ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس الحكومة المؤقتة في بنغلاديش    تشكيل النصر المتوقع أمام الاتحاد    موقف برونو فيرنانديز بشأن رغبة الهلال في ضمه    بحضور وزير الرياضة .. جدة تحتفي بالأهلي بطل كأس النخبة الآسيوية 2025    125.7 ألف زائر يسدلون الستار على 12 يوماً من المتعة والمعرفة ل"الشارقة القرائي للطفل" 2025    أمير حائل يدشّن برنامج الأمير عبدالعزيز بن سعد لبناء وترميم المساجد والعناية بها    وزير الشؤون الإسلامية يبدأ زيارة رسمية للمغرب    فهد بن سلطان يدشن مرحلة التشغيل الفعلي لمشروع النقل العام بالحافلات بمدينة تبوك    منح البلديات صلاحية بيع الوحدات السكنية لغير مستفيدي الدعم السكني    سماع دوي انفجارات بمدينة بورتسودان السودانية    مركز تأهيل إناث الدمام يعقد ورشة عمل في مهارات العرض والإلقاء    الذكاء الاصطناعي: رافعة لتحقيق الاستدامة.. وتحديات تفرضها الثورة الرقمية    نائب أمير المنطقة الشرقية يترأس اجتماع محافظي المحافظات    أمير حائل يرعى حفل التخرج الموحد للمنشآت التدريبية للبنين والبنات بحائل        المدينة تحتضن الحجاج بخدمات متكاملة وأجواء روحانية    مذكرة تفاهم بين الجمعية السعودية لأمراض وجراحة الجلد وشركة آبفي وشركة النهدي الطبية    "سعود الطبية " تنظّم أول مؤتمر وطني لجراحة مجرى التنفس لدى الأطفال    الداخلية: غرامة 100 ألف ريال لنقل حاملي تأشيرة الزيارة إلى مكة ومصادرة وسيلة النقل المستخدمة    أمير منطقة الجوف يستقبل محافظ صوير    أجنبيًا لخلافة المفرج في الهلال    باكستان: نواجه نقصا في المياه بنسبة 21% خلال بداية الخريف    فريق طبي في مستشفى عفيف العام ينجح في إجراء تدخل جراحي دقيق    البرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري يُنفّذ (2,077) زيارة تفتيشية    حرس الحدود بقطاع الوجه ينقذ مواطنًا من الغرق    حوار المدن العربية الأوروبية في الرياص    رياح نشطة في معظم مناطق المملكة وزخات من البرد في الجنوب    أزمة السكن وحلولها المقترحة    رشيد حميد راعي هلا وألفين تحية    جمعية الوقاية من الجريمة «أمان»    بنسبة نضج عالية بلغت (96 %) في التقييم.. للعام الثالث.. السعودية الأولى بالخدمات الرقمية في المنطقة    في إياب دور الأربعة لدوري أبطال أوروبا.. بطاقة النهائي بين إنتر وبرشلونة    المملكة تختتم مشاركتها في معرض أبوظبي الدولي للكتاب 2025    في أمسية فنية بجامعة الملك سعود.. كورال طويق للموسيقى العربية يستلهم الموروث الغنائي    توقيع مذكرة تفاهم لتعزيز إبداعات الفنون التقليدية    دعوة لدمج سلامة المرضى في" التعليم الصحي" بالسعودية    هاري كين يفوز بأول لقب في مسيرته    بعد تتويجه بكأس أبطال آسيا للنخبة .. وزير الرياضة يستقبل فريق الأهلي    "مايكروسوفت" تعلن رسمياً نهاية عهد "سكايب"    السديس: زيارة وزير الداخلية للمسجد النبوي تعكس عناية القيادة بالحرمين وراحة الزوار    الإدارة الذاتية: رمز وطني جامع.. سوريا.. انتهاء العمليات القتالية في محيط سد تشرين    دعت إسرائيل لاحترام سيادة لبنان.. 3 دول أوربية تطالب باتفاق جديد مع إيران    "المالية" معلنة نتائج الميزانية للربع الأول: 263.6 مليار ريال إيرادات و322 ملياراً مصروفات    الصحة النفسية في العمل    حكاية أطفال الأنابيب «3»    وزير الدفاع يلتقي رئيس مجلس الوزراء اليمني    أخضر الناشئات يختتم معسكر الدمام    القبض على (31) لتهريبهم (792) كيلوجرامًا من "القات"    جامعة الملك سعود تستضيف مؤتمر "مسير" لتعزيز البحث العلمي والشراكات الأكاديمية    12024 امرأة يعملن بالمدن الصناعية السعودية    النزاعات والرسوم الجمركية وأسعار النفط تؤثر على توقعات اقتصاد دول الخليج    ممنوع اصطحاب الأطفال    الهند وباكستان تصعيد جديد بعد هجوم كشمير    السيطرة والبقاء في غزة: أحدث خطط الاحتلال لفرض الهيمنة وترحيل الفلسطينيين    أمير منطقة تبوك يرعى حفل تخريج طلاب وطالبات جامعة فهد بن سلطان    من جيزان إلى الهند.. كيف صاغ البحر هوية أبناء جيزان وفرسان؟    