كان الصحافي المصري مصطفى أمين (مؤسس «أخبار اليوم») يحرص منذ اعتقاله في تموز (يوليو) 1965 والحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التجسس لمصلحة الولاياتالمتحدة، على أن يبعث برسائل الى مسؤولين، من أبرزهم الرئيس جمال عبدالناصر، وشخصيات مصرية أخرى يشرح فيها وضعه ويدافع عن نفسه، وإن بعد صدور الحكم. لكن الرسائل التي تتضمن الآراء الحقيقية لمصطفى أمين هي تلك التي لم تخضع للرقابة، وكان يهربها من سجنه لترسل الى شقيقه التوأم علي المقيم في بيروت حيث كان يعمل في مؤسسة «دار الصياد» الصحافية التي يملكها سعيد فريحة صديق الشقيقين أمين. هذه الرسائل تنشرها «الحياة» للمرة الأولى، وهي تكشف مرارة معاناة السجن لدى مصطفى أمين واللوم الشديد الذي يوجهه لزملاء وأصدقاء تخلوا عنه، بل ارتضوا الظلم الذي لحق به، كما تتضمن تفسيره لطبيعة اتصاله بالأميركيين «من أجل مصر». هذه الرسائل ضرورية لتوضيح مرحلة من تاريخ الصحافة والسياسة في مصر التي سجلها محمد حسنين هيكل في كتابه «بين الصحافة والسياسة» مورداً ما يملك من معلومات أو ما يريد نشره من المعلومات. يكتب مصطفى أمين لشقيقه: «أؤمن أننا ضحية الذين يريدون أن يحتكروا لأنفسهم القمة، أولئك الذين تصوروا أن القمة لا تتسع إلا لفرد واحد، فألقوا من القمة من تصوروا أنهم ينافسونهم فيها. هؤلاء من مصلحتهم أن يبقى ضحاياهم في أقفاصهم. أن يخمدوا أنفاسهم. أن يكتموا أصواتهم. أن يقيدوهم في السلاسل والأغلال. هؤلاء عادة من الصغار أصحاب المقامات الصغيرة، الذين يتصورون أنهم لا يرتفعون بقاماتهم ولا يصبحون عمالقة، إلا إذا صعدوا فوق جثث أصدقائهم وأشلاء زملائهم». لا تقتصر الرسائل على معاناة كاتبها إنما تتناول شؤون القيادة المصرية، فيشير مصطفى أمين إلى سياسات أنور السادات وإلى هزيمة 5 حزيران (يونيو) في عهد جمال عبدالناصر وشؤون أساسية أخرى في السياسة المصرية وعلاقات القاهرة مع العالم العربي.