هل يمكن صناعة الدراما التلفزيونية السورية أن تستمر في نجاحاتها برأس مال خارجي؟ بات السؤال ضرورياً، بل أكاد أقول بات سؤال الساعة الأهم الذي تتوقف على الإجابة عنه هوية هذه الدراما ومستقبلها. من تابعوا الدراما السورية التي أنتجت أواخر الستينات وسنوات السبعينات من القرن الفائت يدركون أهمية الأمر، ففي تلك الأعمال التي تحققت بالأبيض والأسود، وبامكانات تقنية بالغة التواضع قياساً لما هو متاح اليوم، أمكن رواد تلك الدراما مناوشة موضوعات وأفكار اجتماعية وسياسية بدرجة من الجرأة والوضوح والصراحة لم تعد متوافرة هذه الأيام. وذلك لا علاقة له هنا بتغيير في جرأة وقدرات الكتاب والمخرجين السوريين، إنها ضريبة الانتشار الواسع الذي وفرته القنوات الفضائية، والتي على رغم فضلها في الانتشار جعلت الدراما المحلية في كل الأقطار المنتجة تواجه رقابات أخرى كثيرة تقبع خلف الحدود، وهي غالباً أقل تسامحاً وأكثر تشدداً من الرقابة السورية، ناهيك عن رقابة سوق الفضائيات، والتي تحولت أخيراً الى «تطلبات» وشروط بعد أن دخلت على خط الانتاج وأصبحت شريكاً أساسياً في صنع الدراما وتسويقها. هذه الفضائيات تنطلق أساساً من طموح الربح وحسب، وقد لا تضيف له في كثير من الأحيان أية أهداف فنية أو اجتماعية أخرى، ما يفتح الباب باستمرار لسياسات انتاجية تعشق «موضوعات الموضة» وطرائق انتاجها، ولا تقيم وزناً كبيراً لأخطارها على السوية الفنية أو الفكرية للأعمال المنتجة والمقدمة على شاشاتها. تحتاج الدراما السورية أن تخرج من هذه الشرنقة. هي تستطيع ذلك بالتأكيد بتشجيع قيام صناعة درامية تمتلك شروط الانتاج وبنيته التحتية، وخصوصاً المدينة الاعلامية ومجالات البث الحر عبر توفير عدد من القنوات الفضائية الدرامية التي يمكنها أن تكون الملاذ وسياج الحماية من أي حصار أو مقاطعة. ذلك كله رهن بالقدرة على الخروج من حالة الانتاج العفوي وشبه العفوي، الى اشتراطات الصناعة وأدواتها، اي الانتقال نحو مرحلة أخرى أكثر تخطيطاً، مرحلة تتمكن معها الدراما السورية من فرض شروطها على السوق وفي مقدمها حرية اختيار الموضوعات والنصوص، وأساليب العمل الفنية وخياراتها، بديلاً من حال الانشاد الراهنة نحو اشتراطات رأس المال الخارجي.