وفاة الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن عبدالعزيز آل سعود بن فيصل آل سعود    أكتوبر الأكثر إصدارا للتراخيص الاستثمارية    المجفل سفيراً لخادم الحرمين لدى سورية    نائب أمير مكة يُدشّن ويضع حجر الأساس ل 121 مشروعاً    مملكة الإنسانية وصحة الشعوب    آل الشيخ يعزز التعاون مع البرلمانات العربية    خادم الحرمين الشريفين يرعى نهائي أغلى الكؤوس    كلاسيكو التحدي بين «الأصفرين».. والبطل على أعتاب «التاريخية»    «الشورى» يستأنف جلساته بمناقشة أداء القطاعات وتحدياتها    عبيدالله سالم الخضوري.. 16 عاماً ملكاً على الكونغو    5 من أمراض المخ ترتبط بتغير المناخ    وزارة الإعلام تحتفي بطلاب وطالبات أكاديمية طويق ومدارس مسك الفائزين في معرض آيتكس 2024    جامعة المؤسس: الزي السعودي إلزامي على الطلاب    فريق طبي بمستشفى عسير يُنقذ حياة أربعيني تعرّض لطلق ناري في الرقبة    "سناب شات" تضيف عدسات الواقع المعزز لكروم    ضريح في جزيرة يابانية لتكريم القطط    أنت بحاجة إلى ميزانية    بيان التسمم    رابطة اللاعبين تزور نادي العروبة    أخضر الشاطئية يتأهل لربع نهائي البطولة العربية    حتى يبدع الحكم السعودي    ضمن فعاليات تقويم جدة بسوبر دوم.. غونتر يتوج بلقب" ملك الحلبة".. و" ناي جاكس" ملكة السيدات    ريال مدريد يودع الساحر الألماني    ولادة ثلاثة وعول في منطقة مشروع قمم السودة    وجهة الابتكار    إدارة تعليم عنيزة تدشن مبادرة التسجيل في النقل المدرسي    الإطاحة بثلاثة وافدين يروجون حملات حج وهمية    الأمن المدرسي    العمودي والجنيد يحتفلون بناصر    الزهراني يحتفل بزواج إبنيه محمد و معاذ    الاحتلال يواصل قصف أحياء رفح    أمير الرياض يرعى الاحتفاء بالذكرى ال 43 لتأسيس مجلس التعاون الخليجي    أجيال المملكة والتفوق صنوان    كي تكتب.. عليك أن تجرِّب    تكريم الفائزين في مسابقة «فيصل بن مشعل لحفظ القرآن الكريم»    ختام «بنكهة الشرق» والأميركي «أنورا» يحصد الجائزة الذهبية..    وصول أولى رحلات مبادرة طريق مكة من المغرب    حلقات تحفيظ جامع الشعلان تكرم 73حافظا    وصول أكبر معمرة عراقية لأداء فريضة الحج    الغربان تحصي نعيقها    المكسيك تسجل حرارة قياسية    12 ألف حاج تلقوا خدمات صحية في المدينة المنورة    عليهم مراجعة الطبيب المشرف على حالتهم.. «روشتة» لحماية المسنين من المشاكل الصحية في الحج    اكتشاف دبابير تحول الفيروسات إلى أسلحة بيولوجية    شكراً «نزاهة»    بيت الاتحاد يحتاج «ناظر»    أتعمية أم خجل.. يا «متنبي» ؟    الشغف    التألق والتميز السعودي في الزراعة !    أسرتا السليمان والزعابي تتلقيان التعازي في فقيدهما    «الموارد البشرية» تطلق عدة مبادرات في موسم الحج    سعود بن بندر يطلع على خدمات «تنموي سلطان بن عبدالعزيز»    تعيين د. المجفل سفيراً لدى سورية    تخفيف مشقة الحج عن كبار السن    مشرفو الحملات الإندونيسيون: طاقات بشرية وفنية سعودية لراحة الحجاج    سمو أمير تبوك يرعى حفل تخريج الدفعة الثامنة عشرة لطلاب وطالبات جامعة تبوك    أكد حرص القيادة على راحة الحجاج.. أمير الشمالية يتفقّد الخدمات في« جديدة عرعر»    وزير الحرس الوطني يرعى تخريج دورة الضباط الجامعيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المتشابه والمختلف بين الأمم في همومها اللغوية (2)
نشر في الجزيرة يوم 02 - 02 - 2019

نستكمل ما بدأناه في الحلقة الماضية عن نشأة المعاجم لدى الأمم، ونخصص حديثنا في هذه المقالة عن تطور الصناعة المعجمية للغة الإنجليزية؛ لعلَّنا نجد فيها ما يفيدنا في لغتنا. فتذكر المصادر أن بريطانيا كانت - إلى البدايات المبكرة للقرن التاسع عشر - هي المصدر الوحيد للقواميس الإنجليزية حتى للولايات المتحدة (المنافس التقليدي لبريطانيا)، ثم استقلت أمريكا فأغلبية الدول المتحدثة بالإنجليزية، وصار لها صناعتها المعجمية المستقلة. وكان ذلك في منتصف العشرينيات من القرن العشرين حين بدأت الدول الأخرى الإنجليزية تحذو حذو الأمريكيين في استقلالهم المعجمي: أستراليا، وكندا، وجنوب إفريقيا، ونيوزيلندا وغيرها. وربما توجد خاصية للغة الإنجليزية، هي أنها اللغة الوحيدة التي تُنتَج لها قواميس أحادية في البلاد التي هي أجنبية، كما في بولندا وفرنسا وغيرهما. والسؤال: لماذا لا يكون للعربية صناعة معجمية حتى في البلاد غير العربية كالبلاد الإسلامية مثلاً؟ مع العلم أن هناك ناشرين في الغرب بدؤوا يدخلون المعجمية العربية.
