عند الرابعة والنصف فجر امس، كانت السماء مستمرة في إرسال أمطارها، بعد ثلاثة أيام تقريباً من السيل المتواصل. وفي السادسة لم يتبدل المشهد. ثم توقف الهطول قليلاً، وعادت الغيوم لتلمع وتبرق، وإن بصورة طفيفة نسبياً. قال الجميع: حرام أيتها السماء، تصرّفي برأفة، كما يوم ذكرى استقلال لبنان الذي مرّت احتفالاته في أجواء من الصحو... ففي النهاية، سباق السباحة السنوي جزء لا يتجزأ من احتفالات 22 تشرين الثاني (نوفمبر) المكرّس لجلاء الانتداب الفرنسي عن البلاد، وهو تقليد تحييه وتشارك فيه كل الفعاليات المهتمة بالنشاطات المائية، على أنواعها. صحيح أن السبّاحين المحترفين من البالغين، اعتادوا المياه الباردة والأمواج العالية، لكن ما ذنب الناشئة والأطفال والسبّاحين القدامى، الذين مهما كانت شجاعتهم، ما زالوا يستبشرون خيراً بالشمس ودفئها الرحيم؟ ألا يحق لهم اجتياز 400 متر بأقل ما يمكن من غضب الشتاء؟ في التاسعة صباحاً، جاء الجواب بالإيجاب، وانكفأت الغيوم إلى مغاورها كما يقول الرعاة، وانكشف الأزرقان بحراً وفضاء، لتسري في الأجسام المستعدة لخوض السباق، رعشة تفاؤل، انتقلت عدواها إلى فرقة موسيقى الجيش، فعزف صادحاً «هلّي ع الريح»، ولم يعد بين الحاضرين كباراً وصغاراً، مشاركين ومتفرجين، من لا يبتسم. عند العاشرة تماماً، بدأت المراحل الأولى من السباق. فكان عادل يموت، أحد أبرز مدربي السباحة في لبنان، يطلق النداء من ميكروفونه النقال داعياً فئات المشاركين إلى التوجه نحو الشاطئ الرملي لخليج الحمام العسكري حيث انتشرت أعلام لبنان، علامة لنقطتي الانطلاق والوصول، وشُطَِر الخليج بحبال صفراء، ميمنتها للانطلاق وميسرتها للوصول. بعض صغار السن آثروا البلل التمهيدي قبل الولوج الجدي في الماء البارد، فإذا برد الجسم مسبقاً، وعلى مهل، تجاوز صاحبه المرحلة «الصدامية» بسلاسة وسرعة أكبر، بحسب مدربة السباحة لودي عسيلي. مع انطلاق كل فئة كانت موسيقى الجيش تعزف لحناً حماسياً. لكن لم يكن واضحاً تماماً ما إذا كان السباحون يزدادون نشاطاً، أم أن الجمهور المنتشر على رصيف الحمام العسكري مؤازراً أبناءه وبناته وأعضاء نواديه، هو الذي ضخّ الحماسة في الأجواء، لكن المهم أن الموسيقى نجحت في شدّ العزائم وجعل المباراة مناسبة «وطنية بامتياز». ميداليات حصل الفائزون على ميداليات ذهبية وفضية وبرونزية، بحسب فئاتهم وأعمارهم وترتيب وصولهم. وحاز كأسي قائد الجيش، محمد بغدادي من نادي الجزيرة عن فئة الرجال، وسارة الخطيب من نادي النجاح عن فئة الناشئة (14 - 15 سنة) . قدم الميداليات العقيد الركن بيطار، ممثلاً قائد الجيش، ومليح عليوان نائب رئيس اللجنة الأولمبية ورئيس اتحاد كمال الأجسام، وعصام علي حسن رئيس نادي «أوركا» ومستشار رئيس بلدية بيروت. المؤسف في هذه التظاهرة، والمفترض أنها وطنية جامعة، كان غياب بعض النوادي المقربة من الاتحاد الوطني للسباحة، وهو موقوف عن العمل بأمر قضائي بعد قبوله اقتراع «ديكاتلون» أحد النوادي غير المستوفية للشروط القانونية، لكن هذا ما كان ليمنع مشاركة أي نادٍ، بحسب ميشال حبشي رئيس نادي «ساتيليتي» المتخصص في كرة الماء.