بيع 3 صقور ب (399) ألف ريال في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    بيونجيانج تطلق صواريخ باليستية قبل أسبوع من قمة أبيك في كوريا الجنوبية    بهدف جميل أمام السد.. سافيتش يُظهر مهارته المُعتادة مع الهلال    العنزي مديرًا عامًا للإعلام والاتصال المؤسسي ومتحدثا رسميا بالإسلامية    اوقية الذهب تنخفض الى 4113.54 دولارا    هجوم صاروخي روسي يستهدف كييف ومدنا أوكرانية    مركز الملك سلمان للإغاثة يوزّع (515) سلة غذائية في محلية بورتسودان    نجاح عملية جراحية لطفلة فلسطينية كانت تعاني من عيب خلقي في القلب    ترمب ينتقد «حماس» ويهدد بتدخل الحلفاء.. تحرك أمريكي لدعم وقف النار في غزة    الأمم المتحدة: إسرائيل تسعى لفصل المزارعين عن أراضيهم    200 مليار مشروعات اقتصادية بالمدينة المنورة    قدموا للسلام على سموه.. ولي العهد يستقبل الأمراء والعلماء والوزراء وجمعاً من المواطنين    النصر ضيفاً على غوا الهندي من دون رونالدو.. في الجولة الثالثة من دوري أبطال آسيا الثاني    إنزاغي: طموحي كبير بتحقيق البطولة مع الهلال    الجاسر: القطاع السككي سيواصل دوره التنموي والخدمي    موجز    جمجمة في سنارة صياد بدل السمكة    أكد دعم المملكة لجهود السلام بالعالم.. مجلس الوزراء: الموافقة على إنشاء فرع لجامعة ستراثكلايد بالرياض    أكد دعم المملكة للسلام بالعالم.. مجلس الوزراء يوافق على إنشاء فرع لجامعة ستراثكلايد في مدينة الرياض    الصليب الأحمر يؤكد تبادل 15 جثماناً لفلسطينيين.. «حماس» تسلم جثتي أسيرين إسرائيليين    تحايل قانوني.. قضية «شمس الزناتي» تشتعل    «رجال عبدالعزيز» في التلفزيون السعودي    «نبض العلا» ينطلق الجمعة القادم    شريحة ذكية تعيد البصر ل84% من المكفوفين    فيصل بن مشعل يشدد على أهمية استثمار مزايا القصيم في مجالات الزراعة    وزير "البيئة" يدشّن منصة "وقاء المستفيدين" للصحة النباتية والحيوانية    سعود بن نايف: القطاع غير الربحي شريك في تحقيق مستهدفات رؤية 2030    جائزة صيتة بنت عبدالعزيز تستعد لملتقى دراية بحائل    محمد بن عبدالعزيز يشيد بمنجزات «محكمة إدارية جازان»    نائب أمير حائل يستعرض مستجدات الوضع الصحي    2.8 مليار دولار استثمارات الأجانب بالأسهم السعودية    حراك متنامٍ    باريس سان جرمان يسحق ليفركوزن بسباعية ويواصل العلامة الكاملة    الهلال يتفوق على السد بثلاثية    برعاية سمو وزير الثقافة.. منتدى الأفلام السعودي الثالث ينطلق اليوم    مسجد الغمامة.. عراقة العمارة والإرث    أرسنال يكتسح أتلتيكو مدريد برباعية في دوري أبطال أوروبا    اكتشاف نادر لشجرة «السرح» في محمية الملك عبدالعزيز    روسيا تضرب شبكة الطاقة الأوكرانية وأوروبا تتحرك لإجبار بوتين على السلام    العنزي مديرا للإعلام والاتصال    نائب أمير منطقة مكة يستقبل