جهات محلية ودولية تناقش الاستدامة البيئية والفرص الاستثمارية    أمطار متوسطة إلى غزيرة على معظم مناطق المملكة    محرز: هدفنا القادم الفوز على الهلال    "روشن 30".. الهلال في مواجهة التعاون والاتحاد أمام أبها    "ريمونتادا" مثيرة تمنح الرياض التعادل مع الفتح    المملكة: صعدنا هموم الدول الإسلامية للأمم المتحدة    "جوجل" تدعم منتجاتها بمفاتيح المرور    تزويد "شات جي بي تي" بالذاكرة    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية    شراكة بين "البحر الأحمر" ونيوم لتسهيل حركة السياح    بدء تحقيق مكافحة الإغراق ضد واردات "ستانلس ستيل"    ربط ميناء جدة ب "بورتسودان"    بدء إصدار تصاريح دخول العاصمة المقدسة إلكترونياً    " عرب نيوز" تحصد 3 جوائز للتميز    "تقويم التعليم"تعتمد 45 مؤسسة وبرنامجًا أكاديمياً    "الفقه الإسلامي" يُثمّن بيان كبار العلماء بشأن "الحج"    نائب وزير الخارجية يلتقي نائب وزير خارجية أذربيجان    «التجارة» ترصد 67 مخالفة يومياً في الأسواق    فصول ما فيها أحد!    أحدهما انضم للقاعدة والآخر ارتكب أفعالاً مجرمة.. القتل لإرهابيين خانا الوطن    وزير الطاقة: 14 مليار دولار حجم الاستثمارات بين السعودية وأوزبكستان    «الاحتفال الاستفزازي»    سعودية من «التلعثم» إلى الأفضل في مسابقة آبل العالمية    وفيات وجلطات وتلف أدمغة.. لعنة لقاح «أسترازينيكا» تهزّ العالم !    ب 3 خطوات تقضي على النمل في المنزل    شَرَف المتسترين في خطر !    لجنة شورية تجتمع مع عضو و رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الألماني    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    انطلاق ميدياثون الحج والعمرة بمكتبة الملك فهد الوطنية    الخريجي يشارك في الاجتماع التحضيري لوزراء الخارجية للدورة 15 لمؤتمر القمة الإسلامي    في دور نصف نهائي كأس وزارة الرياضة لكرة السلة .. الهلال يتفوق على النصر    136 محطة تسجل هطول الأمطار في 11 منطقة بالمملكة    مقتل 48 شخصاً إثر انهيار طريق سريع في جنوب الصين    تشيلسي يهزم توتنهام ليقلص آماله بالتأهل لدوري الأبطال    كيف تصبح مفكراً في سبع دقائق؟    يهود لا يعترفون بإسرائيل !    قصة القضاء والقدر    تعددت الأوساط والرقص واحد    ليفركوزن يسقط روما بعقر داره ويقترب من نهائي الدوري الأوروبي    كيفية «حلب» الحبيب !    اعتصامات الطلاب الغربيين فرصة لن تعوّض    وزير الدفاع يفتتح مرافق كلية الملك فيصل الجوية ويشهد تخريج الدفعة (103)    من المريض إلى المراجع    أمير جازان يطلق إشارة صيد سمك الحريد بجزيرة فرسان    بيان صادر عن هيئة كبار العلماء بشأن عدم جواز الذهاب للحج دون تصريح    القبض على فلسطيني ومواطن في جدة لترويجهما مادة الحشيش المخدر    مركز «911» يتلقى (2.635.361) اتصالاً خلال شهر أبريل من عام 2024    نائب أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ    مباحثات سعودية فرنسية لتوطين التقنيات الدفاعية    للتعريف بالمعيار الوطني للتطوع المدرسي بتعليم عسير    مستشفى خميس مشيط للولادة والأطفال يُنظّم فعالية "التحصينات"    "التخصصي" العلامة التجارية الصحية الأعلى قيمة في السعودية والشرق الأوسط    المنتخب السعودي للرياضيات يحصد 6 جوائز عالمية في أولمبياد البلقان للرياضيات 2024    مبادرة لرعاية المواهب الشابة وتعزيز صناعة السينما المحلية    الوسط الثقافي ينعي د.الصمعان    ما أصبر هؤلاء    حظر استخدام الحيوانات المهددة بالانقراض في التجارب    هكذا تكون التربية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثبيتي في ذكراه الأولى... شعرية طاغية أعاقت الشعراء من بعده
نشر في الحياة يوم 07 - 02 - 2012

مر عام على وفاة الشاعر محمد الثبيتي، وفي ذكراه الأولى لم يستحضر أصدقاؤه غناه إنما استحضروا فقره، ولم يستحضروا عزة نفسه إنما استحضروا حاجته، ولم يستحضروا قناعته إنما استحضروا ما يجعله غير ذلك. تابعت ما كتبوه عنه فلم أجد غير استصغار لشخصية محمد الثبيتي العظيمة وهم يصورونه وقد توفي معدماً وفقيراً، لم يلاق الاهتمام الذي يستحقه، وما أظنه أن شخصية محمد الثبيتي لن ترضى أبداً عنهم وهم يصورونه بتلك الطريقة.
