قررت روسيا أخيراً عدم التجديد لاتفاق التعاون مع الولاياتالمتحدة الرامي الى التخلص من نفايات مواقع الاسلحة النووية والكيماويّة المتحدرة من الحرب الباردة. ويؤدي القرار إلى وقف التمويل الاميركي للعملية والعودة عن تعاون استمر عقدين، وأثمر التخلص من أكثر من 7 آلاف رأس نووي كانت منتشرة في أراضي جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. ويترتب على وقف التعاون مع الاميركيين استكمال روسيا منفردة العملية وتمويلها تمويلاً ذاتياً. وتغلق موسكو الباب أمام الولايات المتّحدة، وتعيق التخلص من الخطر النووي. والخطوة تضعف أمن المخازن النووية الروسيّة التي قد تصبح لقمة سائغة أمام الارهابيين على اختلاف أنواعهم ومشاربهم. وينص الاتفاق الذي أقره الكونغرس الاميركي في 1991 وتسعى موسكو الى التحرر من قيوده، الربيع المقبل، على توفير الأموال والخبرات اللازمة لدول الاتحاد السوفياتي السابق من أجل التخلص من الأسلحة والمواقع النووية او الكيماويّة أو تأمين الحماية لها. وساهم الاتفاق خلال عقدين في التخلص من أكثر من 7600 رأس نووي وألفي صاروخ قادر على حمل رؤوس نووية، وتخفيض مستوى تخصيب أكثر من 400 طن من اليورانيوم العالي التخصيب وتدمير مخزونات كبيرة من الاسلحة الكيماوية. وكلفت هذه العمليّة دافعي الضرائب الأميركيين في السنوات العشرين الماضية نحو 15 بليون دولار، وهو مبلغ ضئيل مقارنة بما يصرفه البنتاغون سنوياً على الدفاع والردع في حالات الهجوم النووي. وعلى رغم مرور عقدين على البرنامج، لا تزال العمليّة في منتصف الطريق، ووقف قطارها اليوم سلبي وفي غير محله. والقرار هو مرآة حال صاحبه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المصاب بجنون الارتياب والساعي الى عزل بلاده عن العالم. وخلال الشهر الماضي طردت روسيا من اراضيها الوكالة الاميركيّة للتنميّة التي اقتصرت انشطتها على دعم مؤسسات حقوق الانسان والمجتمع المدني وبرامج الصحة العامة منذ سقوط الشيوعيّة. وقد يكون انعقاد ثمار انشطة المجتمع المدني وراء خوف بوتين وشعوره بأنها خطر يهدد سلطته. ولا يخفى أن برنامج التخلص من الاسلحة النووية يصبّ في مصلحة البشرية جمعاء. والتفسير الرسمي الذي أعقب خبر الانسحاب من الاتفاق نسب الخطوة الى حماية العزّة الوطنيّة والكرامة. وتحاول روسيا أن تظهر قادرة على تولّي شؤونها من غير المساعدة الاميركية. وقد تكون وراء الخطوة هذه حاجة موسكو الى حجب أنشطتها النووية عن الأعين الخارجية. وشعور الهلع والخوف إزاء الخارج، المسيطر على الكرملين موروث من زمن الشيوعيّة السوفياتية. وعلى رغم سقوطها، لم يتبدد الخوف. مع وقف موسكو التعاون، لا بدّ أن تبادر الى إرساء برنامج آخر تتولى هي تمويله ويلتزم معايير الشفافيّة ليفوز بالثقة الدوليّة. هذه الثقة حازتها في السابق نتيجة المشاركة الاميركيّة في البرنامج. ومواصلة التخلص من النفايات النووية عملية عسيرة، لكنها اليوم مشكلة بوتين وعليه أن يحلّها بنفسه. * افتتاحية، عن «نيويورك تايمز» الأميركيّة، 17/10/2012، اعداد علي شرف الدين