منذ أعلنت وزارة التخطيط العراقية تقريرها حول السياسات السكانية في آب (أغسطس) الماضي ومنظمات المجتمع المدني تحاول التحرُّك لإيجاد حلول مناسبة لظاهرة ارتفاع نسبة الإنجاب في العراق التي تفاقمت في شكل كبير في السنوات الماضية. التقرير الذي أصدرته اللجنة الوطنية للسياسات السكانية أكد أن نسبة الإنجاب في العراق تجاوزت الحدود المعقولة وأن عدد سكان العراق الحالي البالغ 32 مليون نسمة، بحسب إحصاءات أجراها الجهاز المركزي للإحصاء في وزارة التخطيط، سيصل إلى 43 مليون نسمة عام 2025. الإحصائية لم تفاجئ الكثير من المنظمات الأهلية المهتمة بشؤون الأسرة والطفل، ولم تشكل صدمة للجنة الأسرة والطفل في البرلمان العراقي، ولكنها كشفت عن وجود عجز حكومي ومنظماتي في مجال تنظيم الأسرة وتحديد الإنجاب. فالدراسات التي أجرتها المنظمات الدولية، ومنها منظمة الأممالمتحدة، سبق وكشفت عن توقعات مقاربة لما صدر عن وزارة التخطيط التي حذّرت من ترك الأمور على حالها في ما يتعلق بنسَب الإنجاب في العراق التي تزداد عاماً بعد آخر. التشجيع على إنجاب الأطفال كان جزءاً من سياسة الدولة في عهد نظام صدام حسين بخاصة بعد اندلاع الحرب بين العراق وإيران، فنشط الاتحاد العام لنساء العراق آنذاك يقود حملات موسعة للتشجيع على الإنجاب. ربات البيوت وجدنَ في الحملة فرصة لتبرير إنجابهن المتزايد للأطفال وكانت الكثيرات منهن ينج بن طفلاً كل عام، أما موظفات القطاع الحكومي ومؤسسات الدولة فكُّن يحصلن على إجازات أمومة عاماً كاملاً مع إجازة وضع المولود لشهرين ونصف وبراتب كامل. تشجيع الإنجاب استمر لسنوات طويلة، حتى في سنوات الحصار على رغم صعوبة الظروف بالنسبة إلى الأسرة العراقية، وكان سبباً رئيساً لزيادة السكان في شكل كبير لاحقاً، فبعدما كان عدد سكان العراق لا يتجاوز 15 مليون نسمة عام 1997 زاد إلى أكثر من الضعف في 15 عاماً ليصل اليوم إلى 32 مليون نسمة. عملية الإنجاب في العراق ما زالت تتجه تصاعدياً، وبحسب التقرير، فإن سكان العراق يزدادون 800 ألف نسمة سنوياً أي بمعدل زيادة يصل إلى 90 مولوداً في الساعة الواحدة أي أن هناك ثلاثة أطفال يولدون في العراق كل دقيقتين. التقرير أكد أيضاً أن النساء القرويات ينجبن مولودين زيادة عن مثيلاتهن اللواتي يسكن في المناطق الحضرية، وأن النساء اللواتي لا يملكن شهادة علمية ينجبن 3 مواليد زيادة عن قريناتهن الحاصلات على شهادات جامعية أو شهادات عليا. التقرير توقّع أيضاً أن يصل عدد سكان العراق إلى 66 مليون نسمة في أقل تقدير عام 2040 أو أنهم قد يتضاعفون إلى 71 مليون نسمة عام 2033 في حال بقيت الزيادة السكانية على حالها من دون تنظيم. واكتفت المنظمات المهتمة بحقوق الأسرة والطفل بإطلاق تصريحات تتهم فيها الدولة بالتقصير في مجال تنظيم الأسرة خصوصاً في ما يتعلق بتشجيع الموظفات على الإنجاب، لكن بعض المسؤولين في قطاعات الدولة أكدوا أن مؤسساتهم تمنح الموظفات إجازات الأمومة لأربع مرات فحسب أي أن الموظفات لن يتمكن من الحصول على رواتبهن في حال تكررت إجازات الإنجاب بعد الطفل الرابع. نظام الإجازات الأربع كان سارياً منذ أعوام، وبالفعل أسهم في خفض الإنجاب للموظفات اللواتي يخشين فقدان وظائفهن أو لا يرغبن في الحصول على إجازات أمومة من دون راتب، لكن موظفات أخريات لجأن إلى ترك أطفالهن لدى أمهاتهن بعد أسابيع قليلة من الإنجاب. زيادة الإنجاب في العراق، تُنذر بانفجار سكاني من الصعب تداركه في حال لم تتحرك المنظمات المجتمعية المهتمة بالأسرة للضغط على البرلمان لتشريع قوانين خاصة لتنظيم الأسرة.