الرزيزاء: تنظيم العلاقة الإيجارية بين المؤجر والمستأجر خطوة محورية في مسار تطوير السوق العقاري    إعادة تعريف تجربة العميل في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا: يونيفونك تتعاون مع "Groq" و"هيوماين" خلال مؤتمر E3 تمكين تجربة العميل في نسخته الخامسة    الفاران إلى المرتبة الحادية عشر    مستشفى الملك فهد الجامعي يفعّل اليوم العالمي للتوعية بأمراض القلب    "هدية" تطلق معرض "تاريخ مجيد في خدمة ضيوف الرحمن"    يحيى بن جنيد شخصية العام التراثية في احتفالية يوم المخطوط العربي 2025    ابن معمر: المملكة تضع الترجمة والابتكار في صميم رؤيتها الثقافية والتنموية    تشكيل النصر المتوقع أمام الزوراء    هيئة الإحصاء تنشر إحصاءات سوق العمل للربع الثاني 2025م.    "طبية" جامعة الملك سعود تسجّل براءة اختراع لأداة فموية متعددة الوظائف    افتتاح معرض "صوت التناغم" الصيني بالمتحف الوطني السعودي في الرياض    ترامب يؤكد دعم باكستان لخطته للسلام    دوري يلو.. الدرعية يلاحق العلا.. والرائد يحسم الديربي    انخفاض أسعار النفط    جذب الشركات العالمية للقطاع الثقافي.. «الثقافة» توقع مذكرة تفاهم مع «دويتشه» لتنمية المواهب    في ثاني جولات نخبة آسيا.. الهلال يتصدر بنقاط ناساف.. والأهلي يتعادل مع الدحيل    في الجولة الثانية من دوري أبطال أوروبا.. ريال مدريد وليفربول يبحثان عن التعويض.. ومورينيو يعود إلى «ستامفورد بريدج»    في الجولة الثانية من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الاتحاد يسعى لاستعادة الثقة أمام شباب الأهلي الإماراتي    جدة تتصدر جودة الحياة في السعودية    شدد على دعم المحتوى المحلي واستكمال مشاريع الجامعات.. «الشورى» يطالب بتطوير مبادرات القطاع غير الربحي    الجهات الأمنية تضبط 173 كجم من المخدرات    2.5 مليار دولار صكوك إعادة التمويل    مع ارتفاع نسبة مشاركة النساء.. سوريا تبدأ الدعاية الانتخابية لمجلس الشعب    مستشفيات غزة محاصرة.. والموت يطوق المرضى    انطلق برعاية ولي العهد.. بدر بن عبدالله خلال مؤتمر الاستثمار الثقافي: إطلاق جامعة الرياض للفنون قريباً    ميدفيديف يحذر أوروبا من حرب شاملة.. وزيلينسكي: روسيا لن تعيد رسم حدود أوكرانيا    «مطوفي الدول العربية» تحتفل باليوم الوطني ال 95 بفعاليات تراثية وفنون شعبية    أمَّن وصول المساعدات لأول مرة.. الجيش السوداني يكسر حصار الفاشر    الذكريات.. إرث يبقى بعد الرحيل    «أحذية» تقود هنديين للفوز بجائزة عالمية    نوم أقل.. وزن أكثر (1)    سعود بن نايف يكرم شركاء نجاح "سند"    المعلم أولًا..    سعود بن بندر يستقبل قائد المنطقة الشرقية    لبنان: «إسرائيل» تقصف مخزن أسلحة ل«حزب الله»    أربعة قتلى بنيران مسلح في ميشيغن.. وترمب يصفه بجزء من "وباء العنف"    الاتحاد يودع بلان.. وخليفة يطالب لاعبيه بنسيان النصر    أمير جازان يطلق فعاليات منتدى فكر    تكريم الفائزين بجائزة «صيتة» في الزلفي    أمير جازان يرعى ندوة "بلادنا تأريخ وحضارة" والتي ينظمها نادي الثقافة والفنون بصبيا    أمير حائل: المبادرات تدعم الحراك الرياضي والسياحي    ليلة الخذلان من لوران بلان    ‏قائد قوة جازان يزور المنطقة الخامسة ويشيد بالجاهزية القتالية للوحدات العسكرية    «محمية الإمام تركي» تنضم لبرنامج الإنسان والمحيط الحيوي    أمير الرياض يلتقي نائب وزير الحرس الوطني    لحظة انشغال.. نهاية مأساوية    «العظام والمفاصل» بمستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالمحمدية