بعد مرور أكثر من 15 شهراً على الثورة السورية، وبعد أن ناهز عدد الشهداء 16 ألف شهيد، تكون الثورة السورية قد ضربت الرقم القياسي من حيث طول المدة وعدد الشهداء، مقارنة مع أي ثورة شعبية أخرى ضد حاكم مستبد خلال العصر الحديث، وعلى رغم أن بطش النظام بالمعارضين والمتظاهرين لم يتوقف يوماً، يلاحظ أن زخم الثورة والإصرار على إسقاط النظام لم يتوقف؛ بل على العكس، فقد تمكن الجيش الحر المنشق من السيطرة على مدن وقرى كثيرة، واستطاع الوصول إلى العاصمة دمشق؛ بل ووصل الثوار إلى أقرب المقربين من بشار الأسد من الضباط، الذين يعتمد عليهم بشار في تثبيت حكمه، حين تمكن أحد عناصر الجيش الحر، الذي يعمل طباخاً، من تسميم سبعة ضباط من صفوة النظام السوري، قتل في هذه العملية مدير الأمن القومي هشام بختيار. إن كذب ودجل النظام بالقيام بالإصلاحات التي وعد بها أصبح أمراً مكشوفاً. إذ لم يكن تغيير الدستور، وانتخابات مجلس الشعب إلا مسرحية هزلية، لا تقنع الأطفال. وازداد تعنت النظام، الذي لم يقدم أدنى تنازل في اتجاه الاستجابة لمطالب الشعب، ولم يبدأ بأي خطوة حقيقية باتجاه الإصلاح؛ بل على العكس، فقد ازدادت عنجهيته وشراسته أمام شعبه. وليس أدل على ذلك من خطاب بشار الخامس، الذي لم يختلف عن الخطاب الأول من حيث الفلسفة الفارغة من أي مضمون. ليقول فيه: «إن ما يراه الشعب من دماء إنما هو نتيجة طبيعية للعملية الجراحية التي يقوم بها الطبيب «بشار»، لإنقاذ المريض «سورية». بعد المجازر التي قامت بها العصابات الأسدية، على رغم وجود المراقبين الدوليين، بحق النساء والأطفال في الحولة، والقبير، والحفة، وحمورية، وسقبا، وفي حي الخالدية وجورة الشياح بحمص، أيقن المجتمع الدولي أن هذا النظام لم يعد ينفع معه خطة كوفي أنان التي وافق عليها النظام، ولم ينفذ أي بند من البنود الستة التي جاءت فيها. هذه الأسباب وغيرها جعلت المجتمع الدولي، المستعجل رحيل الأسد، يطرح سيناريوهات عدة لإسقاط النظام: الأول: يتمثل في تكرار الأسلوب الذي اتبعه المجتمع الدولي مع القذافي في تسليح شريحة كبيرة من المدنيين، لمواجهة الجيش والأمن وشبيحة النظام. هذا السيناريو يرجحه بعض من المحللين السياسيين، على رغم الكلفة الباهظة في الأرواح البريئة، لأن مثل هذا النظام الديكتاتوري لن يتنازل بسهولة عن السلطة، خصوصاً أن ذلك يعني تغيير المعادلة السياسية بالكامل، منها سيطرة الغالبية السنية على السلطة. لذا يعتقد بعض الضباط العلويين أن اللجوء إلى استخدام الإبادة الجماعية سوف تخمد الثورة المناوئة للنظام. فانتصار الثورة يعني لهم مسألة حياة أو موت؛ لأن تنحي بشار الأسد يعني لهؤلاء أنهم لن ينالوا الحصانة التي ربما سينالها، ولن تستقبلهم أي دولة عربية أو غربية، وعليه فإن بقاءهم في سورية سوف يعرضهم للمحاكمة، وهو ما يجعلهم يدافعون عن النظام حتى الرمق الأخير. الثاني: ازدياد الضغوط الدولية على النظام، بعد طرد السفراء السوريين من الكثير من دول الغرب؛ لأن ذلك يعني رفع الغطاء عن الشرعية الدولية للنظام، والعمل