2.9 مليون اتصال للعمليات الأمنية    زلزال جديد يضرب شرق أفغانستان بعد مقتل أكثر من 1400 شخص    تصعيد عسكري في غزة يقابله تحرك دبلوماسي نحو الاعتراف بفلسطين    إدارة ترمب تُصغي لمبررات موسكو بشأن حرب أوكرانيا    سيطرة سعودية في انطلاقة مهرجان ولي العهد للهجن 2025 بالطائف    تفاعلا مع حملة ولي العهد... مستشفى الإمام عبدالرحمن الفيصل ينظم حملة للتبرع بالدم في «تطبيقية الرياض»    فحص إلكتروني للياقة الطلاب والنتائج على نور وصحتي    الأخضر يواصل تدريباته لمواجهة مقدونيا استعداداً لتصفيات كأس العالم    نائب أمير تبوك يستقبل مدير فرع وزارة الرياضة بالمنطقة    القبض على (8) مخالفين في عسير لتهريبهم (154) كجم "قات"    نبض العطاء تزرع الفرح في جليل بتوزيع سلال غذائية للأسر المحتاجة    الأمير سعود بن نهار يستقبل مدير جوازات المحافظة والمطار    الأمير سعود بن نهار يستقبل مواطن تبرع وزوجته باعضائهم    الإحصاء": 95% من العاملين لديهم تغطية للحصول على خدمات الرعاية الصحية الأساسية    الموافقة على قواعد تحديد درجات إركاب الموظفين الحكوميين    ولي العهد يرعى مؤتمر الاستثمار الثقافي 2025 نهاية سبتمبر    اعتماد دولي يعزز ثقة المسافرين ب18 مطارا سعوديا    "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" تُسجّل نجاحاً لافتاً عبر القافلة الجراحية الأولى في إثيوبيا    سر فشل انتقال لابورت إلى النصر    وزير الموارد البشرية: مساهمات المسؤولية الاجتماعية تتجاوز 4 مليارات ريال    إديرسون ينتقل إلى فناربخشة بعد مسيرة حافلة مع مانشستر سيتي    الكشف عن الكرة الرسمية للموسم الجديد من دوري يلو    أمير منطقة جازان يرعى تنفيذ لقاء الحرفيين والحرفيات بمناسبة عام الحرف اليدوية    المملكة تعزي السودان في ضحايا الانزلاق الأرضي بجبل مرة    التجارة تتيح إصدار تراخيص تخفيضات اليوم الوطني 95    نائب أمير الرياض يستقبل سفير أستراليا المُعيَّن حديثًا لدى المملكة    أمير القصيم يستقبل نائب وزير الموارد البشرية وسفير جمهورية النيبال    روحانية العمرة وخدمات مكة المكرمة    فهد بن سعد يستقبل مدير جوازات القصيم    مستشار وزير البلديات والإسكان يزور مركز عمليات التشوه البصري بأمانة الشرقية    أمير المدينة يرعى الحفل الختامي لبرنامج حفظ ومراجعة القرآن الكريم    سماء المملكة على موعد مع خسوف كلي للقمر يوم 7 سبتمبر    المؤتمر الدولي للسكري والسمنة يستعرض العلاجات الحديثة بالذكاء الاصطناعي    وزير الشؤون الإسلامية يوجه بتخصيص خطبة الجمعة القادمة عن «حقوق كبار السن»    الأهلي يتفق مع نيس من أجل ضم دومبويا    "فن المملكة".. إشراقات سعودية تسطع في بكين    الدولار يصعد وسط تحليق الذهب    شاعر الراية يعود في موسمه الرابع.. ليالٍ من الشعر والجمال عبر شاشة السعودية    استشهاد 10 فلسطينيين في قصف على غزة    غوتيريش يدين اعتقالات الموظفين الأمميين.. ومليشيا الحوثي: 11 وزيراً قتلوا في الغارة الإسرائيلية على صنعاء    الفتور النفسي    "أسد".. في دور العرض يونيو 2026    نزاهة تحقق مع 416 موظفاً حكومياً وتوقف 138 بتهم فساد    عراقجي يدعو إلى الحلول الدبلوماسية.. إيران تحذر من عواقب سياسية لإعادة العقوبات    أَنا خيرٌ منه    مع استمرار الخلافات الداخلية والحزبية.. لبنان يواجه تحديات تطبيق قرار حصر السلاح    «الحياة الفطرية»: الصيد في السعودية تحكمه القوانين    1.5 مليار ريال إجمالي الاسترداد.. إعادة 