على رغم أن الشيخ ابن عثيمين لم ينص على ردّة كل مستعين بالكفار ضد المسلمين، أو أن كل جاسوس على المسلمين للكفار فهو مرتد، فإن مفتي «داعش» وبعض معرفاته على «يوتيوب» وشبكات التواصل الاجتماعية، ومواقع إلكترونية، يستندون إليه في إيجاب قتل الجاسوس، بالرجوع إلى كتابين تم تفريغهما عن دروس صوتية له، هما «الشرح الممتع» و«شرح رياض الصالحين». يقول ابن عثمين في «الشرح الممتع»: «الجاسوس وإن كان مسلماً يجب أن يقتل إذا تجسس للعدو». وفي «شرح رياض الصالحين»: «ولهذا يجب على ولي الأمر إذا أدرك جاسوساً يكتب إلى أعدائنا بأخبارنا أن يقتله ولو كان مسلماً، لأنه عاث في الأرض فساداً، فقتل الجاسوس ولو كان مسلماً على ولي الأمر لعظم فساده». ولعل السبب في الاعتماد الكلي على فتوى ابن عثيمين في وجوب قتل الجاسوس المسلم، وإن شهد ألا إله إلا الله هي أنه الوحيد المحفوظ أنه قال بها من بين المعاصرين، بيد أنه لا يوجد قائل بها من المتقدمين، وإنما القول يتردد بين الجواز وعدمه، مع توقف الإمام أحمد فيها. ومع ذلك فالقول بوجوب قتل الجاسوس المسلم (إن ثبتت جاسوسيته، مع عدم اتهامه بالردة)، ليس هو قوله الوحيد، إذ نص ابن عثيمين في كتاب فتاويه ومسائله على أن الراجح هو جواز قتل الجاسوس المسلم إذا كان في قتله مصلحة، ويجوز للحاكم المسلم عدم قتله إن رأى الإمام أن المصلحة لا تقتضي ذلك. ففي مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين ما نصه: «سئل فضيلة الشيخ رحمه الله: ما حكم قتل الجاسوس؟ وهل له توبة؟ وإذا تاب أيقتل أم لا؟ وإذا رأى الأمير المصلحة في عدم قتله، هل له أن يبقيه؟ فأجاب بقوله: الصحيح أنه يجوز قتل الجاسوس الذي ينقل أخبار المسلمين إلى أعدائهم، ولو كان مسلماً، لأن جريمته عظيمة، وفعله هذا موالاة للكفار في الغالب». وعن قبول توبته يجيب ابن عثيمين: «وأما توبته فإنه إذا تاب تاب الله عليه كغير الجاسوسية من الذنوب». مستطرداً: «فما من ذنب يعمله العبد ثم يتوب منه، إلا تاب الله عليه بدون استثناء، ثم إن كانت توبته قبل أن يقبض عليه فإنها تمنعه من القتل». ويضيف: «وإذا رأى الأمير المصلحة في عدم قتله فلا يقتله، لأن قَتْله من أجل القضاء على مفسدته، فإذا كان في قتله مفسدة أعظم من إبقائه فلا يقتله، فالمقصود: حصول المصالح ودرء المفاسد». وهذا القول لابن عثيمين وافقه عليه ابن قاسم النجدي في حاشيته على الروض، الشيخ صالح الفوزان في الملخص الفقهي. واتصلت «الحياة» بأحد تلاميذ الشيخ ابن عثيمين (فضل عدم التصريح باسمه) للسؤال عن المتأخر من مؤلفات ابن عثيمين، وهل هو «الشرح الممتع» أم كتاب «مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين»؟ وأيهما المعتمد عندما يكون له قولان في مسألة؟ فأجاب: «لا يظهر أن ثمة قاعدة في ترجيحات الشيخ، لكن كتاب «الممتع» يعد من آخر ما شرح الشيخ، إلا في آخره، فهو قديم، وكتاب «الفتاوى» فيه القديم والجديد، ولذا فالسؤال يطرح في كل مسألة ورد فيها قولان للشيخ أيهما أرجح عنده، وذلك يكون بسؤال تلاميذه».