في جدة.. رعاية صحية وفق أعلى المعايير.. أميز الكفاءات.. وأحدث التجهيزات    الصندوق السعودي للأفلام يعتمد ريفيرا كونتنت اسما جديدا    100ألف ريال للاسم التجاري الجديد    الشورى لبنك التنمية الاجتماعية: استثمروا في التمويل الجماعي    فضيلة المستشار الشرعي بجازان يلقي كلمة ضمن برنامج تماسك في الكلية التقنية بصامطة    لا للتهجير أو الاحتلال.. البيت الأبيض ينشر خطة ترمب لإنهاء الحرب في غزة    بحضور الأمراء.. نائب أمير مكة يشارك في صلاة الميت على الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    نائب أمير تبوك يستقبل القنصل العام لجمهورية السودان    أول محمية ملكية سعودية ضمن برنامج اليونسكو    «هيئة الشورى» تحيل 20 موضوعاً للجان المتخصصة    نائب أمير الرياض يستقبل وزير الشؤون الإسلامية    أكثر من 53 مليون قاصد للحرمين خلال ربيع الأول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكلمات التي تستعبدنا ...الوطن، الأمة، الأغراب
نشر في الحياة يوم 08 - 01 - 2012

في ثنايا ربيع الاحتجاج العربي، اختلط مساران من الافكار والأهواء والمواقف. مسار اول عينه على أوجاع الداخل: الديكتاتورية، ومسار ثان يلهج برهاب الأجانب: التدخل الخارجي. الاول طغى على الثاني، في اول يقظة من وسن الارواح المستعبدة. فهو خطاب الجموع.
ونقول اول يقظة، لأن احصاء بسيطاً للحراك المعارض، يفيد بأن نحو 95 في المئة من حركات الاحتجاج العربية تركز على قضايا خارجية، وذلك منذ الخمسينات وحتى العقد الاول من الألفية السعيدة. وهناك لحظة استثناء، في هذا المسار، اسمه ثورات الخبز التي اندلعت في مصر (حزيران / يناير 1977)، ثم في تونس والمغرب والاردن، في الثمانينات، وأخيراً الجزائر، ثم انطفأت.
واليوم يساجل خطاب «التدخل الخارجي» على شفا الذبول، ليس لأن هذا التدخل لم يعد غير حميد بالمرة، بل لأن حامله، اي النظم المهدَّدة او الراحلة، يروم منه الاستمرار والبقاء في معادلة مستحيلة: الديكتاتورية في الوطن، شرط للانعتاق من الاغراب. ومقلوب المعادلة محال هو الآخر: التحرر من الديكتاتورية شرط السقوط في التبعية.
هذه المقابلات زائفة. وهي تتغذى على قرون من التمرغ في شرك الكلمات - الشعارات. نراها جلية في خطابات القذافي اللاهج بعبودية الاطلسي «الصليبية» لاخفاء عبودية ليبيا لأسرته. كما نراها في خطاب اتباع نظام مبارك، الباكين على مصر، وعلى «خراب السياحة» (لا تثوروا فالسياح لن يأتوا!)، ودمار اقتصاد «ام الدنيا»، التي يهرّب اساطين المال المباركيون منها سنوياً نحو 8 بلايين دولار الى المصارف الاجنبية.
وهو ايضاً خطاب البعث السوري، الذي لا يجد من ورقة توت يستر بها عريه سوى اشهار الحرص على «الممانعة» إزاء اسرائيل، وتكرار فكرة «المؤامرة الاجنبية»، واضعاً استبداد الحزب الواحد بمثابة ضمانة لتحرير الارض.
وتجد قيادات المعارضة في كل هذه الاوطان نفسها في حيرة، او في حياء إزاء حقيقة وجود قدر حميد من التدخل، وإزاء حقيقة ان ثمة قواعد عامة تلزم حكومات شتى الامم، بحدود معينة لسلوك حميد.
في حقبة الحرب الباردة، كان انتهاك هذه القواعد شاملاً، مثلما كانت الدعوة الى الالتزام بها اعتباطية، تقوم على هوى المصالح المتقلبة.
واليوم، بعد انصرام الحرب الباردة، باتت هذه القواعد اقل عرضة للاهواء، واكثر ميلاً الى التماسك، بحدود معينة.
النخب العربية تنظر بحياء الى هذا التحول مكبلة بماضيها، خجلة من ابداء اي رضا بتدخل قانوني، وجله من الافصاح عنه، هيابة من التفكير به، عدا استثناءات لا تزال قليلة.
