الجيش الأمريكي: الحوثيون أطلقوا صواريخ وطائرات مسيرة    الأخضر يواصل استعداداته لمواجهتي باكستان والأردن    ولي العهد يتوج فريق الهلال بكأس خادم الحرمين الشريفين للموسم الرياضي 2023 – 2024    الإعلان عن إطلاق معرض جدة للتصميم الداخلي والأثاث    مدينة الحجاج "بحالة عمار" تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    الاتحاد الأوروبي يرحب بمقترح "واقعي" لوقف النار في غزة    الأمم المتحدة تحذر من خطر تعرض ملايين السودانيين للمجاعة    مدينة الحجاج بحالة عمار تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    أسعار النفط تتراجع قبيل اجتماع "أوبك+"    200 دولة في العالم و66 قناة تلفزيونية نقلت نهائي كأس الملك    جمعية لياقة تستقبل وفد سفارة الولايات المتحدة الأمريكية بعرعر    سفير المملكة لدى اليابان: العلاقات السعودية اليابانية خلال السبعين السنة القادمة ستكون أكثر أهمية    جامعة الطائف تقفز 300 مرتبة في تصنيف RUR العالمي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يطلق خدمة (المرشد التوعوي الرقمي)    استقبال الحجاج عبر منفذ البطحاء بالمنطقة الشرقية    انجاز جديد لميتروفيتش بعد هدفه في كأس الملك    بمتابعة وإشراف أمير تبوك.. مدينة الحجاج ب«حالة عمار» تقدم خدمات جليلة ومتنوعة لضيوف الرحمن    ركلات الترجيح تمنح الهلال لقب كأس الملك على حساب النصر    بونو يُبكّي رونالدو بْزَّاف    موعد مباراة ريال مدريد وبورسيا دورتموند اليوم في نهائي دوري أبطال أوروبا    "أرامكو" ضمن أكثر 100 شركة تأثيراً في العالم    رصد 8.9 ألف إعلان عقاري مخالف بمايو    تدريب 45 شاباً وفتاة على الحِرَف التراثية بالقطيف    الإبراهيم يبحث بإيطاليا فرص الاستثمار بالمملكة    "كروم" يتيح التصفح بطريقة صورة داخل صورة    ضبط مقيمين من الجنسية المصرية بمكة لترويجهما حملة حج وهمية بغرض النصب والاحتيال    اختتام ناجح للمعرض السعودي الدولي لمستلزمات الإعاقة والتأهيل 2024    ثانوية «ابن حزم» تحتفل بخريجيها    ترمب: محاكمتي في نيويورك «الأكثر جنوناً»    ضبط مواطنين في حائل لترويجهما مادة الحشيش المخدر وأقراصًا خاضعة لتنظيم التداول الطبي    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقوم بزيارة تفقدية    مشرف «سلمان للإغاثة»: 129 مليار دولار حجم المساعدات السعودية ل169 دولة في 28 عاماً    وكيل إمارة حائل يرأس اجتماع متابعة مكافحة سوسة النخيل الحمراء    خلافات أمريكية - صينية حول تايوان    «الجمارك»: إحباط تهريب 6.51 مليون حبة كبتاغون في منفذ البطحاء    خطبتا الجمعة من المسجد الحرام والنبوي    رياح مثيرة للأتربة والغبار على مكة والمدينة    5 مبتعثات يتميّزن علمياً بجامعات النخبة    وزير الداخلية يدشن مشاريع أمنية بعسير    "سامسونغ" تستعد لطرح أول خاتم ذكي    ترقية 1699 فرداً من منسوبي "الجوازات"    المملكة ضيف شرف معرض بكين للكتاب    توجيه أئمة الحرمين بتقليل التلاوة ب"الحج"    أطعمة تساعدك على تأخير شيخوخة الدماغ    الرياضة المسائية أفضل صحياً لمرضى للسمنة    ثانوية ابن باز بعرعر تحتفي بتخريج أول دفعة مسارات الثانوية العامة    الخريف لمبتعثي هولندا: تنمية القدرات البشرية لمواكبة وظائف المستقبل    وزير الداخلية للقيادات الأمنية بجازان: جهودكم عززت الأمن في المنطقة    الأمير فهد بن سلطان: حضوري حفل التخرُّج من أعظم اللحظات في حياتي العملية    «الدراسات الأدبية» من التقويم المستمر إلى الاختبار النهائي !    