حتى أولاده انجروا إلى الحديث الذي لا يساهم في عظمة أبيهم. لو كان أبوهم يعي حينما نقلوه إلى المستشفى ووجد فقيراً مريضاً فلن يزاحمه على كرسي المستشفى، لأنه يعرف أن الشعر ليس ميزة إنسانية إنما هو حالة إنسانية، وأن الشعر لا يعطي الشاعر ميزة تجعله يعيش بينما يموت الآخرون، ولا يجعل منه غنياً بينما يحتاج الآخرون، ولا صاحب قصر بينما يعيش الآخرون في العشش، ولا أن يرفل في «الدمقس وفي الحرير» بينما يلبس الآخرون الثياب المستعملة.
يعرف محمد الثبيتي أنه ليس الوحيد الذي اشترى سيارة بالأقساط، فأغلب الناس الذين عاش بينهم، وحمل همومهم اشتروا بنفس الطريقة، ولم يكن هو الوحيد الذي ركب سيارة قديمة، فأغلب الناس الذي أراد أن يحدّث حياتهم الاجتماعية يملكون ما هو أقدم، وما أظن أن إنساناً عظيماً كمحمد الثبيتي رأى في ذلك غضاضة لأنه يعلّق على عظمة شعره لا على مظهره.
أظن أن الثبيتي لم يكن ليرضى أن يلقى اهتماماً خاصاً لكونه شاعراً، إنما لكونه مواطناً لا يختلف عن غيره من المواطنين، له حق الرعاية الصحية الجيّدة، وما أظن أنه كان يفكر في ما فكر فيه أصدقاؤه وهم يتذكرونه، إنما فكر في أن يتذكروا شعره الذي لم يقل أحد منهم كلمة واحدة.
لا أظن أن من كتب قصائد خالدة كقصائد محمد الثبيتي كان يفكر في شيء إلا في فنه؛ وكيف يترك أثره في تاريخ الشعر العربي الطارد لكل من لا (يحكّك) شعره؛ لذلك هيمن محمد الثبيتي على الشعر السعودي الحديث في العقدين الأخيرين من القرن العشرين، واستمرت هيمنته على العقد الأول من هذا القرن، وكان في صف الشعراء الكبار في العالم العربي.
كانت هذه مقدمة لا بد منها وأنا أتحدث عن محمد الثبيتي الشاعر في ذكراه الأولى. الثبيتي الشاعر الكبير الذي رآه النقاد في العالم العربي تجربة شعرية خصبة وعميقة. الشاعر الذي أتقن كتابة الشعر بشكليه العمودي والتفعيلة إلى حد أنه طغى على الشعراء المعاصرين له (باستثناء هامش للصيخان سأتحدث عنه في مقال قادم)، وتمتع بشخصية شعرية طاغية أعاقت الأجيال الشعرية التالية له من أي إبداع شعري حقيقي بسبب انهماكهم في محاكاته.
الشاعر الذي أتاحت له فرص الانفتاح النسبي في الثمانينات من القرن الماضي أن يغرق في مشروعه الشعري ليخرج الشعر السعودي من جموده، والذي نضج في أجواء النقاشات التي دارت آنذاك بين المحافظين والمجددين، الشاعر الذي تعمقت ثقافته، وقدمت له الحداثة إطاراً للتحديث، فمشروع محمد الثبيتي الشعري لم يكن مشروعاً شعرياً فقط، إنما جزء من غاية كبرى هي تحديث المجتمع السعودي ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً.
