الأهلي يعود بتعادل ثمين من معقل مازيمبي    مدرب الاتحاد مطلوب في ميلان    مساحة العلا للتصميم تعرض مبادراتها في أسبوع ميلان للتصميم    الصداقة الحقيقية    ضبط لبناني قتل زوجته وقطع جسدها بمنشار كهربائي ودفنها    البرلمان العربي يناقش الأزمة الإنسانية في قطاع غزة    «مكافحة المخدرات» تقبض على شخص بالحدود الشمالية لترويجه الحشيش المخدر    حرس الحدود ينقذ مواطنا خليجيا فقد في صحراء الربع الخالي    اختتام المهرجان السينمائي الخليجي في الرياض وتتويج الفائزين بالجوائز    وزير الخارجية المصري من أنقرة: ترتيبات لزيارة السيسي تركيا    بمساعدة مجموعات متحالفة.. الجيش السوداني يقترب من استعادة مصفاة الجيلي    البريد السعودي | سبل يصدر طابعاً بريدياً عن قطاع النخيل والتمور في المملكة    الفن التشكيلي يتلألأ في مقر قنصلية لبنان بجدة    تشكيل الاتحاد المتوقع أمام الحزم    إيقاف اجتماع باسم «اتحاد كُتّاب عرب المشرق» في مسقط    صالون "أدب" يعزف أوتاره على شاطئ الليث    حمدالله يتوقع مواجهة الهلال والعين في دوري أبطال آسيا    الجدعان: الاقتصاد العالمي يتجه لهبوط سلِس    توليد الفيديوهات من الصور الثابتة ب"AI"    "كاوست" تتنبأ بزيادة هطول الأمطار بنسبة 33%    السودان: أطباء ينجحون في توليد إمرأة واستخراج رصاصة من رأسها    «الداخلية»: ضبط 14,672 مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود في أسبوع    فيتنام: رفع إنتاج الفحم لمواجهة زيادة الطلب على الطاقة    وظائف للخريجين والخريجات بأمانة المدينة    للمرة الثانية على التوالي النقد الدولي يرفع توقعاته لآفاق الاقتصاد السعودي ليصبح الثاني عالمياً لعام 2025    الصحة العالمية توافق على لقاح ضد الكوليرا لمواجهة النقص العالمي    طقس اليوم: فرصة لهطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    إعفاء "الأهليات" من الحدّ الأدنى للحافلات    بن دليم الرحيل المُر    البنك الدولي: المملكة مركزاً لنشر الإصلاحات الاقتصادية    بوابة الدرعية تستقبل يوم التراث بفعاليات متنوعة    نجران.. المحطة العاشرة لجولة أطباق المملكة    إخلاء طبي لمواطنة من كوسوفا    حمدالله: تجاوزت موقف المُشجع.. وصفقات الهلال الأفضل    مساعد مدرب الرياض ينتقد التحكيم في مواجهة الطائي    "الأمر بالمعروف" في أبها تواصل نشر مضامين حملة "اعتناء"    الخريجي يلتقي نائب وزير الخارجية الكولومبي    أسرتا باهبري وباحمدين تتلقيان التعازي في فقيدتهما    رئيس "الغذاء والدواء" يلتقي شركات الأغذية السنغافورية    الوحدة يحسم لقب الدوري السعودي للدرجة الأولى للناشئين    سلام أحادي    تجمع مكة المكرمة الصحي يحقق انجاز سعودي عالمي في معرض جنيف الدولي للاختراعات 2024    أرمينيا تتنازل عن أراضٍ حدودية في صفقة كبيرة مع أذربيجان    حائل.. المنطقة السعودية الأولى في تطعيمات الإنفلونزا الموسمية    التعريف بإكسبو الرياض ومنصات التعليم الإلكتروني السعودية في معرض تونس للكتاب    نوادر الطيور    أمير عسير يتفقد مراكز وقرى شمال أبها ويلتقي بأهالي قرية آل الشاعر ببلحمّر    بطاقة معايدة أدبية    ضيوف الرحمن يخدمهم كل الوطن    أفضل أدوية القلوب القاسية كثرة ذكر الله    إخلاص العبادة لله تشرح الصدور    ضبط مقيم بنجلاديشي في حائل لترويجه (الشبو)    "الأرصاد" ينبه من هطول أمطار غزيرة على منطقة مكة    مساعد وزير الدفاع يزور باكستان ويلتقي عددًا من المسؤولين    تخلَّص من الاكتئاب والنسيان بالروائح الجميلة    غاز الضحك !    أمير الباحة: القيادة حريصة على تنفيذ مشروعات ترفع مستوى الخدمات    محافظ جدة يشيد بالخطط الأمنية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوفاء للمتقاعدين

الوفاءُ عند العرب من أهم الُمثل العليا، ومن أجلّ الصفات التي يجب أن يتحلَّى بها الإنسان، ومن أبرز صفات العرب التي تفاخر ويتفاخر بها قادتهم وأشرافهم وأُمراؤهم وشعراؤهم. فجزيرةُ العرب منبعُ العروبة الأصيل، ومنبتُ خلالها وأخلاقها النبيلة، ويعدُّ الوفاء من القيم والمعاني النبيلة التي اشتهر بها العرب قبل الإسلام، وأقرَّهم عليها، وأكد على التمسك بها، فقال تعالى {وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً} (34) سورة الإسراء.