كيف تصبح زراعة الشوكولاتة داعمة للاستدامة ؟    5 أطعمة غنية بالكربوهيدرات    المملكة تستضيف الاجتماع السنوي ال13 لمجلس البحوث العالمي العام القادم    كيف نحقق السعادة ؟    المعنى في «بطن» الكاتب !    تشجيع المتضررين لرفع قضايا ضد الشركات العالمية    عبدالعزيز بن سعود يلتقي عدداً من المواطنين من أهالي عسير    أمير القصيم يكرم 7 فائزين بجائزة الأميرة صيتة بنت عبدالعزيز    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاستعصاء اللبناني والانقسام بين تحالفيْ 8 و14 آذار
نشر في الحياة يوم 11 - 03 - 2012

يتواصل تدريجياً، وبالترابط مع الأزمة السورية عشيةَ عامها الثاني، تغيُّر المناخ السياسي العام في لبنان باتجاهين متناقضين: فمن جانبٍ أول، تبدو الظروف أكثر ملاءمة لإعادة الحياة إلى ما سمي «الكتلة الوسطية» في الحكم، ولزيادة حصتها من نصاب السلطة الفعلية التي تتقاسمها الحكومة ورئيس الجمهورية و «المؤسسات» مجتمعة، مع «حزب الله» وتقاطعاته الإقليمية كقوة أمرٍ واقع، وهي ظروف أدَّت في الوقت عينه وفي شكلٍ مبدئي إلى زيادة الوزن النسبي للمعارضة ال14 آذارية من دون أن يعني ذلك تحولها إلى أكثرية، ما يمكن أن يدعم مبدئياً احتمال استدخاله في العدة الافتراضية للكتلة «الوسطية».
ومن جانبٍ آخر، ينحو الاستقطاب الشعبي نحو مضامين وأشكال توترٍ عالية وأكثر عمودية ومذهبية، يستبعد إمكانات التوليف والتجاوز والوسطية.
وما يجري على الصعيد الحكومي دالٌّ على هذا التناقض، فقرارات الحكومة عندما يمكن اتخاذها، بخاصة في موضوع نتائج الحدث السوري (كاللاجئين ومزاعم التسليح من لبنان)، تغدو أكثر وسطية رغم نظرية «النأي بالنفس»، تحت تأثير مغادرة رئيس «كتلة النضال الوطني» لمواقف الأكثرية في المفصل السوري، واضطرار رئيس الحكومة إلى أخذ مسافة منها ومما تمثله من غلبة وصبغة مذهبية، ورئيس الجمهورية إلى التحرر الجزئي من أعباء نتائجها المحلية و «المؤسسية». لكن آلية اتخاذ القرار تبدو متجهة إلى تعطيلٍ متزايد، حيث يبدو أن الحكومة إنما تستمر بقرارٍ من «حزب الله» وحليفيه الاقليميين أساساً، لتيقّنهم من استحالة تشكيل حكومة لهم فيها مثل ما في الحكومة الحالية، على رغم هشاشتها المعلنة والصعوبة المتزايدة التي يجدونها في استخدامها في شكلٍ نافر، الأمر الذي يعني - من جهة ثانية - تحولها إلى حكومة إدارة حدٍّ أدنى للأزمة وللمصالح اليومية لأطرافها، تعجز عن علاج اشتداد حدة الاستقطاب المذهبي فتتحوَّل إلى حراسته للحؤول دون انفجاره، ليس إلاَّ. إذ إن اشتداد الاستقطاب السني الشيعي في لبنان يشهد مرحلة صعود صعب الانكفاء بالشروط الحالية، فهو يتغذى بمخزون شطحات حزب الله «التأديبية» وسلاحه وخطابه التهديدي والتفوُّقي، وبصُوَر النظام الأسدي الذي يُرفِق توحشه القمعي بإصرارٍ منظم على تظهيره مذهبياً، أفعالاً وإيحاءً، بغرض التلويح بالحرب الأهلية والاستثمار في مقولة «حماية الأقليات» وتحالفها، وهو منحى قد يتفاقم إذا ما استمر الاستعصاء الثلاثي الراهن والقائم على عناصر ثلاثة:
- امتناع حلٍّ سريع للأزمة، بانتصار حاسم للنظام يبدو أكثر استحالةً رغم تحويله «الخيار الأمني» الى حرب شاملة على المدنيين في مدن ومناطق القوة الشعبية للانتفاضة.
- عدم امتلاك الأخيرة بعدُ القدرةَ على إسقاطه.