10 رسوم للمنشآت الناشئة    انطلاق مهرجان الرمان بسراة عبيدة بنسخته الخامسة    «الوزاري الخليجي» يستعرض مسيرة العمل المشترك    ولي العهد يستعرض مع الشيخ التطورات في فلسطين    المملكة تشارك في معرض موسكو الدولي للكتاب 2025    الهلال يوقع رسميًا مع المدافع التركي يوسف أكتشيشيك    93.7 مليار ريال قيمة مدفوعات سداد خلال يوليو 2025    غسل البيض يحمي من السالمونيلا    دواء للتصلب اللويحي يشافي العظام    «الشؤون الإسلامية» تواصل برامجها التوعوية للمعتمرين    غلاء المهور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«علاجات بديلة» في اليمن يدّعيها محتالون ... وقد تقتل مرضى
نشر في الحياة يوم 09 - 12 - 2012

شُفيت آمنة من آثار ضرب مبرح تعرضت له قبل ثلاث سنوات عندما لجأت إلى ما يسمى «معالجاً بديلاً». لكنها اليوم طريحة الفراش، تزداد نحولاً، فيما تزداد والدتها يقيناً بأنها «مصابة بمسّ». فمنذ اعتلالها، وعائلتها مقتنعة بعدو مفترض ربما ينتقم منهم ومنها، من دون التفكير في مرض عضوي أو نفسي... «هو الشيخ الذي رفضنا تزويجها له، لا بدّ أنه سحرها»، تقول والدة آمنة بحسرة، فابنتها التي لم تتجاوز الثانية والعشرين تنقلت من «معالج» إلى آخر، ولم تشفَ بعد. ذاقت الأمرّين، ولا تزال.
«الشيخ» الذي تتحدث عنه الأم كان أول معالجي آمنة. أخبر والديها أن «شرّاً» تلبّسها، وأنه يجب أن يضربها بعصا في كل جلسة «علاج»، لطرد تلك «الأرواح»، فيما الشابة تتلوى ألماً وترتجف خوفاً، وحيدة في غرفة مغلق بابها عليها مع معالجها. لكن «الشرّ» المزعوم لم يغادرها، وراحت حالتها تسوء، وآثار الضرب تغزو كل شبر من جسدها. فرأى «الشيخ» أخيراً أن الحل يكمن في تزويجه إياها. عندئذ فقط تأكد والدا آمنة من النية السيئة لمُعالجها، فتوقفت العائلة عن زيارة «عيادته».
«علاج مميت»
كثيرون في اليمن يلجأون إلى هذا النوع من «المعالجين» الدجّالين، ومعهم المشعوذون، في الخفاء والعلن، لتصحيح ما آلت إليه حياتهم، وللاستشفاء من عللهم، خصوصاً تلك التي يطول أمدها في أجسادهم أو التي يبدو لهم الطب عاجزاً عن شفائها.
ويُعرف بعض هؤلاء «المعالجين» بأسمائهم وشهرتهم التاريخية، كالمدعو «العوبلي». غير أن بعضهم يستتر بالدِّين، ويدّعي «العلاج الطاهر» لنيل مكاسب معينة، بالكذب والدّجَل، حتى يُكتشف تدليسهم ويُقبض عليهم بتهمة النصب والاحتيال. وعلى رغم إدراك الناس أن هناك مخادعين، فإنهم يشعرون بأن لا خيارات أمامهم، فيطرقون كل الأبواب ليتم لهم الشفاء، كَبُرت علاّتهم أو صغرت. وقد ينتهي الأمر ببعض هؤلاء في المحاكم، واللافت أن المتخاصمين كثيراً ما تربطهم صلة قرابة! وقد يعجز القضاة عن التعامل مع هذه القضايا، بسبب القصور القانوني في التعامل مع «قضايا الشعوذة» إذ لا أسماء قانونية لها، ما يضطر القاضي لمصالحة الخصوم على الطريقة القبلية.
ويحدث أن يُقدّم «مشعوذون» إلى القضاء بعد أن يشتكي أهل قرية معينة من أضرار حلّت بهم وبأبنائهم وذويهم، غير أن هؤلاء يمثلون أمام القضاء بتهمة النصب والاحتيال، خصوصاً إن أخذوا من الناس أموالاً مقابل الزعم بإصلاح حالهم، الأمر الذي لا يتحقق طبعاً. وكثيراً ما تعتقل الشرطة أشخاصاً يدّعون القدرة على شفاء الناس، فيتسببون بزيادة حالاتهم سوءاً، لا سيما على المستوى النفسي، إذ يفقد البعض سويّته العقلية، أو يبلغ الأمر بمن لجأ إلى هذا النوع من «العلاج البديل» إلى الموت أثناء ضربه على يد «المعالِج» الذي يدّعي أن ذلك سيشفيه مما هو فيه.
