حين يتحول التاريخ إلى منصة لبناء اقتصاد جديد    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء فيتنام    انتصار مهم    الهلال يتغلّب على الفتح بثنائية في دوري روشن للمحترفين    تسجيل هزة أرضية في شمال غرب حرة الشاقة بلغت قوتها 3.43 درجات    شاحن الصحة النفسية    مبادرة عون.. تموضع لبنان بالمسار العربي    القيادة تهنئ رئيس لبنان بذكرى الاستقلال    ولي العهد في أمريكا... قيادة تعيد رسم موازين العالم    السرقة تحت غطاء المقدس    الموروث ضرورات التجديد وتحديات التشويه    الملك وولي العهد يعزيان ملك البحرين في وفاة الشيخ إبراهيم بن حمد آل خليفة    سعودة المسلسلات الأجنبية.. خطر ناعم يخترق الأسر السعودية    بيش يخطف وصافة دوري الدرجة الثالثة بفوز ثمين على الأسياح    تحديث «إكس» يفضح مواقع إنشاء حسابات قادت حملات سلبية ضد السعودية    G20 في جنوب إفريقيا: مقاطعة أمريكية وتحذير فرنسي حول مستقبل المجموعة    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    228 مليار ريال نمو في سيولة الاقتصاد السعودي خلال عام    الداخلية : ضبط (22094) مخالفاً لأنظمة الإقامة والعمل وأمن الحدود خلال أسبوع    السِّدر واللوز والتنضب تتصدر النباتات المحلية الملائمة لتشجير الباحة    أمير المنطقة الشرقية يدشّن غداً الأحد بحضور وزير النقل عددًا من مشاريع الطرق الحيوية بالمنطقة    المملكة تُدرِج 16 عنصرًا في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي    صحراء مليحة بالشارقة تشهد انطلاق النسخة الثانية لمهرجان تنوير بأمسية فنية موسيقية وتجربة إنسانية ملهمة    جامعة الإسكندرية تمنح باحثا سعوديا الدكتوراه في دراسة تربط بين القلق الرقمي وإدمان التواصل    طبيب أردني: "الذكاء الاصطناعي" قد يحل أزمة نقص الكوادر في العلاج الإشعاعي    الصفا يتحدى اللواء بحثًا عن مصالحة جماهيره في الجولة التاسعة    جوشوا كينغ يغيب عن مواجهة النصر والأخدود    فوز الأهلي والاتحاد والنصر والهلال في الجولة الأولى من الدوري الممتاز لكرة الطائرة    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    أمانة الطائف تطلق مبادرة (شاعر الأمانة) تشجيعًا للمواهب الإبداعية في بيئة العمل    اتفاقية بين العوالي العقارية والراجحي كابيتال ب 2.5 مليار ريال لتصبح الأكبر في سيتي سكيب 2025    تراجع أسعار النفط لأدنى مستوياتها في شهر    الصين تطلق بنجاح قمرًا صناعيًا تجريبيًا جديدًا لتكنولوجيا الاتصالات    جوتيريش يدعو مجموعة العشرين لوضع حد للموت والدمار وزعزعة الاستقرار    انطلاق النسخة الأكبر لاحتفال الفنون الضوئية في العالم    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    نائب أمير الرياض يرعى احتفال السفارة العمانية بيومها الوطني    أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    تعليم الأحساء يطلق مبادرة "مزدوجي الاستثنائية"    افتتاح مؤتمر طب الأطفال الثاني بتجمع تبوك الصحي    كيف يقلل مونجارو الشهية    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل        أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    بيان سعودي أميركي مشترك: وقعنا شراكات في جميع المجالا    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    محافظ جدة وأمراء يواسون أسرة بن لادن في فقيدتهم    الجوازات تستقبل المسافرين عبر مطار البحر الأحمر    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من العربية جيّدها ومن العالمية أكثرها خصوصية
نشر في الحياة يوم 17 - 02 - 2012

عِبرَ حماسة الجمهور الألماني لحضور الأفلام العربية، المقدّمة في الدورة الثانية والستين لمهرجان برلين السينمائي الدولي، يمكن المرء قياس مدى اهتمام العالم بالمُتغيرات التي تشهدها منطقتنا. وتعكس الحوارات التي تَلت كل عرض منها، مع صنّاعها مباشرة، الاهتمام الزائد بموضوعاتها، الى درجة تسببت أحياناً في كسر بعض الصرامة الألمانية، المعروفة بدقة البرمجة والتوقيت، فيما تغاضى الجمهور نفسه في احيان أخرى عن أخطاء ربما لا يتسامح بها في ظروف غير المهرجان، كما حدث مع فيلم يحيى العبد الله «الجمعة الأخيرة» حين فَضّلَ الناس الانتظار وقتاً طويلاً لإصلاح الخطأ التقني في جهاز العرض على مقترح الإدارة بترك المكان واسترجاع أثمان بطاقاتهم. وقد لوحظ الى هذا ان حضور العرب في سوق المهرجان بدا لافتاً، فمهرجان الدوحة، مثلاً، حجز لنفسه جناحاً، وأفلام عربية كثيرة عرضت فيه، من بينها المغربيان «أيادٍ خشنة» و «عاشقة من الريف».