ويؤكد الباحثون أنه خلال القرن الثامن عشر الميلادي أراد الباحثون من القواميس تسجيل الاستخدام اللغوي الأفضل وحفظه؛ ولذلك اقتصروا على المكتوب من خلال أفضل الكتّاب، وقصروا المعاجم على الكلمات المستخدمة في الأدب الرفيع، ووضحوها بأفضل الشواهد الأدبية. وكذلك شعر المعجميون بأن من مهمتهم الإشارة إلى الاستخدام الجيد، وتمييزه من السيئ، وأنهم هم أصحاب القرار؛ فصار هناك فسح لمفردات ومنع لأخرى بما يسمى الوصاية أو المعيرة. وكان الهدف من القواميس المعيارية هو إصلاح اللغة وصيانتها.
أما التحول والمنعطف التاريخي في الصناعة المعجمية فهو التحول في القرن الثامن عشر الذي تميز - كما تذكر المصادر - بما يأتي:
1 - صارت القواميس والمعاجم للغة كاملة، ولم تعد تقتصر على المستوى الأدبي العالي.
2 - شاع استخدام المتون أو المدونات (الشواهد في القرن الثامن عشر والأمثلة)، والأمثلة الطبيعية لا المصطنعة التي كان مصدرها تأمل اللغوي أو المعجمي.
3 - كان التركيز سابقًا على اللغة المكتوبة العالية لأفضل الاستخدامات اللغوية ولأفضل الكتّاب، ثم تحول إلى غير المكتوبة العالية بدءًا بالفنية أو التخصصية.
4 - كان التركيز سابقًا على معيرة اللغة، ووصف المقبول والمرفوض، والاقتصار على الاستشهاد بأفضل الكتّاب؛ لكن ديمقراطية المعرفة التي جعلت المعرفة مشاعة ولم تعد محصورة على فئة تمثل النخبة، وكذلك نشوء الطبقة البرجوازية التي أصبحت متزامنة مع الحفاظ على اللغة، دفعت إلى الالتفات للغة العوام. فالصناعة المعجمية الإنجليزية كانت لهدفين: تعليم أو تثقيف الطبقة الوسطى، وحماية اللغة.
وكان المعجم من القرن الثامن عشر إلى اليوم هو الحامي لصفاء اللغة. وهذه ربما ما زالت هي سمة المعجمية في اللغة العربية إلى اليوم.
وربما نلحظ من السرد السابق الذي يؤرّخ للغة الإنجليزية خلال القرنَيْن الثامن عشر والتاسع عشر أنه لا يختلف كثيرًا عن حال الباحثين في اللغة العربية اليوم.. بل يؤكّد بعض الباحثين أنه كان ينظر للإنجليزية على أنها انحراف أو تشويه للاتينية، أو خلف فاسد لها (لعلنا نلحظ هذا في الدارجة بالنسبة للفصحى)؛ ولهذا فبعض كتب القرن التاسع عشر تجاهلت الاستخدام الفعلي، وأبدى كثير من النحويين استياءهم من تدهور اللغة مبنيًّا على أصول أخلاقية! وأصبح هذا الموقف اللغوي سائدًا حتى القرن العشرين الذي تغير فيه الاتجاه نحو الاستخدام اللغوي من سلبي إلى مقبول بل ومدروس. وبنيت المبادئ البنيوية للغة على أن:
1 - تتغير اللغة باستمرار وليست ثابتة (لا في قواعدها ولا في مفرداتها).
2 - التغير أمر طبيعي وليس انحرافًا عن ناموس الطبيعة.
3 - اللغة المحكية هي اللغة، وهنا إلحاح على الاستخدام الفعلي.
4 - الصحة اللغوية تنشأ من الاستخدام ولا تُفرض عليه.
5 - كل الاستخدامات اللغوية نسبية. وهذا ربما يعارض الأفضلية اللغوية لكتّاب معينين.