وتنص المادة 310 من قانون العقوبات اليمني على أن «يعاقب بالحبس، مدة لا تزيد على ثلاث سنوات، أو بالغرامة، من توصل بغير حق إلى الحصول على فائدة مادية لنفسه أو لغيره، بطرق احتيالية (نصب) أو إن اتخذ اسماً كاذباً أو صفه غير صحيحة».
لم تُقم أسرة آمنة دعوى على «الشيخ» بعدما تدهور الوضع الصحي والنفسي للشابة التي لم يستطع الأطباء في قريتها النائية تشخيص حالتها، بل وصفوا لها أدوية أثّرت في صحتها سلباً. وما زال الأهل مقتنعين بأن «المُعالِج» صاحب العصا نحسها، بعد رفضهم تزويجه منها. وكل ما فعلته العائلة هو انها انتقلت إلى العاصمة صنعاء، ولم تتوقف والدتها عن زيارد «معالجين بديلين»، بالأعشاب وغيرها، والذين تنتشر «عياداتهم» في العاصمة. لكن شيئاً لم ينفع آمنة، على رغم الكلفة التي يتكبّدها والداها المقتنعان بأن «دواء» ابنتهما ليس عند الأطباء لأنها «مسحورة». واستنزف «العلاج البديل» العائلة الفقيرة أصلاً، ما اضطرها لبيع قطعة أرض صغيرة في قريتها النائية.
«آمنة» ليست حالة نادرة في اليمن. فكل من يتعرض لخسارة مالية أو وظيفية، أو تطول آلام جسده، أو تتعرض سيارته لحوادث مستمرة، أو لا تخمد الخلافات بينه وبين زوجته أو في أسرته الممتدة، غالباً ما يلجأ إلى خدمات هؤلاء المحتالين الذين يعتبرهم كثيرون أصحاب قدرات خارقة. وغالباً ما تكون غالبية زوار تلك «العيادات البديلة» من المصابين بحالات نفسية، فيعتقدون أو يعتقد أهلهم أن بهم «مسّاً» أو أن «عيناً حاسدة» أصابتهم، في حين تكون أسباب الاكتئاب والتوتر واضحة في حياتهم المهنية او الأسرية، ليصبح الذهاب إلى من يتعارف على تسميتهم «الشيوخ» و «المعالجين بالأعشاب» ظاهرة عابرة للطبقات الاجتماعية والمستويات التعليمية. يذكر أن اليمنيين يتكتمون على أسماء أمهاتهم وأخواتهم خوفاً من «الشرّ» وأصحابه.
آمنة ما زالت تتعذب
غير أن النساء هن الأكثر لجوءاً إلى هؤلاء «الشيوخ». وتفيد دراسة أعدها «ملتقى المرأة للدراسات والتدريب» (نُشرت عام 2010)، بأن عدد النساء اليمنيات اللواتي يقصدن هؤلاء سنوياً بلغ نحو 56 ألف امرأة، ينفقن نحو 140 مليون ريال يمني (نحو 651 ألف دولار) على وصفات وعلاجات وتمائم من مشعوذين. في المقابل، فإن العاملين في «العلاجات البديلة» هم رجال، ويندر أن تعمل نساء ك «شيخات» أو طبيبات أعشاب. ويُرجع أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء عبده علي عثمان، استمرار لجوء الناس إلى هذه الطرق للشفاء أو الانتقام من عدو، إلى انتشار الأمية والفقر، «فالوعي الزائف والاعتقاد بالخزعبلات يدفعان كثيرين إلى هذه الوسائل لحلّ المشاكل الصحية أو النفسية أو حتى الاجتماعية».
نذكر أخيراً أن آمنة ما زالت في دوامتها، وكل من يعرف بحالتها لا يتوانى عن تقديم «النصيحة». وما زالت الجارات والقريبات يقترحن على والدتها زيارة هذا «المُعالج» أو ذاك، ممّن «ثبتت بالتجربة» قدرته على شفاء حالات مماثلة، فتقصده الأم التي تتعلّق ببارقة أمل جديدة في شفاء ابنتها الشابة التي تذوي أمام عينيها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.