وإذا كان هذا الاهتمام يثير لدى المعنيين بالسينما مخاوف من مجيئه على حساب مستوى الحضور السينمائي نفسه، فإن اختيارات مبرمجي الدورة بَددت المخاوف، وعززت الأفلام المنتقاة بحرص شديد التوازن بين احتفائية سينمائية ومناسبة مقرونة بأحداث سياسية، وربما يصلح أن يكون الفيلم الأردني «الجمعة الأخيرة» مثالاً للتوازن. فهو لم يتناول أحداثاً سياسية مباشرة، ومع هذا استقبل بترحاب ملحوظ، هو من دون شك جدير به، لرهانه على اللغة السينمائية دون سواها.
لم يكثر الفيلم من الحوارات الطويلة مفضلاً عليها لقطات تشبع ببطئها قدرتها التعبيرية وتساهم في كشف المناخ النفسي لبطلها الذي كان يعاني من مشاكل حياتية، أكثرها مبعثاً للقَلَق قدراته الجنسية المهددة بالعطل بسبب المرض. بين رجولة مهددة وفشل علاقة زوجية وعمل موقت كسائق تاكسي توزعت حياة يوسف، حياة جعلت منه كائناً حزيناً، يقرر في النهاية السفر من بلده الأردن الى بلد خليجي ليبدأ حياته من جديد على أمل تحسنها في هجرة جربها من قبل ثم خسر كل ما جناه منها. عمل يحيى العبد الله يذهب الى داخل الكائن، فيما يحيط خارجه بعلائق إجتماعية وسياسية متوترة، تصلنا تفاعلاتها عبر جهاز التلفاز الذي يتركه مفتوحاً وقَلما يشاهده فاسحاً المجال في أغلب الأحيان لصوته يصل الى مسامعه. في تلميح ذكي ينقل لنا مشهد يظهر فيه بطله وهو يستمع الى خطاب الرئيس حسني مبارك قبل استقالته ثم سرعان ما يغلقه. فالتحول المرجو غير قريب منه ما دام انه يعاني من عزلة وجودية ومن عبء عوز يجبره على ترك ولده الوحيد لطليقته.
المرأة والتغيّر الجديد
في الوثائقية العربية شاهدنا فيلمين جيدين وهما من صنع مخرجتين تناولتا واقع المرأة وعلاقتها بالتغير الجديد من دون الاعتماد على آنية الحدث وسرعة تسجيله. فالمخرجة مي اسكندر، صاحبة فيلم «الزَبالين» وهي تقيم في الولايات المتحدة الأميركية اختارت موضوعاً ذا علاقة بالإعلام وبروز أجيال جديدة من الصحافيين يعتمدون في شغلهم على وسائل التواصل الاجتماعي وعلى تقنيات حديثة تتوافق مع التثوير الكوني لأشكال جديدة من التفاعل مع الجمهور المتلقي. جمعت اسكندر في فيلمها «كلمات الشاهد» بين البورتريه لصحافية شابة إسمها هبة عفيفي وبين قضية المفقودين من الثوار التي اقترحت إجراءها في صحيفتها «المصري اليوم». تميز هذا الوثائقي بتصوير جيد وسلاسة في سرده البصري، وقدمت فيه مخرجته نموذجاً لشباب يتطلع الى التغيير وفق تجربته الخاصة ولهذا نرى هبة متنازعة المواقف بين العائلة وتحفظاتها، ورغبة جدية في داخلها لشق طريقها المهني من دون خوف على رغم جدية المخاطر التي تحيط بها وببلدها.