هناك مثالان صارخان على ذلك: في ليبيا قام الحلف الاطلسي بدور القابلة لولادة ليبيا ما بعد القذافي، في اكبر عملية عسكرية من دون احتلال. وهو مآل لم يحظ بمساندة الجامعة العربية فحسب (للمرة الأولى في تاريخها) بل بمباركة اكبر شخصية اسلامية مصرية، نعني الشيخ القرضاوي. وثمة دعاء كان اسلاميو ليبيا يتضرعون به امام عدسات التلفزيون: «يا رب ارسل عليهم (اسرة القذافي) طيراً ابابيل» (صار القذافي إبرهة ممتطياً فيلته) و «يا رب ارسل عليهم طائرات الناتو». وبذا دخل الناتو في متن الفقه الاسلامي الحديث، كقوة انقاذ! لقد اعتدنا ان نرى في الاطلسي حلفاً عدوانياً، وهو هو ما كانه ايام الحرب الباردة، ويسؤنا ان يرتكب الآن فعلاً حميداً، فهذا مربك، خصوصاً اذا علمنا ان فرنسا وايطاليا تمتلكان، قبل الحملة، نحو 76 في المئة من استثمارات النفط في ليبيا، هبة من القذافي لكسب مودة عالمية مفتقدة، وان تكاليف الحملة باهظة في اسوأ ازمة اقتصادية.
مقابل هذا نجد اقطاب المعارضة السورية، يلهجون بفكرة رفض التدخل الخارجي. بينما، يطالبون صباح مساء بتدخل العالم لادانة نظام البعث وانقاذ الشعب السوري!
العالم صغير، منضغط في الزمان والمكان، مكشوف، مثل عراة في بيت زجاجي. فالصورة، والمعلومات، لم تعد قابلة للاحتكار، ما يولد تفاعلاً كثيفاً تتداخل فيه السياسة بالاقتصاد، والاخلاق بالمصالح، في لحظة مميزة في التاريخ آذنت بنهاية الحزب الواحد. هذا الميل العام، الجارف، ينغرس في وجدان الجموع، بوعي او بلا وعي، او بشبه وعي. وبدل الجدل البيزنطي للقادة حول رفض او قبول التدخل، الأجدى تعيين تخوم التدخل في اطار الضغط السياسي، والديبلوماسي، والاخلاقي والقانوني، والاقتصادي، وهي ضغوط مطلوبة. فالامم، هي افراد العالم، ومثلما يخضع الافراد للحساب والرقابة في المجتمع القومي، تخضع المجتمعات القومية، بالأحرى قادتها، الى الحساب والمساءلة في العالم، على قاعدة القانون البشري.
لقد صور بناة العقلانية منذ القرن الثامن عشر الدولة القومية بمثابة فرد في التاريخ، ولكن هذا الفرد، برأيهم، يتصرف في امور الحرب والسلم، داخل الاوطان وخارجها، مثل «صبي عاق» في حاجة الى عصا تأديب كيما يصل الى مرتبة كائن عاقل. ولاخفاء جنون الدولة المسعور ثمة خطاب الامة، الوطن، والسيادة، وهي كلمات - مفاهيم، حقيقية ومتخيلة، او كما يقول اهل المنطق الصوري، صادقة وكاذبة في آن.
فالامة جماعة حقيقية من البشر، والوطن وعاء مادي، اقليم ارضي، ملموس، تحفظه خرائط مودعة في الامم المتحدة بالسنتمتر، والسيادة، هي الجهاز السياسي، الممثل للجماعة، بوصف الجماعة المالك الحصري للاقليم، والمالك الحصري للجهاز السياسي.
هذا هو جانب الصدق، اما جانب الكذب فهو ان الجهاز السياسي، يمتلك الوعاء الجغرافي كما يمتلك الجماعة، امتلاكاً حصرياً بلا منازع، شأنه في ذلك شأن مالكي العبيد الارقاء في العصور الخوالي. ولكن بينما كان سادة العبيد ملزمين بتوفير القوت والمضجع للعبد، والدفاع عن حياته والحرص على تناسله وعافيته، والامتناع عن ايذائه جسدياً من دون مسوغ تجيزه الاعراف (اي القانون غير المدوّن)، فان مالك العبيد الحديث، (الدولة المسماة زوراً وطنية) يمتلك حق الحياة والموت باسم الامم والاوطان. ينبغي ان تعود هذه العلائق للوقوف على قدميها، بدل ان تبقى منتصبة على رأسها، كيما تستعيد صدقها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.