فطاعةُ الله وفاءٌ، والتمسكُ بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وفاءٌ، وطاعةُ ولي الأمر وفاءٌ، والعدلُ وفاءٌ، وبر الوالدين وفاء، والصدقُ وفاء، والعمل وإتقانه وفاء، وحفظ العهد وفاء، وتأدية الحقوق وفاء، وحب الوطن وفاء.
فالوفاء مروءة، والوفاء كرم، والوفاء شهامة، فما أجمل الوفاء قيمةً ومعنى.
أرجو أن يتسنى لكم البحث عن مناسبة هذا البيت
وإني لأستحييه والتُّربُ بيننا
كما كنت أستحييه وهو يراني
ففيه تتجلى معاني الوفاء ومدلولاته.
ويأتي في مقدمة أهل الوفاء «معلِّم البشرية محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - الذي غرس الوفاء في الأمة الإسلامية كشجرةٍ راسخةٍ، غذاها الخلفاء الراشدون والمسلمون على مختلف العصور من بعده عليه الصلاة والسلام، حتى أصبحت تلك الشجرة وارفة الظلال، تظللنا بالقيم والمُثل والمعاني النبيلة، فلا يغيب عن ذاكرتنا عندما هاجر - صلى الله عليه وسلم - قصة إبقائه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في مكة، ليردَّ الأمانات إلى أهلها الوثنيين في ذلك الوقت، الذين أنكروه واتهموه بالسحر والشعر والكذب، لم يستبح أماناتهم ويصادرها، بل كان معهم في قمة الوفاء وفي أسمى معانيه وأعلى مراحله.
وثقافتنا الإسلامية والعربية مفعمةٌ بمعاني الوفاء وقصص الوفاء، ومن المشاهير في عالم الوفاء كما تعلمون، السَّمَوْأَلِ حاكم تيماء في العصر الجاهلي، الذي قُتل ابنه أمام ناظريه، بسبب وفائه لامرئ القيس في القصة الشهيرة، فرفض تسليم عتاد وعائلة امرئ القيس، الذين استودعهم لدى السَّمَوألِ! لماذا فعل ذلك؟ ليكون وفيّاً مع نفسه ومع قيمه ومع الآخرين، وحتى لا يلحقه الخزي والعار، فما الذي حصل؟ خلَّد التاريخ ذكراه وأصبح أيقونة الوفاء.
وَفَيْتُ بِأدرع الْكْندي إني
إذَا ماخَانَ أقْوامٌ وَفَيْتُ
وذاكرتنا الأدبية مليئةٌ بقصص الوفاء، للبشر وللأوطان وللأحياء والأموات، وامتدَّ إلى أبعد من ذلك فوصل للحيوان، فمن الناس من فقد فرسه ومنهم من فقد سيفه ومنهم من فقد وطنه ومنهم من ضحى بالغالِي والنفيس من أجل الوفاء.
فالوفاء قيمةٌ إنسانيةٌ، فكل الأمم والشعوب تحث على الوفاء وتشجع عليه وتتبناه في مناهجها، وتحرص عليه.
ودولتنا العربية، ومملكتنا الأبية العربية السعودية، مضربُ المثل في الوفاء ومكارم الأخلاق.
ومن النماذج المشرقة والمضيئة في عصرنا الحديث وفاء الملك عبد العزيز (رحمه الله) وأبنائه الملوك من بعده مع الرجال الأفذاذ الذين ساهموا في توحيد المملكة، وبذلوا وضحوا بالكثير في سبيل تكوين واحة الأمن ودوحة الأمان وموطن السلم والسلام ودولة الإسلام، فلقد كرَّمت الدولة (رعاها الله) الرجال الذين ساهموا في استعادة عاصمة البلاد الرياض (1319ه) تقديراً ووفاءً لهم على دورهم وتضحياتهم في مراحل التأسيس، وامتدَّ وفاء الدولة إلى أبنائهم وأحفادهم من بعدهم، بل إنه امتدَّ إلى أبعد من ذلك فكانت وفية حتى مع من عاداها، بعد أن أظهرها الله عليهم.
ومناسبات التكريم التي يقيمها ولاة الأمر للاحتفاء بالبارزين والمجتهدين من أجل رفعة الوطن في كل الميادين نوع من أنواع الوفاء.
فنحن - ولله الحمد والمنة - مجتمع وفيّ، بطبعه فالوفاءُ يحيطنا كما السوار بالمعصم، تربينا على الوفاء وتعودنا عليه، ومارسناه سلوكاً ممتعاً، في شتى مناحي حياتنا ولا يمكن لنا أن نكون غير ذلك أبداً.
