي سنين عدة، كنت خلالها لصيقاً به، أحظى بمودته وعطفه، حتى غادرت القرية إلى الخرج وإلى مشاغل الحياة والدراسة والسفر، ولم يعوضني قليلاً عن أثر فقده وغروب شمسه عن حياتي إلا تلك اللقاءات التي كانت تجمعني مع العم إبراهيم، فأجد فيه أثراً من طيبة وحنان جدي الذي غادرته جسداً ولم أفارقه روحاً حتى توفاه الله:
رحل العم الغالي بعد أن بكته القلوب قبل الدموع، لكل من عرفه على حقيقته وبساطته وطيبته، وما منحه الله من تقدير وقبول بين الناس، فهو يملك قلباً حنوناً رحيماً، فلا تجده إزاء بعض المواقف الإنسانية ومدى تأثره بها إلا بدموعه تسبقه انسياباً على وجنتيه:
وقد سئل أحدهم هل تموت الأشياء بالنسيان؟ وهل تتوارى في لحظة الغياب الذاكرة التي لا تنسى؟ فأجاب: قد يحدث ذلك، إلا أن الأشياء الغالية لا يطالها النسيان، ولا ينزل بساحتها الغياب، ولا يجرؤ التواري على الاقتراب منها، وهكذا كان العم إبراهيم من أغلى الأشياء التي تنبت في الأعماق، وتتأصل جذورها في القلب، وتمتد فروعها إلى الأحداق.
رحل صاحب القلب الأبيض وترك لنا أثراً جميلاً نرويه لأحفاده وأبناء أسرته الممتدة، عن رجل تمثلت فيه كل معاني الخير وفضائل البشر، فأسأل الله أن يبارك في عقبه من أبناء وبنات وأحفاد، وأن يكونوا امتداداً له ولسيرته وقيمه، وأن يكون لهم الحظ الأوفر في بره والإحسان إليه ميتاً، كما بروه حيًّا، وعزاؤنا لهم ولأبناء عمومتهم جميعاً بفقد والد طالما أحب الجميع وتمنى لهم الخير، وأحبه الجميع، ولكن تبقى ذكراه الطيبة وسيرته العطرة، تتعطر بها الألسن التي عرفته.
اللهم أبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، اللهم وسع له في قبره مد بصره، واجمعنا به ووالدينا في الفردوس الأعلى من الجنة.
عمي الغالي: وهبك ربي الجنان، ورحمك برحمته الرحمن، ورزقك رؤية وجهه الكريم العظيم المنان، وجمعنا بك مع الصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.