الإنسانية مؤشر حقيقي على نقاء الضمير، ومتى ما تراجعت وغابت فعليك أن تخاف على مستقبلك، وضع يدك على قلبك، لأن ذلك لا يبشر بخير. الإنسانية في المقابل ليست حكراً على الرجال، بل قد تسبق إليها النساء بنبل وعلو وبنموذجية تتحدى كل الشكوك وتقهر المخذولين والمتربصين. أتناول بعض الأخبار المحلية بالضحك أحياناً، وبالحزن أحياناً أخرى وبالفخر والاعتزاز في قليل منها، نادراً ما أضحك وأحزن بمعية خبر واحد، ولكن ذلك حدث صباح أمس، ولن أخذلكم من استعراض خبر آخر قريب يتجاوز القيود الاجتماعية لكنه «يرفع الرأس». الخبر الأول يتحدث عن مقيم يوقف سيارته وينزل منها ويسقط على الأرض صريعاً، فيظل في موقع الحادثة جثة هامدة لأكثر من خمس ساعات، حزين لهذه التفاصيل، وحزين لبقاء جثته هذه الساعات الطويلة من دون أن يتفضل جهاز رسمي بنقلها، حزين لأن سيارة الإسعاف التابعة لهيئة الهلال الأحمر السعودي رفضت نقل المقيم المتوفى من المكان، لأنه يعتبر ذلك مسؤولية أمانة منطقة الرياض، وحزين لأن حادثة كهذه عجزنا عن الترتيب لها، وتغليب الجانب الإنساني في مواجهتها، وركنِ ما بين الأجهزة من فوضى واتكالية مخجلة، إذ كان من «العقل» أن تذوب على الأقل في حضرة الموت. حزين لأن أعضاء سفارة المقيم حضروا في موقع الحادثة، وشاهدوا كيف نكون مضحكين في الخصام، ومضحكين في التعامل مع الأحداث، وتأملوا نوم الجانب الإنساني في لحظات أشد ما نحتاجه فيها، أن يكون يقظاً ولو من أجل أعين المقيمين ومن تعنيهم اللحظة. ضحكت لأن حادثة كهذه يتنصل منها المعنيون تحت عذر بليد لا يمكن استيعابه ولا بلعه، فللموت حرمة تغلق وتلغي توزيع المسؤولية، وتقدم الشهامة والإنسانية والتضحية. ضحكت لأن لجاناً مشكّلة من أمانات المناطق والجهات الأمنية المعنية لا تزال تبحث عن صيغة نهائية تخوّل للهلال الأحمر السعودي أن يباشر مثل هذه الحوادث، وهذه اللجان لم تصل لنتيجة كحال لجاننا المنبثقة من لجان، والمبتدئة بلجان والمنتهية إلى «لاشيء». الخبر المقابل يتحدث عن ممرضة سعودية اسمها «سلوى جمعة الخيبري» لفت نظرها وهي على طريق المدينة – خيبر تجمهر المارة «المعتاد» على مصاب في حادثة مرورية، فتوقفت واخترقت الحضور وباشرت إنقاذ المصاب بثقة عالية، وقدّمت الإنسانية على كل شيء لتنقذ نفساً بشرية، فكانت برأيي - ولوحدها - لجنة تنفيذية مشرفة، وفريق عمل متكامل! ممرضتنا السعودية تستحق التكريم، وأعانها الله على من يحب أن يغمز أي حضور أنثوي ويشكك فيه، بسبب الأمراض الذكورية المتوارثة والمختبئة تجاهها. ممرضة تضرب بالقيود عرض الحائط، وتمنح الرجال درساً جميلاً في سرعة ودقة التعامل مع الحدث، سأشكرها باسم الرجال، وأؤكد أن موقفها بطولي وشجاع، لكني اسأل «الجهات الرجالية» المعنية: في ما لو حصلت حادثة وفاة جديدة بذات الطريقة التي رحل بها المقيم، لماذا لا تنسحب من المسؤولية وتكلف المواطن الموجود التبرع بنقلها؟ أو تهاتف الممرضة السعودية «سلمى» لتمنح هذه الجهات قليلاً من الإنسانية والعقل والخبرة؟ [email protected] alialqassmi@