عزيزي القارئ : ما دعاني لهذه المقدمة لتذكير نفسي أولاً وتذكيركم بأن هناك فئة من المجتمع في أمس الحاجة إلى الوفاء، يؤسفني أن أقول إنها فئة تعاني النكران والجحود والتجاهل والإهمال، فئة لا ينبغي لنا أن نعاملها كمجتمع بهذه الطريقة، ألا وهي فئة المتقاعدين، هؤلاء الذين ضحوا من أجلنا بالكثير، وبذلوا وأعطوا وبنوا وزرعوا لنكون في أفضل حال، أوفوا بما عاهدوا، ولم نوفهم بما عاهدناهم، لم نجزهم بما عملوا ولم نحسن إليهم كما يجب.
أيعقل أن نكون غير أوفياء مع آبائنا وأمهاتنا، أيعقل أن نكون غير أوفياء مع من علمونا ودرسونا، أيعقل أن نكون مجتمعا جاحدا! إذا لم نحتفِ ونفتخر بالمتقاعدين بمن نفتخر إذاً؟
فئة المتقاعدين يا سادة تعاني وكم تعاني، تعاني من نقص الخدمات في جوانب متعددة، صحية واجتماعية واقتصادية ومادية ومعنوية وحقوقية وترفيهية.
فئة تحتاج منا إلى وقفةٍ جادة، إلى لفتةٍ صادقة، إلى موقفٍ إيجابي تجاهها، كلنا سنكون متقاعدين يوماً ما، في كل بيت من بيوتنا متقاعد، فمتى نقوم بدورنا كأفراد ومجتمعات ومؤسسات؟ متى نوفيهم حقهم علينا.
ومن أوجه الوفاء للمتقاعدين «التي كان يجب أن تقدم لهم عند تقاعدهم، هو التأمين الطبي، وتوفير فرص العلاج بيسر وسهولة، وكل ما يتطلبه وضعه الصحي من أدوية وخلافه، وكذلك من أوجه الوفاء للمتقاعدين إنشاء نواد اجتماعية يقضي فيها المتقاعد أوقاتاً مفيدة تعود عليه بالنفع والفائدة، تُقام فيها النشاطات والفعاليات في المجالات المختلفة الثقافية والأدبية والدينية والرياضية.
ومن الممكن أيضًا إعفاؤهم من رسوم الخدمات الحكومية لتأشيرة الخادمة والسائق والممرض أو الممرضة، فالمتقاعدُ أمضى أكثر من 30 سنة يدفع رسوم الخدمات الحكومية، ألم يئن الأوان لمنحه الخدمات مجانية أو مخفضة على الأقل، وهو في هذه السن المتقدمة.
ومن الوفاء للمتقاعد أيضاً توقيره وتقديره واحترامه بموجب تشريعات حكومية رسمية إلزامية، عند مراجعة الوزارات والإدارات الحكومية، ودعوته للحفلات والمناسبات الوطنية، وإلزام شركات تأجير السيارات والبنوك وشركات التأمين على إعادة النظر في التعامل مع المتقاعد، وإيجاد صيغة رسمية لتقديم الخدمات له، وعدم تجاهله أو رفض التعامل معه بسبب أنه متقاعد.
لماذا لا نبادر؟ لماذا لا نكون مختلفين وسباقين إلى عمل نموذج يحتذى به من إعداد حزمة إجراءات ومشروعات تستهدف المتقاعدين.
أستحضر هنا مركز الأمير سلمان الاجتماعي لرعاية المسنين في مدينة الرياض، الذي يعد وفاء من الدولة لهذه الفئة، لماذا لا تعمم هذه الفكرة الرائدة؟ لماذا لا يكون هنالك معلم بارز ومنجز حضاري خاص بالمتقاعدين في كل منطقة من مناطقنا؟ ألا يستحقون منا ذلك، لماذا نخجل من مناقشة قضايا المتقاعدين، ألا يوجد لدينا حلول لقضايا المتقاعدين؟ أين علماؤنا ومفكرونا ومؤسساتنا الحكومية والخاصة، أعاجزون نحن!!!
كلُّ عوامل النجاح متوافرة، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله - عهد الإصلاح والصراحة والتنمية والشفافية، ففي لقائه - حفظه الله - مع المتقاعدين في يوم السبت 9/4/1429ه. طالب - حفظه الله - المتقاعدين بالصراحة والوضوح وأن يكونوا عيناً للمسؤول، ومن هذا المنطلق ومن هذا المنبر أتطلع إلى أن يخصص يوم في السنة، يستقبل فيه خادم الحرمين الشريفين - حفظه الله - نخبة من المتقاعدين يتحدث إليهم ويتحدثون إليه يستمع إليهم ويستمعون إلى توجيهاته ويحتفى بهم، وفي ذلك تكريم وتقدير للمتقاعدين عامةً، يمنحهم شعوراً بالرضى والامتنان لقيادتهم ولولاة أمرهم (حفظهم الله).
لعلكم تتفقون معي على أن المتقاعدين يستحقون منا الشكر والتقدير والثناء والعرفان والوفاء عملاً وفعلاً وليس قولاً.
والله الهادي إلى سواء السبيل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.