عظماء التاريخ لا يلتزمون الصمت أو الحياد أمام المهام الأخلاقية الكبرى.. هكذا بكل اختصار يمكن وصف موقف خادم الحرمين الشريفين تجاه الأحداث المؤلمة في مصر، إذ حسم كبير الأمتين العربية والإسلامية في خطابه الأخير الجدل بكلمات وضعت الحقيقة في نصابها وقطعت الطريق على تجار الفتن والحروب وأتباعهم الذين امتهنوا المصاحف برفعها على فوهات البنادق الآلية لقتل المصريين لتأسيس إمارة إرهابية في قلب أم الدنيا على مرأى ومسمع من كل القوى العالمية. نجح أزلام التنظيم الإخواني لفترة قصيرة في تضليل بعض الحكومات الغربية عبر تصوير أنفسهم دعاةً للديموقراطية، واشتروا بمواقفهم المخزية المتاجرة بالتراب المصري دعم حكومات غربية أخرى، لكن سرعان ما احترقت كل أوراقهم بعد أن شعروا بخسارتهم السياسية في بلادهم فانطلقوا يمارسون أبشع أنواع الإرهاب من قتل للأبرياء، وحرق لدور العبادة وتدمير لمقدرات الوطن... هذا السلوك الإجرامي تستقبله للأسف براغماتية السياسي الغربي في إطار المصالح السياسية، حتى وإن اتخذت من الشعارات الحقوقية غطاءً لمواقفها الهشة التي لا تصمد بحال من الأحوال أمام ضغوط مضادة تهدد مصالحها. راعي البقر غرب الأطلنطي ليس مستعداً بأي حال من الأحوال أن يخسر دولارين في مقابل أن يربح دولاراً واحداً في موقف سياسي عابر. وخطاب الملك عبدالله التاريخي، بكل ما تحمله هذه المفردة من معنى الذي حذر الدول الغربية من التدخل في الشأن المصري، له تبعات اقتصادية لا يحتملها رجل المال الأميركي. الاقتصاديون في «وول ستريت» يعرفون جيداً أن هناك هلعاً ينتشر حالياً خلف كواليس أسواق المال الأميركية من احتمال خسارة الولاياتالمتحدة لعلاقاتها الاقتصادية مع دول النفط الكبرى جراء موقف أوباما من الشأن المصري، يأتي هذا فيما تلوح في أذهان الأميركيين صورة كساد الأربعينات المرعبة، وبالتالي فإن تغير موقف واشنطن وتخليها عن دعم التنظيم الإخواني أمر مفروغ منه ولن يتأخر كثيراً، والفضل في ذلك للموقف السعودي العظيم الذي سيتذكره المصريون طويلاً. في افتتاحية نشرتها «ذي صنداي تليغراف» منتصف الشهر الماضي أشار ريتشارد سبنسر إلى تعاظم القوة السعودية في المنطقة، مؤكداً أنها باتت الأكثر نفوذاً، إذ «في الإمكان استطلاع حضور المملكة في مصر وسورية على حد سواء»،. ورأت الصحيفة أن التبدل في الولاءات بعد الربيع العربي باتجاه زيادة نفوذ السعودية وشعبيتها فاجأ الديبلوماسيين والمحللين، لافتة إلى أن المملكة تحولت إلى أكثر دول المنطقة نفوذاً من خلال سياسات وعلاقات جرى بناؤها في صمت، وآتت أكلها. خلاصة القول إن رهان الإخوان وحلفائهم العرب على مواقف السياسة الغربية البراغماتية تجاه قضايا الشرق الأوسط بات رهاناً خاسراً ومجرد وهْم كبير بعد الموقف السعودي الذي أنهى اللعبة لصالح مصر وشعبها بخطاب ملك المهمات الأخلاقية الكبرى «عبدالله بن عبدالعزيز». [email protected] @Hani_Dh