يشكل المرضى «النفسيون» صورة مؤلمةً داخل المجتمعات، ووجوهاً شوهتها الأيام، مناظر تخترق الفؤاد تشاهدها تهيم في الشوارع، وتتخذ من المساجد والأرصفة مهاجع للنوم، تتسول المارة، وتقتات بقايا الطعام، أنهك المرض قواهم وقذف بهم على قارعة الطرقات خارج غمار منافسة الأسوياء. وأكد مواطن (تحتفظ «الحياة» باسمه) أن أحد أشقائه يعاني من مرض نفسي، ويعيش في الشارع منذ عشرة أعوام، أدخل المستشفى مرات عدة، وتم تنويمه لفترات تتراوح بين الشهر والشهرين ثم خرج ليعود إلى سيرته الأولى، يتلقفه رفقاء السوء الذين أخشى أن يستنزفوه مادياً. وأوضح أنه طرق جميع الأبواب لعلاجه لكن دون جدوى، وقال « هيأت له شقة إيجار، لكنه هجرها لينام في المسجد»، مضيفاً «أن بقاءه في منزلي بات يشكل خطورة على أطفالي وزوجتي، خصوصاً أن المنازل مليئة بمكامن الخطر من أنابيب الغاز والمواد الكيماوية المشتعلة والآلات الحادة». من جانبه، أكد الناطق الإعلامي في مديرية الشؤون الصحية في الطائف سعيد الزهراني أن مستشفى الصحة النفسية يقدم العلاج لأي محتاج حال وصوله، مشيراً إلى أن هناك حالات عدة تتلقى العلاج وتتحسن ما يتطلب في أحيان كثيرة خروجها. وشدد على أهمية دور الأسرة من طريق تذكير المريض وحثه على تناول العلاج، مؤكداً أن المستشفى ينفذ برنامج الزيارات المنزلية الذي استفاد منه خلال الأشهر الماضية 249 مريضاً، من خلال الزيارات التي نظمتها فرق طبية للمرضى في منازلهم، وإجراء الكشف عليهم وإعطائهم الأدوية اللازمة من دون الحاجة إلى الحضور للمستشفى. ولفت الزهراني إلى وجود التجاوب الكبير من المرضى وأسرهم في هذا الإطار ما أسهم في إنجاح البرنامج، وقال «لابد من الإشارة إلى أن مسؤولية وجودهم في الشارع تشترك فيها الأسرة والمجتمع، إضافةً إلى الجهات الأخرى». وأوضح أن المستشفى على استعداد لاستقبالهم والكشف عليهم، لكنه لايبحث عنهم في الشوارع باعتباره ليس من مهمته واختصاصه، كاشفاً أن مستشفى الصحة النفسية يضم أكثر من 300 مريض من المرفوضين من الأهل والأقارب على رغم عدم حاجة الكثير منهم للبقاء. بدوره، أكد مدير مركز التاهيل الشامل ورئيس لجنة الحماية الاجتماعية في محافظة الطائف حسين العبادي أن تجاهل المرضى المشردين في الشوارع يعد نوعاً من أنواع العنف الذي يمارس بطريقة غير مباشرة ضدهم، مايتطلب وقفةً جادة لمعالجة وضعهم وحفظ كرامتهم الإنسانية، لافتاً إلى أن هناك توجهاً لدى وزارة الشؤون الاجتماعية لإيجاد دور لهؤلاء المرضى لاحتضانهم، وتهيئة سبل الحياة الكريمة لهم. من جانبه، أكد رئيس الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم الدكتور أحمد السهلي أن إهمال هذه الفئة محرم شرعاً، مشدداً على أن كل إنسان يأثم حال تفريطه في المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه هذه الفئة. موضحاً أن قواعد الدين الإسلامي توجب الوقفة إلى جانبهم، وانتشالهم من حال البؤس الذي يعيشونه لاشعورياً.