معالي وزير الحج والعمرة    بين الغرور والغطرسة    تعليم الطائف يطلق جائزة سمو محافظ الطائف " ملهم" للتميّز التعليمي في دورتها الثانية    واشنطن تضغط لإطلاق المرحلة الثانية من خطة السلام في غزة    تغيير الاسم الأول للمواطن ضمن 4 خدمات جديدة لأبشر    أسواق العثيم تحصد جائزة المسؤولية الاجتماعية 2025 عن فئة الشركات العملاقة    وزير الخارجية ونظيره الهولندي يبحثان العلاقات الثنائية    نائب أمير جازان يستقبل رئيس المحكمة الإدارية بالمنطقة    "دله الصحية" شريك تأسيسي في معرض الصحة العالمي 2025 و"عيادات دله" ترعى الحدث طبيّاً    بيع شاهين فرخ ب 120 ألف ريال في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    محافظ بيش يستقبل شيخ شمل السادة الخلاوية والشابين المبدعين الشعفي    التدريبات الرياضية هي أفضل علاج لأوجاع التهاب مفاصل الركبة    استقبل وزير الحج والعمرة.. نائب أمير مكة: العمل التكاملي يعزز جودة خدمات ضيوف الرحمن    استقبل الفائز بالمركز الأول بمسابقة تلاوة القرآن بكازاخستان.. آل الشيخ: دعم القيادة لحفظة كتاب الله يحقق الإنجازات    سردية الوعي وبناء الذاكرة الوطنية    خطر بطاريات ألعاب الأطفال    نائب أمير مكة يترأس اجتماع محافظي المنطقة لمتابعة مشاريع التنمية وتحقيق مستهدفات رؤية 2030    ولي العهد يعزي رئيس وزراء اليابان في وفاة توميتشي موراياما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عشرون سنة عسيرة ومضطربة غداة 1989
نشر في الحياة يوم 11 - 11 - 2009

في أثناء التنقل والسفر في بلدان شرق أوروبا، في 1987 و1988، لم يكن ليلتقي المسافر بأحد يتوقع انهيار النظام الشيوعي. والانهيار الذي حصل في السنتين التاليتين لم يحمل معه دواعي الاستبشار والتفاؤل بالخير وحده. فالنزعة القومية الحادة ومشكلة الأقليات سرعان ما ذكّرتا العالم، وأوروبا أولاً، بتعقيد التاريخ الأوروبي ومشكلاته العصية. وعجب أصحاب النزعة الأوروبية الفيديرالية من بلدان شرق أوروبا ووسطها التي تريد شعوبها الانضمام الى أوروبا المتحدة، وخشوا وقوف البلدان هذه وشعوبها حاجزاً، وحجر عثرة، في وجه الفيديرالية الأوروبية. ونصحوا القادمين الجدد ببناء وحدتهم الخاصة.
ولا ريب في ان النصيحة خيبت آمال هؤلاء. فهم كانوا ينتظرون استقبالهم بالترحاب والشوق والتضامن، فإذا بالأوروبيين يدعونهم الى دراسة ال70 ألف صفحة التي تلخص المكاسب الأوروبية الاتحادية، وفهمها واستيعابها قبل دخولهم «البيت المشترك». والجمع بين شطري أوروبا لم ينتج بناء مثال مشترك جديد. فانتقلت البلدان الشيوعية السابقة من التطرف الإداري والمركزي الاقتصادي الى اشد اشكال الرأسمالية تفلتاً وبرية. ولم تسع في تركيب اشتراكي - ديموقراطي مبتكر ومجدد. وخلطت اجزاء منها الحنين الى الشيوعية بنزعات التسلط وتعاطي الأعمال على شاكلة المافيا.
