الكشف عن مواعيد مباريات دور ال32 لكأس خادم الحرمين الشريفين    التطور الرقمي في المملكة : تحقيق النمو المستقبلي يتطلب بناء شبكات آمنة وجاهزة للذكاء الاصطناعي    أمير تبوك يواسي أسرة الغيثي في وفاة فقيدها    "فلكية جدة": تساقط شهب البرشاويات 2025 بدءًا من اليوم    تجمع الرياض الصحي الأول يطلق حملة توعوية للتعريف بخدمة "العيادات عن بُعد"    سوق الأسهم السعودية يغلق متراجعا ب 21 نقطة    برنامج تعاون بين "كاوست" والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية    نائب أمير الشرقية يستقبل قائد قوة أمن المنشآت أمير الفوج التاسع    نائب أمير الرياض يرعى ورشة العمل التطويرية لجائزة الرياض للتميز    المزرعة الإنجليزية "فالكون ميوز" تُشارك ب 100 صقر في المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور 2025    نائب أمير القصيم يطلع على جهود الجمعية الأهلية بعنيزة    وكيل إمارة جازان يلتقي "محافظي" المنطقة    أمير الشرقية يستقبل منسوبي هيئة الأوقاف ورئيس اللجنة الوطنية وقائد قوة أمن المنشآت    "كرنفال التمور" في بريدة يوفّر فرصًا ريادية ويعزز حضور الشباب في القطاع الزراعي    مساعد الوزير للخدمات المشتركة يرعى إطلاق النسخة الأولى من جائزة التنمية الشبابية    أمير منطقة جازان يعزي في وفاة الشيخ أحمد بشير معافا    تعرف على دوكوري لاعب نيوم الجديد    تفاصيل عقد النصر مع الفرنسي كينجسلي كومان    سيرة من ذاكرة جازان.. الفريق ركن عمر حمزي رحمه الله    مفردات من قلب الجنوب 10    تصريف 5 ملايين م³ من مياه سد وادي ضمد لدعم الزراعة وتعزيز الأمن المائي    الشؤون الإسلامية في جازان تشارك في الحملة الوطنية للحد من ظاهرة التسول    مجلس الوزراء: تعديل بعض مواد تنظيم الهيئة السعودية للمحامين    خيط الحكمة الذهبي: شعرة معاوية التي لا تنقطع    شركة "البحري" السعودية تنفي نقل شحنات أسلحة إلى إسرائيل    الإدارة الروحية لمسلمي روسيا تحدد شروط تعدد الزوجات    مدير الشؤون الإسلامية في جازان يناقش شؤون المساجد والجوامع ويطلع على أعمال مؤسسات الصيانة    المياه الوطنية : 6 أيام وتنتهي المهلة التصحيحية لتسجيل التوصيلات غير النظامية    المجر ترفض الانضمام لبيان الاتحاد الأوروبي    محافظ الطائف يستقبل المدير التنفيذي للجنة "تراحم" بمنطقة مكة المكرمة    امطار خفيفة الى متوسطة وغزيرة في عدة مناطق بالمملكة    ترمب يوقّع أمرًا تنفيذيًا بتمديد هدنة الرسوم مع الصين 90 يومًا أخرى    المنتخب السعودي الأول لكرة السلة يودّع بطولة كأس آسيا    ضبط 17 مخالفًا بحوزتهم 416 كلجم من القات    السنة التأهيلية.. فرصة قبول متاحة    بحث مع ملك الأردن تطورات الأوضاع في فلسطين.. ولي العهد يجدد إدانة المملكة لممارسات الاحتلال الوحشية    بعد خسارة الدرع الخيرية.. سلوت يعترف بحاجة ليفربول للتحسن    برشلونة يسحق كومو ويحرز كأس غامبر    وزير لبناني حليف لحزب الله: أولويتنا حصر السلاح بيد الدولة    عشرات القتلى بينهم صحافيون.. مجازر إسرائيلية جديدة في غزة    افتتاح معرض الرياض للكتاب أكتوبر المقبل    «ترحال» يجمع المواهب السعودية والعالمية    «الزرفة» السعودي يتصدر شباك التذاكر    تعزيز الأمن الغذائي وسلاسل الإمداد للمملكة.. "سالك".. 