سعد البريك    أمير جازان يستقبل مدير عام فرع وزارة العدل بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فخّ الثورات ودرسها
نشر في الحياة يوم 07 - 07 - 2013

هناك قراءتان للحدث المصري الأخير، الأولى مرتبطة بسياق الثورات العربية وفكرها، والثانية بالوضع المصري وسياسته. فبغضّ النظر عن النتائج السياسية المباشرة التي أدّت إليها «مليونيات» مصر الأخيرة وطبيعة المسار السياسي - العسكري الذي سيليها، هناك نتيجة واحدة يبدو أن لا تراجع عنها، وهي أنّ استعادة الثورة المصرية ميادينها قضت على مقولة «حتمية» الإسلام السياسي في المنطقة. هذه المقولة التي تشارَك داعمو التيار الإسلامي ومعارضوه في إنشائها وتثبيتها، اعتبرت أن الإسلام السياسي «حقيقة» تلك المنطقة وتمثيلها السياسي الوحيد. غير أنّ «30 يونيو» أسقط تلك المقولة، وحوّل محمد مرسي من كونه نتيجة حتمية لهذا الاحتكار إلى مجرّد «رئيس ال52 في المئة»، وهذا في أفضل الأحوال.
جاء سقوط مرسي بفعل تظاهرات شعبية، التحق بها سريعاً الجيش المصري، وتمّ من خلال «تطبيعه»، أي سحب هواجس الخيار الإسلامي والهالة التي نُسِجت حوله. فقد شكّل صعود الإسلاميين بعد الثورات مادة دسمة لبناء مقولات حول العالم العربي، تحوّلت سريعاً إلى نوع من الهستيريا الجماعية تداخل فيه خوف العلمانيين مع رعب الأقليات وجنون الممانعين، لتصبح حقيقة المنطقة ملخّصة في الإسلام السياسي. وكان لهذه الرواية تاريخ طويل، يعود إلى ما قبل الثورات العربية، رأى في خيار الإسلام السياسي وعداً لم يطبق لحل مسألة الشرعية السياسية في المنطقة. أمّا من منظار ما بعد «30 يونيو»، فيبدو أنّ هذا الخوف وأسطورته يشرفان على نهايتهما، مع صعود نقد عميق وشعبي وشرعي وغير مسبوق لحكم الإسلاميين.
لكن ما سقط أيضاً مع انتهاء صلاحية مقولة «الإسلام السياسي» هو كل المحاولات التي بُذِلت منذ انطلاق الثورات لتلخيصها في مقولة نمطية، «حتمية إسلامية» كانت أو «حتمية ليبرالية» كما أشار وسام سعادة في صحيفة «المستقبل» (3 - 7 - 2013). فسقوط «الحتمية الإسلامية» جاء بعد سقوط المقولة الممانعة في أوائل الثورات، بخاصة بعد وصولها إلى سورية، و «المقولة الليبرالية» رافقت انطلاق الثورات لتسقط مع أول انتخابات ديموقراطية. ومن المتوقّع أن تسقط أية محاولة جديدة قد تُحاك اليوم حول الحراك المصري، من مقولة المواجهة بين العلمنة والإسلام إلى رواية الثورة والثورة المضادة.
نقول «قد» و «ربمّا» و «بصرف النظر عن»، لأنّ لسقوط مقولة حتمية الإسلام السياسي، وما حملته من هواجس وانتظارات، دلالة على استحالة تلخيص الحراك السياسي الذي بدأ قبل سنتين بتفسير جاهز. فالطابع الموقت للتقويمات يعود إلى ميزة أساسية للثورات العربية، حاول كثرٌ إغفالها إمّا من باب التمسّك بنظريات أو مقولات بائتة أو من باب الخوف والملل، وهي أنّها «حدث»، له تاريخ يحدّده ويحوط به، لكنّه مفتوح الأفق. فهي، بهذا المعنى، ليست مجرّد استكمال لسيرورات حاضرة، بل نهاية لمرحلة. وطابعها كنهاية جعلها محرقة للخطابات التي حاولت منذ انطلاقتها أنّ تلخّصها بنتيجة ما، أو تدخلها في اصطفاف قائم، أو تجعلها تأكيداً لروايات سياسية قائمة. هذا هو فخ الثورات، وقد سقطنا جميعاً فيه.