وذهب بعضهم في موسكو، حين انهيار جدار برلين وغداة قمع السلطة الصينية تظاهرات تيان آن - مين، الى ان النموذج الصيني أقرب الى الجدوى من مزج غورباتشيف البيريسترويكا (الشفافية والعلنية) مع الإصلاح الاقتصادي في وقت واحد. ونصح هؤلاء الحكم برعاية النمو الرأسمالي والسيطرة على المجتمع بقبضة لا تلين. ولم تلق النصيحة أذناً صاغية. فالقادة السوفيات فقدوا ثقتهم بمشروعيتهم وجدارتهم بالحكم. وهذا لا يزال سراً ملغزاً ومهماً الى اليوم. والحق ان مجتمعات شرق أوروبا لم تؤدّ إلا دوراً ضعيفاً في قلب حكوماتها الشيوعية. ويبقى الصنيع البولندي، اي قيام البولنديين على نظامهم بواسطة نقابات «التضامن»، يتيماً. ويعود شرف الامتناع من استعمال القوة في برلين الشرقية، حين طلب هونيكير الى موسكو استعمالها، الى غورباتشيف. وانهارت الحكومات في آخر المطاف، جراء التقاء ضعفين: ضعف أنظمة مستنفدة وضعف مجتمعات ضعيفة التعبئة.
واضطلعت بتوحيد ألمانيا ثلاث دول: الولايات المتحدة وألمانيا وروسيا. ولم تضطلع فرنسا بدور يذكر في التوحيد. وهي قصرت تقصيراً واضحاً عن اقتراح سياسة ألمانية وفرنسية مشتركة بإزاء شرق أوروبا. وما عدا اصدار العملة الأوروبية الموحدة، اليورو، وهي قرينة على التزام ألمانيا بناء أوروبا، لم تقترح فرنسا سياسة تقوم بديلاً من النهج الذي سار عليه الأوروبيون وتخبطوا. وانتظر الأوروبيون الغربيون من «أوروبا الأخرى»، ومن المثقفين المتحدرين من معارضات الانشقاق، تجديداً للثقافة الديموقراطية ومقالاتها، من غير جواب يلبي الانتظار. واقتصر أمر سولجنتسن وهافل على التحذير من النزعة الاستهلاكية وسراب الدعاية وأشكال الرأسمالية الغربية. وانتهى الأمر بانتصار النزعات هذه على الشيوعية وقيودها.
وعلى صعيد العلاقات الدولية في العقدين الماضيين، تعاقبت 4 مراحل. فغلب اعتقاد «نظام دولي جديد»، يكرس دور الأمم المتحدة ويضمن السلام والازدهار، في مرحلة أولى. وبدت حرب الخليج معلماً على استتباب عهد الأمن الجماعي. وسرعان ما خيب انفجار النزاعات في البوسنة، ونشوب الإبادة في رواندا، الآمال. وانتقل العالم «من الحرب الباردة الى السلم الحار». وفي الطور هذا، قياساً على الحرب الباردة، صار انفجار النزاعات اشد مباغتة، وأقوى احتمالاً. وفي الأثناء انحسرت بعض نزاعات الحرب الباردة، مثل انغولا والموزامبيق. فخرجت بلدان كثيرة من جمود الحرب الباردة وحجرها على النزاعات الى الفوضى المسترسلة. وجدت حملات تدخل ملتبسة، على شاكلة يوغوسلافيا السابقة والصومال. وكان تصدع يوغوسلافيا اول نزاع بعد الحرب الباردة، وباعثاً على احتجاج اخلاقي عميق. ويومها، دعت الضحايا الأوروبيين الى التدخل، وبلدانها تقع بجوار الاتحاد الأوروبي.
وأبعد من مقاربة كوسوفو بالعراق، هل يسع الديموقراطيات الليبرالية المبادرة الى تدخل عسكري في مناطق نزاع من غير تعريض طبيعة أنظمتها الديموقراطية الى الامتحان؟ أو من غير احتساب زمن طويل تضطر في اثنائه الى التدخل؟ ففي ضوء افغانستان، اليوم، يبدو ان المصاعب الميدانية قد تؤدي، من طريق تحفظ الرأي العام في البلدان المتدخلة الى تعثر إرساء الأمن حيث يقتضي إرساؤه وقتاً قد يطول سنوات.