- تحييد التأثير العربي والدولي بسبب موقف روسيا البوتينية واستخدامها الفيتو كاستطالةٍ منطقية لاستعادة خطاب الحرب الباردة، سواء كان ذلك يتم في صورة انتقالية أو كجزء من سياسة للمدى الطويل.
قصارى القول، أن مجمل هذه التطورات أدَّت إلى اعادة النظر بالمعادلات التي أرساها تأثير سلاح «حزب الله» وتحشيده ووزن التدخلين السوري والإيراني، بما جعلها أكثر توازناً، من دون أن تفلح مع ذلك في فتح الطريق نحو نهاية للاضطراب اللبناني بوجهيه: الموقت كما أظهره مثال تشكيل الحكومة الحالية تحت وطأة استخدام أدوات تقع تماماً خارج نطاق قواعد التمثيل النيابي والآليات العادية لاشتغال النظام السياسي، والكامن بوصفه انعكاساً لحربٍ أهلية باردة لا تقول اسمها.
بهذا المعنى، فإن تموضع القوى السياسية اللبنانية وتركيبها ليس من شأنهما تثمير التعطيل النسبي الراهن للعوامل الخارجية التفجيرية، وفي مقدمها سياسات النظامين السوري والإيراني الإلحاقية ووسائلهما في تصدير العنف وأدواته. ذلك أن التحالفيْن اللذين بوسعهما القول إنهما شكَّلا نصاب المشهد السياسي اللبناني منذ خروج قوات النظام السوري من لبنان، وهما 8 و14 آذار، يظهران الآن كما لو أنهما عنوان لاستعصاء داخلي في صراع متعدد الدرجات على الهيمنة بين الكتل الطائفية الرئيسية، لا تلعب فيه المناهج والبرامج سوى دور تسويغ الوسائل والحشد وتغطية التقاطع والتواقت مع المحاور الاقليمية. فهما عجزا عن إنتاج تفاهمات كبرى حتى أثناء اتفاقهما من خلال التحالف الرباعي والحكومة التي انبثقت عن نجاحه في انتخابات 2005، كما خلال تساكنهما في حكومتيْ «وحدة وطنية» بعد استخدام «حزب الله» سلاحه في 7 ايار(مايو) 2008 واتفاق الدوحة. ولعلّ مراهنة قيادات كل منهما وتعويلها على النتائج النهائية للأزمة السورية، بأمل إجراء تحسين جذري في موقعه وقوته، دلالة إضافية على عمق الفاعل الاستعصائي في تشكيلهما.
ذلك يجب ألاّ يحجب الأثر الخاص لسلاح «حزب الله» وتنظيمه العسكري - الحربي في تكوين الاستعصاء الداخلي وربطه بخارج مُستدخَل بنيوياً أعمق منه في أي مرة سابقة. ف «حزب الله» القلِق من فرضية نهاية حاضنه الأسدي وجسره إلى العون الإيراني، ما زال يعتبر سابقاً لأوانه اعتماد خيار عقلاني استراتيجي بمعنى القبول بحوارٍ فعلي حول اندماج سلاحه في دولةٍ ديموقراطية مُجدَّدَة مفتوحة على الإصلاح، لذا يكتفي بتهدئة تكتيكية، ليس الحفاظ عليها مؤكداً في حالة حرب حدودية أو بروز دعمٍ مسلح مُعلَن للنظام الأسدي.
الإشكال أن السلاح واستمرار 8 و14 آذار كإطارين رئيسين في تشكيل المشهد السياسي ينذران بأخطار إضافية وبضرب أي محاولة لإصلاح النظام وتفكيك بنى الحرب النائمة، فالإطاران يلعبان موضوعياً إلى جانب السلاح دور «المحرِّض الضابط» للتوتر المذهبي والحابس لإمكانيات المجتمع المدني. ولكن ما لا يريانه، أو لا يريدان رؤيته، هو أن التطورات تضخ وقائع جديدة: ف 14 آذار تعاني تسرباً سنياً - وإن محدوداً - نحو السلفية، كما أن «حزب الله» يزيد إشارات إعادة «تديين» معاقله والتعامل من موقع القلعة المحاصرة واحتمال سلوكيات تتراوح بين الرغبة في تطهيرها وإخضاع الآخر، وتزيد مظاهر الانكفاء والبحث عن إعادات نظر في أشكال التمثيل والآليات الدستورية لدى الطوائف الاخرى، فيما يتوالى تحاصص الدولة ومصادرة الحيِّز العام.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.