ربما يصعب على الجيل «المخضرم» من الصحافيين، نسيان فترة أرشيف الورق. لا يكفي القول إنه يذكّرهم بشبابهم، وليس لأنهم ما زالوا يعملون في صحف تطبع ورقياً (غالباً مع نُسخ إلكترونية على الإنترنت)، بل لأنها تذكّر بتاريخ الصحافة وتطوّرها أيضاً. يخطر في البال الحديث عن تقنيات الأرشيف الورقي، وأولها غرفته نفسها، وتلك الراوئح المتمازجة التي تدلّ كل منها على «تقنية» معيّنة. لعل أول تلك الروائح (إذا استثنينا دخان السجائر)، رائحة الصمغ الذي يستعمل في إلصاق المواد المقتطعة من الجرائد والمجلّات على ورق أبيض أو سكري اللون، لأن النوع الأخير أرخص. ولعل أقوى تلك الروائح هي المتعلّقة بالورق وأنواعه المختلفة. إضافة إلى الورق الذي تلصق به المقصوصات، هناك الملفات السميكة التي توضّب فيها مواد الأرشيف، وفق نوعها وتاريخها أيضاً. كانت تقنيّات التصنيف والتبويب أهم ما يتطلّبه العمل في الأرشيف. هناك أيضاً تقنيات القص التي تشمل المقص أو المشرط، مع مسطرة حديد غالباً. البشر أكثر سهولة في السياق عينه، جرت العادة أن تؤخذ الجريدة في نسختين للحصول على المواد التي تنشر على وجهي الصفحة المطبوعة، ثم تقصّ. وغالباً، لم تكن الجرائد تتبع نسقاً معيّناً في المواد التي يجب أن تؤرشف، لكنها جميعها تحتفظ بنسخة (أو أكثر)، من الأعداد التي تصدرها كاملة. وبدهي القول إن جهد اليد البشريّة هو «التقنية» التي كانت تربط تقنيات الأرشيف الورقي كلها، بمعنى أن الأخيرة تستند إلى مزايا الوسيط الورقي بصورة أساسيّة. بقول آخر، لم يكن أرشيف الورق في حاجة إلى استعمال أجهزة، ولا إلى برامج وتدريب وغيرها. ولربما يبدو القول مستغرباً، لكن الوصول إلى المواد في الأرشيف الورقي كان أكثر سهولة مما تسير عليه الأمور في نظيره الإلكتروني! يرجع ذلك إلى تمرّس العاملين في الأرشيف بمنهجيّة (بالأحرى شيفرة) توضيب المواد وتوزيعها. من المستطاع الاستطراد قليلاً للقول إن البحث بالطرق الإلكترونيّة يعاني من محدّدات كثيرة، على غرار محدوديّة مؤشّرات ال «بولين» Boolean Indicators المستخدمة في الوصول إلى المادة المطلوبة. ينطبق ذلك الأمر حتى على مسألة الحصول على المواد وفق اسم المؤلّف، بحكم وجود أرشيف خاص بذلك الأمر. في السياق عينه، هناك عنصر التعامل الإنساني والتآزر الذي كان يأتي من العمل كفريق متكامل في الأرشيف الورقي. يعرف معظم الصحافيين أن العلاقات التي تُنسج مع العاملين في الأرشيف هي من ضرورات العمل. والأرجح أن مسألة العلاقات الإنسانيّة بين العاملين ليست إنشاء ولا مجرد نوستالجيا. لنتذكر أيضاً أن الدول المتقدّمة لديها بحوث واسعة عن تلك الأمور، لأنها تتصل بنوعية العمل ومستوى إنتاجيته أيضاً.