على إصدار قرارات عدة حازمة من الأممالمتحدة، مثل فتح ممرات إنسانية لإنقاذ الجرحى، ووصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين؛ وفي حال لم يستجب النظام إليها سوف يلجأ المجتمع الدولي إلى الفصل السابع من قرارات الأممالمتحدة. هذا السيناريو يعترض عليه بعض السوريين، ولكنهم في الحقيقة يدركون في قرارة أنفسهم أن تغيير مثل هذا النظام الديكتاتوري القمعي شبه استحالة من دون تدخل قوى عسكرية أجنبية قوية. ولكن هذا السيناريو لن تكون نتيجته مؤكدة على المدى البعيد؛ إذ إن المجتمع الدولي يخشى من نار حرب إقليمية يمتد لهيبها إلى إيران، ولبنان، والعراق، ومنطقة الشرق الأوسط برمتها. الثالث: فرض حظر جوي، ومناطق عازلة على الحدود بين تركيا وسورية في الشمال، وبين الأردن وسورية في الجنوب، لحماية الجيش الحر المنشق، ودعمه بأحدث الآلات الحربية المتقدمة، هذا الأمر ربما يدعو إلى التفكير في أن التدخل الدولي سيستعين بهذه الكتائب المنشقة في المستقبل القريب، لجعلها، تحت مظلة حماية جوية، للدخول إلى الأراضي السورية «رأس حربة» في مواجهة الجيش المؤيد للنظام، للبدء في تحرير الأراضي السورية من سلطة النظام مدينة مدينة وقرية قرية، كما حصل في ليبيا. هذا السيناريو هو المرشح الأقرب لتغيير النظام. الرابع: سيناريو طُرح الأسبوع الماضي في الإعلام، مفاده قيام بعض الدول الخليجية، بمباركة غربية، وبالتوافق مع روسيا، الحليف الأكبر للنظام، بطرح مبادرة شبيهة بالمبادرة الخليجية التي تنازل فيها صالح عن الحكم. تنتقل فيها السلطة سلمياً إلى بعض الشخصيات المعارضة المقبولة لدى غالبية الشعب السوري، مقابل إعطاء بشار الأسد ضمانات بعدم الملاحقة القانونية في ما بعد، وهذا السيناريو يميل إليه الكثيرون، لتجنب قيام حرب إقليمية تلوح في الأفق. ولكن هذا السيناريو لا يزال يلقى معارضة من روسيا، بسبب جشعها وسعيها لقبض الثمن. الخامس: بسبب الوضع الاقتصادي السيء الذي تمر به أوروبا، والولايات المتحدة الأميركية، ولأن اهتمامهما ينصب على سلامة الدولة العبرية من أي حرب تندلع ضدها، وهما غير معنيتين بأي تدخل عسكري، خصوصاً أنهما غارقتان في ديون تفوق قدرتهما على الوفاء. ولم تشف أوروبا بعد من أزمتها الاقتصادية المزمنة، ما جعل المجتمع الدولي يرى أنه من الأفضل ترك الحل للزمن، على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الأميركية، بالاعتماد على نظرية أن سقوط أي نظام يمر عبر انهيار اقتصاده؛ والاقتصاد السوري بالفعل بدأت ملامح انهياره تلوح في الأفق، على رغم محاولاته المستميتة لإنقاذ الليرة السورية، بعد فضيحة طبع الليرة السورية في روسيا. يجب الإقرار بأن النظام، وهو يترنح أمام الثورة الشعبية البطولية، لا يزال قادراً على تصعيد أسلوبه الإجرامي، وهو يعلم أن ما يصنعه هو من قبيل ممارسات الإبادة الجماعية للشعب، أو ما يقال بصدده: عليّ وعلى أعدائي، والأعداء هنا هم الشعب المطالب بالحرية، وكأنه لم يعد يبالي، وهو ساقط لا محالة. * باحث في الشؤون الإسلامية.