على كلٍّ، يرى بعض الباحثين أنه على الرغم من تراجع التقليد المعياري الصارم فلا يزال الهدف العام للمعجم هو أنه المنبع اللغوي للحقيقة ‹truth› التي تقابل الاستخدام الفعلي، وربما تكون هذه النظرة العامة هي النظرة الصارمة للغة العربية التي تؤكّد أفضلية - بل ربما تفرد وأحقيته بالحفظ - النظام اللغوي (الحقيقة اللغوية) وليس الاستخدام الفعلي اللغوي.
ومن الطريف في موضوع المعاجم والقواميس الإنجليزية نشوء ما يسمى حرب المعاجم، وهي على تمظهرين: حرب المعاجم أو حروب المعاجم بين الولايات المتحدة وبريطانيا، وحرب أخرى للمعاجم بين الناشرين أنفسهم من تقليديين ومجددين أو راغبين في الاستثمار، وفي وفرة الإنتاج استجابة لمتطلبات السوق والمستهلكين. وسأعرض لهما بإيجاز:
الأولى: الحرب بين البريطانيين والأمريكيين، فبعد استقلال أمريكا عن الاستعمار البريطاني عام 1776 كان هناك انقسام حول استقلال أمريكا لغويًّا كما استقلت إداريًّا وسياسيًّا، وفي كل مظاهر الحياة، وكان هناك من لا يرى ذلك؛ بل يرى التمسك بالتراث الإنجليزي الأصل للبلد الأم (بريطانيا). وكان من المؤيدين للاستقلال معجمي يدعى نوح وبستر (Noah Webster، 1758-1843)، وهو مدير مدرسة إصلاحي في ميدان التهجئة، ومحامٍ، ومحاضر، وصحفي.. وكان يرى إصلاح التهجئة على أسس سياسية ووطنية تخص أمريكا، ويرى كذلك تأسيس معاجم أمريكية. وهنا بدأت حروب القواميس أو المعاجم (Dictionary wars) بين البريطانيين والأمريكان. وقد كان المعجميون الأمريكيون المعياريون يحسون بعدم الأمان اللغوي خلال حرب المعاجم؛ لأن الباحثين اللغويين في الولايات المتحدة مثلهم مثل الآخرين من أبناء الولايات الأمريكية الذين شعروا بأنه لا بد أن يكون للولايات المتحدة استقلال عن البلد الأم (بريطانيا) في كل شيء، ومن هذه الأوجه للاستقلال المعاجم، وكان المعتمد في صحة الاستخدام قبل هذه الحرب هو البريطاني.
الثانية: حروب المعاجم من خلال الحرب بين التقليديين الذين يلتزمون بالتقاليد الأكاديمية للصناعة المعجمية والفريق الذي يخضع للسوق والمطالب التجارية. فقد أشار الباحثون إلى ظهور معاجم بريطانية غير تقليدية بعد الحرب العالمية الثانية، ولّدت حرب معاجم أخرى بين التقليدي والحديث. ففي سبعينيات القرن العشرين بدأت تجديدات في بريطانيا مع وجود ناشرين جدد. فالقواميس للمتحدث الأصلي وللمتعلم صارت حربًا حيث يحاول كل ناشر - وإن كان يضم معجميين قدامى - إضافة بعض التحديثات خضوعًا لمطالب السوق والبيع. وكانت بعض دوافع الحرب تجارية استثمارية تسويقية. وأشار باحثون إلى أن حربَي المعاجم: الأولى التي استغرقت من 1830-1864 (Webster-Worcester competition)، وكذلك الثانية كانت حربًا ثقافية، وعلمية، وأكاديمية جيدة للصناعة المعجمية حيث استُثمرت أموال كثيرة في المهنة، واستُخدم المعجميون على مختلف مشاربهم ومناهجهم.
الذي دعاني إلى الكتابة في ذلك لعلنا نلحظ أن كثيرًا من نقاشاتنا قد دارت سابقًا في اللغات الأخرى، وإن كان لنا خصوصية من جوانب عديدة معروفة، فحري بنا تتبُّع ما آلت إليه أحوالها لأخذ العبرة واختصار الجهد والوقت. فنحن أمام نموذجين: النموذج الإنجليزي الذي تخفف من المعيرة واستجاب للحياة؛ فانتشرت اللغة الإنجليزية حتى خرجت عن سيطرة أبنائها، ولم تعد ملكًا لهم؛ بل يشاركهم غيرهم ممن لا يعدون متحدثين أصليين في السابق كالهند والفلبين وغيرهما، ويشاركونهم في الإنتاج وفي خدمة اللغة أيضًا. النموذج الآخر: اللغة الفرنسية التي تحافظ عليها الهيئات الرسمية، وهي مقارنة بالإنجليزية ربما في حالة انحسار وتراجع أو ركود في أفضل الأحوال.
** **


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.