13 استثماراً إستراتيجياً في قارات العالم    الشعب السعودي.. تلاحم لا يهزم    موجز    مباهاة    المفتي يستعرض أعمال «الصاعقة» في إدارة الأزمات    السعودية ترحب بالإجماع الدولي على حل الدولتين.. أستراليا تعلن نيتها الاعتراف بدولة فلسطين    حقنة خلايا مناعية تعالج «الأمراض المستعصية»    "فهد بن جلوي"يترأس وفد المملكة في عمومية البارالمبي الآسيوي    مخلوق نادر يظهر مجددا    تحديات وإصلاحات GPT-5    ثقب أسود هائل يدهش العلماء    أخطاء تحول الشاي إلى سم    إنقاذ مقيمة عشرينية باستئصال ورم نادر من فكها بالخرج    فريق طبي سعودي يجري أول زراعة لغرسة قوقعة صناعية ذكية    أمير جازان ونائبه يلتقيان مشايخ وأعيان الدرب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأقباط والإخوان: ما وراء «التطمينات»
نشر في الحياة يوم 05 - 06 - 2012

ربما كان مفاجئاً أنْ يوضع الشعب المصري مرة أخرى بعد انتفاضه أمام أحد الخيارين، أحلاهما مُرّ: إمّا شفيق النظام، وإمّا مرسي الإخوان. هل تبدو مصر اليوم بهذا أمام مشهد قديم يعيد إنتاج نفسه لكن بمحركات وأدوات وشروط سياسية مختلفة؟ الصراع «الظاهري» هو هو: بين أقطاب النظام وأقطاب الإخوان. وفي ظل الاستقطاب الحاد الذي يشهده الشارع المصري، تأتي تصريحات محمد مرسي «التطمينية» من جانب الإخوان لضمان حقوق الأقباط والمرأة، والتي وصف فيها الأقباط بأنهم «شركاء الوطن».
لكن قبل هذه التصريحات، وبعد ظهور النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية في جولتها الأولى، لم يتعب كثير من أقطاب الإخوان بكيل الاتهامات للأقباط الذين صوتوا لشفيق بأنهم يخونون دماء المصريين. إلا أنّ هذه الاتهامات لا تخرج عن كونها اتهامات انتخابية تأتي في سياق ارتفاع حدّة وتيرة شهوة الوصول إلى السلطة.
ربما يقال الأمر نفسه في خصوص تصريحات محمد مرسي؛ حيث لا يمكن خروج مثل هذه التطمينات أيضاً عن السياق الانتخابي المحموم به الإخوان (أكثر من شفيق). فإضافة إلى أنّها قد تُمثّل رسائل إيجابية للغرب، إلا أنها موجهة أساساً الآن مرحلياً لاستجلاب «أصوات» الأقباط (وليس الأقباط أنفسهم ك «مسيحيين»، شركاء الوطن).
للمرة الأولى ربما يشعر الإخوان أنهم بحاجة الى الأقباط، أكثر من حاجة الأقباط اليهم. ذلك أنّ الإخوان واقعياً، يشعرون بثقلهم في الشارع (ما يقارب من 15 إلى 17 مليوناً وفق تقديرات قبطية، من أصل 82- 85 مليون مصري)، وما يمكن أن يؤثروا به في نتيجة الانتخابات لو أنهم سيصوتون لأحمد شفيق في جولة الإعادة المقررة في 16 و17 حزيران (يونيو). في هذا السياق وضمن استحقاقاته، يمكن قراءة تصريحات مرسي التي فرضت عليه القول: «فئات الشعب المصري كلها في قلبي وعيني» (!).
وعلى رغم إعلان الأقباط أنهم يقفون على «مسافة واحدة» من المرشحين، إلا أنّ قراءة مدققة في مسار أصواتهم في جولة الانتخابات الأولى، تُظهر أنّ تلك المسافة بمقدار ما تبتعد من الإخوان (والإسلاميين عموماً)، تقترب من مرشحين غير محسوبين على الإسلاميين (تقول التقديرات إن أصواتهم ذهبت بنسبة 70 في المئة لأحمد شفيق، و16 في المئة لعمر موسى، و13 لحمدين صباحي). ما يعني انهيار الثقة التامة بين الأقباط والتيارات الإسلامية، هذه الأخيرة التي لم تعمل إلى الآن بنحو جاد للدخول في مرحلة جديدة تشكل انقلاباً على الماضويات الأرثوذوكسية التي لطالما قولبت مسارهم السلوكي والسياسي والأيديولوجي (بدأ يتعزز انهيار الثقة منذ السبعينات مع صعود نجم الحركات الإسلامية في عهد السادات الذي اتهم الأقباط بالعمالة للغرب، وكان من أحد نتائج انهيار ثقته بهم: نفي البابا شنودة من القاهرة لدير في صحراء سيناء).