هذا على صعيد الثورات العربية، فالخط الذي يصل المليونيات الشعبية بتطبيع الإسلام السياسي وينتهي بالقضاء على الحتميات، إنجاز تاريخي قدّمه شباب مصر للعالم العربي بأكمله. ويُرجّح أن تكون لهذا الإنجاز ارتدادات عربية، خصوصاً مع تصاعد الانتقاد لحكم «النهضة» في تونس وبداية تبلور نقد داخل الثورة السورية لانتهاكات بعض الفصائل الإسلامية، ما قد يحررها من هاجس الإسلام السياسي. قد تكون الثورات العربية خرجت من الجوامع ولكن يبدو أنّها لن ترجع إليها حتماً.
لكن هناك قراءة ثانية يمكن استنتاجها من هذا الحدث. فإذا سقط الإسلام السياسي على يد الجماهير، سقطت جماعة «الإخوان المسلمين» على يد الجيش وانقلابه الذي من غير الواضح هل سيكون موقتاً. قد يكون إغلاق بعض وسائل الإعلام جزءاً من «ميثاق الشرف الإعلامي» الذي وعد به الفريق السيسي، واعتقال بعض قيادات «الإخوان» تمهيداً لإشراكهم في «اللجنة العليا للمصالحة الوطنية»، غير أنّ هناك ارتياباً بأنّ يكون ذلك مدخلاً لإعادة التجربة الجزائرية السوداء. فالجيش التحق بمطالب الشعب، وهناك حدود لقدرته على السيطرة السياسية، لكنّه ما زال خطراً أساسياً على السيرورة الديموقراطية في منطقة عانت منذ نصف قرن سيطرة الجيوش، لا سيطرة الإسلاميين.
كما أنّ سقوط حتمية الإسلام السياسي لا يعني خروج «الإخوان المسلمين» من السياسة في مصر. فهم ما زالوا يمثّلون شريحة واسعة من الشعب المصري، وربّما اللاعب الأساسي في أية انتخابات مقبلة. فكان مرسي «أول رئيس مدني ومنتخب» وكسب حزبه ثلاث انتخابات خلال أقلّ من سنتين. هذا لا يعني أن لا حق للشعب في إطاحته، لكن المقصود مجرّد تنبيه إلى أنّ مرسي ليس مبارك جديداً، وأن أُسس دعمه محصورة في جهاز دولة أو بعض مرتزقة وبلطجية. لقد فشل «الإخوان» وفقدوا هالتهم وانتهت حتميتهم، لكنهم ما زالوا قوى سياسية أساسية.
غير أنّ الخط الذي يصل العسكر بالانقلاب على «الإخوان» وينتهي بانقلاب ليس حتمياً. فإذا كان هناك درس من «30 يونيو» فهو أنّ الثورات العربية لن تلخص بتفسير أو نظرية إلا عند انتهائها كحدث وإعادة انضوائها في التاريخ. سقوط الإسلام السياسي بات حتمياً، أما الانقلاب فما زال خطراً، وليس قدراً. وإحدى طرق مواجهته في عدم أبلسة «الإخوان» وإعادتهم إلى مرتبة الهاجس بعد أنّ تمّ تطبيعهم.
قد لا تكون الثورات العربية استقرّت بعد على نظام سياسي يرضي من بدأ يعاني من ملل ثوري، أو أنتجت نظرية كاملة متكاملة تشفي غليل من يحاسبها بتجرّد وتسرّع. غير أنّها من خلال سلبيتها وإيقاعها المتقلّب باتت تفرض نمطاً للكتابة عنها، عليه قدر الإمكان احترام طبيعتها كحدث. وهذا الأسلوب هو نمط من الكتابة الهشة أو التجريبية التي تدرك أنّها مهما حاولت الإمساك بالواقع، ستبقى متأخرة عنه وجزئية وموقتة ومنحازة. هشاشة الكتابة، بهذا المعنى، احترام للواقع، وقد يكون درس الثورات العربية، وإنجاز «30 يونيو»، ضخّا بعض التواضع في الكتابة، ريثما يعود التاريخ.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.