والمرحلة الثانية كان 11 ايلول (سبتمبر) الإيذان بها. فذهب الأميركيون الى النزاعات بين الدول الكبيرة ولت وانقضت، ولم يبق إلا نزاع واحد بين الدول كلها وبين الإرهاب ومن يساندونه. وفي المرحلة الثالثة، ظهرت للعالم علائم انحسار قوة أوروبا والولايات المتحدة بينما سطع نجمع البرازيل والهند والصين وروسيا، على رغم ان هذه تدين الى اسعار النفط وحدها بضمها الى مجموعة «بريك». وفي المرحلة الرابعة ارتدت المشكلات المتفرقة حلة شاملة وعالمية مشتركة: فنموذج الاستهلاك ليس في مستطاع العالم تحمل نتائجه، واضطراب المناخ لا يعف عن احد. وعلى رغم هذا، ليس في وسع الهيئات الدولية ولا حركات مناهضة العولمة التصدي لصوغ نموذج بديل يحتسب المتطلبات الطبيعية واقتساماً منصفاً للثروات.
وتتوارث المرحلة من المراحل مشكلات مرحلة التي سبقتها. فأوروبا، وعلى قدر أقل الولايات المتحدة، أخف اليوم قياساً على ثقلها السابق في الميزان الدولي. والمجتمع الدولي على عجزه عند حصول المجازر والإبادة. ونحن على يقين من ان اقتصادنا ونموذج نمونا يقوداننا الى التهلكة الجماعية. وعلينا ألا نغفل عن ان القرن العشرين يحتمل قراءتين: واحدة قطباها الشرق والغرب، وأخرى قطباها الشمال والجنوب. وتتصدر مسألة الكليانية (التوتاليتارية) القراءة الأولى، وتتصدر الأخرى الحروب الاستعمارية وحركات التحرر وقضايا التنمية. وتتوسط المسألة الوطنية القراءة هذه، وتطغى على مشاغل البلدان التي كافحت في سبيل استقلالها. وبعثت بعض قضايا الشمال - الجنوب غداة الحرب الباردة. وفي صدارتها قضايا الحدود وخلافاتها الموروثة من تخطيطها ورسمها القديمين، وظهور بلدان جديدة مع تصدع فيديراليات مصطنعة مثل الاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفاكيا ويوغوسلافيا.
وعلى هذا، صار السلم أقل استحالة من قبل، وصارت الحرب أرجح احتمالاً. ويصدق هذا في شأن الانتشار النووي. فإذا استعمل السلاح النووي يوماً ما قادماً، أرجح ألا يستعمل في إطار نزاع بين دول كبيرة بل في إطار نزاع إقليمي أو عن يد جماعة من المهووسين. والحق، اننا نجهل كلنا جهلاً مطبقاً كيف يسع الردع النووي العمل او الاشتغال إذا وقع هذا السلاح بين ايدي دعاة العمليات الانتحارية والمبادرين إليها. ولا ريب في ان معاهدة حظر الانتشار اصابها الضعف. فهي قايضت الامتناع من الحصول على القنبلة بتخلي حائزيها عن سلاحهم. والسلاح النووي لا يحول دون الحرب. فالاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة اضطرا الى الانسحاب من أفغانستان وفيتنام وترك استعمال السلاح النووي في حسم الحربين. ويمتنع التدخل العسكري على الأوروبيين، على ما حصل في جورجيا. فلم يتردد الروس في التدخل، ولم يردعهم جواز التدخل الغربي. وخسر الأوروبيون عموماً شطراً من ردعهم المستمد من احتمال تدخلهم، ومن تقدمهم التكنولوجي.
وربما بقي من 1989 ميثاق 2008 الصيني، على مثال ميثاق 1977. فقوة من لا قوة لهم، على قول هافل، لم تذهب أدراج الرياح، ومتظاهرو ايران رفعوا لواء حرية التعبير والانتخابات الحرة. وانتصار أهل الضعف لا يزال رهناً بضعف الأقوياء وخسارتهم ثقتهم في انفسهم، وقبولهم الخسارة.
* مدير أبحاث في العلاقات الدولية، عن «إسبري» الفرنسية، 10/2009، إعداد وضاح شرارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.