بدأ الثبيتي مشروعه الشعري كلاسيكياً، ومن قرأ ديوانيه الأولين يجدهما يعبران عن إنسان يبحث بشغف عن الأمل والحب، وأن الحلم والعشق والطيف والوهم شكلت مجالات دلالية خصبة في إطار شعري فضّل السرد الشعري والمناجاة والحوار.
يدرك قارئ الديوانين كم كان الثبيتي متفائلاً، مع مسحة من التشاؤم تظهر في بعض قصائدهما المتعلقة بالحياة، ويدرك أيضاً كم كان يجهد لكي يكون شعره صدى لما يجري في الحياة. ويدرك أن فيهما قصائد تبتهج وتنشد الحياة والعيش، لكن هناك أيضاً قصائد تطفح بالحنين، وشكوى الزمن، وهشاشة الأشياء.
شكلت علاقته بالدكتور سعيد السريحي نقطة تحول لكليهما. كانا موهوبيْن، لكن موهبة الثبيتي أجْفلت السريحي. وأمام موهبة الثبيتي لم يكن السريحي ليرضى أن يكتب شعراً أقل فنية مما يكتبه الثبيتي. لم يرد السريحي أن يكون تالياً في الشعر، ولا تابعاً أو محاكياً لموهبة آمن بها أيما إيمان. لكن هناك ما يملكه؛ الرؤية والثقافة العميقة والفهم الآسر لدقائق اللغة. وجد كل منهما في الآخر ما ينقصه. قد أدرك سعيد السريحي اللغة بموهبة شعرية أقل، وأدرك الثبيتي الشعر بعمق لغوي أدنى. لكن أحدهما نفث في الآخر، نفث السريحي تصوره للغة في موهبة الثبيتي الشعرية الأغزر. ونفث الثبيتي في السريحي روح الشعر في التصور اللغوي الأعمق. وبدَوْزَنة السريحي ونغم الثبيتي، كُتبت القصائد الفريدة في غزارتها وتنوعها وجودتها.
لقد كتب محمد الثبيتي أروع قصائده في ظل أقصى ضغط ثقافي وإعلامي يمكن تصوره، فقد اُتّهم بالزندقة، وأُخرج من باب خلفي في نادي جدة الأدبي خوفاً عليه من أن يعتدي عليه أحد. قوطع وشُتم، ووُجهت إليه رسائل تطفح بالشتائم والاتهامات بالعمالة.
ومع ذلك عمل على مشروعه الشعري؛ ليدلل (ليت الشباب يفهمون هذا) على أنه لا توجد علاقة مباشرة بين حرية الشاعر الشخصية وبين القيمة الجمالية الشعرية لقصائده. ولا توجد علاقة مباشرة بين ضعف الشعر (يمكن أن أعمم على الفنون الأخرى) والجو الثقافي المخنوق.
تشكل قصدية الثبيتي «التضاريس» محاولة فريدة في الشعر السعودي الحديث والمعاصر، لمعت فيها موهبة شاعر قلّ نظيرها، بلور فيها صلة بين لغة شعرية قديمة ولغة شعرية معاصرة، فجّرت قدرته على الاختلاق والإبداع، وتوسيع مجالات التعبير، واستثمار إمكانية الاشتقاق.
يمكن أن أختصر شعرية هذه القصيدة الفريدة في الاستخدام المكثف للمجاز، والتوازيات الصوتية، والاستعارات الممدودة إلى حدها الأقصى. إن قصيدة التضاريس تمرين تقني عالي المستوى، يتطلب تحكماً في اللغة، وتمرساً في استخدام الكلمة، وتمثلاً للإيقاع، وعمقاً في بناء الصور. يكشف كل هذا عن موهبة الثبيتي التي جعلته يكتب بتلك الطريقة التي لا يوجد لها مثيل في الشعر السعودي المعاصر. رحم الله محمد الثبيتي وأسكنه فسيح جناته.
* ناقد وروائي سعودي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.