وفوق ذلك، ثمة إشكال جوهري يقع في صلب الأيديولوجية البلشفية التي ما زالت متحكمة بالمسار الذهني للإخوان المسلمين: حيث لم يُقدّموا على طول تاريخهم وإلى الآن تعريفاً دقيقاً لاصطلاح «المواطنة» الذي بدأ في السنوات الأخيرة يتردد على ألسنتهم. إلا أنهم حينما يتحدثون عن الاصطلاح، فإنهم يعنون به بلا شك «مواطنة من نوع خاص». فحينما يقولون بالمواطنة «الكاملة» لغير المسلمين، فهذا لا يعني «عملياً» تساويهم في كلّ ما للإخوانيين وما عليهم على أرض الواقع السياسي (السلطاني بخاصة) والعسكري كما هو مرسوم في النظيمة الفقهية والسلطانية؛ مواطنة لا تبدأ حدودها بمنع زواج مسلمة من رجل غير مسلم ولا تنتهي بمنع استلام كتابيّ (= ذميّ غير مسلم) سدة الحكم. هذا إشكال أيديولوجي فقهي يقع في جوهر بنية تفكير الإخوان الدينية، لم يستطيعوا إلى الآن إيجاد مخارج لها خارج حدود تراث العصور الذهبية.
لهذا ربما سيواجه الإخوان أزمة عميقة بين الالتزام بالأيديولوجية البلشفية وبين قواعد اللعبة السياسية الداخلية والدولية. لا شك في أنه جرت مجادلات مثمرة داخل السياق الإخواني بمحاولة إعادة موضعة لكثير من تحديدات المساواة وحقوق الأقليات...الخ، ما أدى في كثير من الأحيان إلى انشقاق عدد منهم عن التيار البلشفي، إلا أنّ هذه الجدالات لم تستطع إحداث تغييرات جوهرية في بنية الإخوان الفكرية والثقافية، كما عبّر أحدهم عن ذلك: «إذا كان الأقباط يعلمون حقوقهم في الإسلام فيجب عليهم السعي لتطبيق الشريعة الإسلامية».
لذا، ما زالت القاعدة في مصر وفي غيرها من بلاد العرب على حالها بما يخص إشكال الإسلام السياسي والإصلاح: بمقدار ما يُقدّم الإسلاميون أنفسهم كقوة موثوقة للإصلاح السياسي، بمقدار ما ستخف وطأة الإصلاح. وربما كانت معركة التعديلات الدستورية الأخيرة (التي تحالف فيها الإخوان والسلفيون) دليل على هذا، والتي صورها إسلاميو مصر بكونها معركة «إيمان وكفر».
وبالتالي، تطمينات مرسي الانتخابية للأقباط، ليس فقط أنها لن تُطمئنهم (لأنهم خبروا تاريخ الإخوان ووعودهم الكثيرة التي لم يلتزموا بها)، بل ستزيد أمور الإخوان تعقيداً؛ وربما تنقلب عليهم الطاولة إذا صوّتت مع الأقباط لمصلحة شفيق تياراتٌ سياسية وازنة لا تثق بالإسلاميين. من هنا في إمكاننا قراءة أصوات الأقباط في حال ذهبت الى أحمد شفيق، على الأرجح، أنها ليست بالتحديد من أجل عيون شفيق، بمقدار ما هي رفض للإخوان والدولة الدينية وما يطلقونه بين الفينة والأخرى حول مسألة تطبيق الشريعة (كان آخرها تصريحات محمود عزت في 2011 حول تطبيق الحدود وما أثارته من جدل أدى الى تعليق حوار الأقباط مع الإخوان).
فأنْ يُقال إنّ الإخوان تقدموا كثيراً، فهذا بحاجة الى تدقيق كبير يأخذ في الاعتبار البناء الأيديولوجي والثقافي الصلب الذي لم يغادر إلى الآن النظيمة الذهنية للإخوان. التقدم لم يحصل عند الإخوان سوى في تقدمهم نحو الانفتاح الزائد للإمساك بتلابيب السلطة مهما كلف الثمن. والمسار الانتخابي الإخواني اليوم خير دليل على ذلك.
* كاتب سوري


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.