ومن نساء بلدها اختارت حنان عبدالله لفيلمها «ظل راجل» عينات نسائية متفرقة، لتقدم عبرهن واقع المرأة المصرية التي تعيش لحظة الانعطاف بين ماضي أتعبها وتغير طموح يردن العيش على أمله. معايشة حنان او نسجها خيوط ثقة بينها وبين من إختارتهن أعانها كثيراً وسهّل عليهن في المقابل البوح أمام كامرتها بما كن يشعرن به فجاءت شهاداتهن الشخصية محمّلة بالصدق الذي بفضله قبلهن الجمهور وتعاطف معهن ومع تجاربهن الموزعة على مساحة واسعة تشير الى واقع سيئ لا بد من تغييره وعلى المرأة نفسها أن تساهم فيه.
اختيارات برلينية مميزة
رهانات برلين على جديد السينما العالمية دائمة ويصعب حصرها لكمّها الكبير وتوزّعها على برامج عدة، ومع هذا، فإن المسابقة الرسمية قد تعطينا بسبب عدد أفلامها القليل نسبياً، إمكانية تلمس بعضها، من خلال نماذج متميزة على مستوى الأسلوب، كفيلم المخرج البرتغالي ميغل غوميز «تابو»، الذي يعود من خلال قصة معاصرة الى فترات سابقة من فترات احتلال بلاده لجزء من القارة الأفريقية. في فيلم بالأبيض والأسود وبأبعاد الشاشة القديمة وبطريقة سرد للحكاية تشبه المتبعة في الأفلام الصامته قدم هذا الفيلم شريحة من المحتلين البرتغاليين، وصلت الى نعيمها عبر جهد المستعمرين الأوائل الذين بنوا ثرواتهم على حساب أبناء المستعمرات ومن ثمّ على عكسهم، عاش أحفادهم مترفين من دون أي عناء، لهذا تراهم مغرقين في الملذات. وحكاية بطلة الفيلم أورورا تلخص واقع أبناء المستعمرات. في أسلوب خاص ربط غوميز فيه بين الزمن الراهن والزمن الذي سبق نهوض الحركات التحررية الأفريقية، ودمجهما في لُحمة بدت عسيرة الفهم في البدء. لكن ومع تطور مسار الفيلم اتضح الكثير من التفاصيل التي صارت مفهومة لقرب لغتها من لغة السينما العادية على رغم انها امتلأت بتمايزات اسلوبية حرصت «البرليناله» على تقدميها قبل غيرها. وقريب من هذا التميّز الأسلوبي يأتي عمل الأخوين الإيطاليين باولو وفيتوريو تافياني «قيصر يجب أن يموت» الذي استمد موضوعه من مسرحية «يوليوس قيصر» لشكسبير. في فيلمهما الجديد هذا أدخل الشقيقان المخضرمان، الكثير من العناصر غير التقليدية في صنع الفيلم منها اعطاؤهما أدواراً تمثيلية لسجناء حقيقيين، وتحويلهم الدرامي داخلياً الى ما يشبه الوثائقي، أو ليبدو الواقع فيه موثقاً درامياً وبالتالي يصبح الفصل بين الواقعي و «الفيلمي» صعباً، ومنه يتولد لدى مشاهده إحساس بالاغتراب يشبه الاغتراب البريختي، فالمساحة الضيقة للمكان أو العرض المسرحي تجد حلها عبر سعة الكاميرا، لكنها تضيق أكثر في دواخل السجناء أنفسهم حين يشعرون مع مضي الوقت أنهم في زنزانات يحيطها عالم خارجي شديدة السعة.
وربما والى حد كبير يمكن اعتبار فيلم «أخت» متفرداً على مستوى النماذج المتحركة. وربما يعود ذلك الى عدم ذهاب مخرجته الفرنسية أورسلا مير، الى بحث الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع طفلاً الى السرقة ولم تركز على الدوافع النفسية لأم تنكرت لأمومتها أمام الناس وأجبرت وَلَدها على نعتها بصفة «الأخت». لقد تعاملت معهما بوصفهما كائنين جاهزي التكوين، وهي عبر وجودهما الفيزيائي وسط جبال شاهقة يتزحلق الناس فوق ثلجها قرّبتنا من عزلتهما الداخلية. لقد ظل سيمون طيلة فصل الشتاء وحيداً يواجه مصاعبه ومغامراته ويمارس سرقاته من دون انقطاع، لم يقلّص وجود والدته في المكان نفسه من عزلته، بل زادها شدة، وحينما ذاب الثلج شعر بوحدة لا حدود لها يأتي المشهد الأخير ليجسدها كاملة. اذ هنا نجد كيف ان الطفل الصغير شعر بتقزّمه لحظة انفضاض الناس عن المكان وانفضاض والدته عنه لتتركه في مواجهة عالم واسع يصعب على المرء المضي في طرقاته وحيداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.