الذهب يستقر قرب أعلى مستوى قياسي وسط رهانات خفض "الفائدة" وعدم اليقين السياسي    من الاستدامة إلى التنافسية العالمية: هل تكفي رؤية 2030 لتجعل السعودية في الصدارة؟    القيادة تهنئ رئيس جمهورية غينيا رئيس الدولة بذكرى استقلال بلاده    الرياض.. منصة رئيسة للثقافة    وزارة الداخلية تشارك في معرض الصقور والصيد السعودي الدولي 2025 بمَلْهَم    "وقاء نجران" يُنظّم ورشة حول أهم الآفات التي تصيب البُنّ    وكيل محافظة الاحساء يزور فرع "ترابط" لرعاية المرضى    "هيئة العناية بالحرمين": 115 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر ربيع الأول    السدو.. رواية رفعة السبيعي    التكيُّف مع الواقع ليس ضعفًا بل وعي وذكاء وقوة    "التخصصي" في المدينة ينجح في إجراء زراعة رائدة للخلايا الجذعية    زلزال الفلبين: بحث يائس ومخاطر متصاعدة    هجوم حوثي صاروخي يستهدف سفينة هولندية في خليج عدن    اغتيال مرشح برلماني يهز طرطوس.. أردوغان يحذر من المساس بسلامة الأراضي السورية    قمة أوروبية لمواجهة تهديدات موسكو.. مفاوضات روسية – أمريكية مرتقبة    البنتاغون يواصل تقليص مهمته العسكرية بالعراق    أمراء ومسؤولون يقدمون التعازي والمواساة في وفاة الأميرة عبطا بنت عبدالعزيز    الشباب يبدأ مشواره الخليجي بالتعادل مع النهضة    الهلال يطلب عدم استدعاء نونيز لقائمة منتخب أوروغواي    البرتغالي روي بيدرو مدير رياضياً للنادي الأهلي    كلوب يرفض العودة.. «سباليتي وكونسيساو» الأقرب لتدريب الاتحاد    في الجولة الثانية من «يوروبا ليغ».. روما وأستون وفيلا وبورتو لتعزيز الانطلاقة القوية    إرث متوارث.. من قائد (موحد) إلى قائد (ملهم)    «التأمينات» اكتمال صرف معاشات أكتوبر للمتقاعدين    القبض على مقيمين لترويجهما 14 كجم «شبو»    تابع سير العمل ب«الجزائية».. الصمعاني: الالتزام بمعايير جودة الأحكام يرسخ العدالة    الصورة الذهنية الوطنية    «المرور»: استخدام «الفلشر» يحمي من المخاطر    شذرات.. لعيون الوطن في يوم عرسه    تسعى إلى إشراكهم في التنمية..«الموارد» : ترسيخ التحول الرقمي لخدمة كبار السن    الذكاء الاصطناعي بين الفرص والتحديات    رحب باستضافة السعودية مؤتمر«موندياكولت».. بدر بن فرحان: شراكة المملكة و«اليونسكو» تسهم في التنمية الثقافية    عرض «فيلم السلم والثعبان.. لعب عيال» في نوفمبر    كشف أسرار النقوش في صحراء النفود    5.9 مليار ريال تمويلات عقارية    ائتلاف القلوب    شذرات لعيون الوطن في يوم عرسه    تدشين منصة لتراخيص نزل الضيافة المؤقتة    صوت فلسطين    باحثون يطورون علاجاً يدعم فعالية «المضادات»    شيءٌ من الوعي خيرٌ من قنطار علاج    صداقة وتنمية    اختتام برنامج إعداد مدربين في مكافحة «الاتجار بالأشخاص»    تقليص ساعات العزاء والضيافة عن نساء صامطة    ملتقى لإمام وقاضي المدينة المنورة بن صالح    استئناف ممارسة رياضة الطيران الشراعي في السعودية    «الشؤون الإسلامية» تنفذ 23 ألف نشاط دعوي بالمدينة    مؤتمر الاستثمار يدعو للعمل الخيري في القطاع الثقافي    "جدة بيوتي ويك" يجمع رواد التجميل والابتكار في موسم جدة    معتمرة تعود من بلدها لاستلام طفلها الخديج    استعادة 15 مليون م2 أراض حكومية في ذهبان    نائب أمير تبوك يستقبل مدير عام الأحوال المدنية بالمنطقة    أمير جازان يستقبل وكيل وزارة الداخلية لشؤون الأفواج الأمنية    نزاهة تحقق مع 387 مشتبها به في قضايا فساد من 8 جهات حكومية    القيادة تهنئ رئيس الصين بذكرى اليوم الوطني لبلاده    بطل من وطن الأبطال    تقرير "911" على طاولة أمير الرياض    فيصل بن نواف: القطاعات الأمنية تحظى بدعم واهتمام القيادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأصولية اليهودية والأصولية المضادة في الشرق العربي
نشر في الحياة يوم 08 - 01 - 2012

ليس صحيحاً القول بأن صعود نجم أحزاب التيار الإسلامي في عواصم «الربيع العربي» هو مجرد صدى لتضخم دور القوى اليهودية الأصولية في تل أبيب. فلا المرجعية الإسلامية الزاحفة إلى عالم السياسة والحكم في دنيا العرب جديدة أو مستحدثة، ولا الجذر الديني التوراتي أمر طارئ بين يدي المشروع الصهيوني وروايته التاريخية المغشوشة.
ومع ذلك، لا يمكن الجزم بأن الحضور الطاغي للقوى الإسلامية في بؤرة المشهد السياسي العربي راهناً، يمثل ظاهرة معزولة كلياً عن تنامي التيار الديني الأصولي وتجلياته العنصرية العدوانية في إسرائيل. الأقرب إلى الصدق والصواب هو الدفع بأن الظاهرتين منفصلتان، تدور كل منهما في مدار مستقل، لكن بينهما دائرة تتقاطعان فيها وتتصلان بالتأثير والتأثر.
أما أنهما منفصلتان، فلأن المشروع الصهيوني الاستيطاني يستند في أساسه وبنيته الأيديولوجية إلى تصورات دينية توراتية، بصرف النظر عن صحة هذه التصورات أو زيفها. ومن المعلوم أن دعاة الصهيونية الأوائل وحماتها تلاقوا على اختيار فلسطين لتطبيق مشروعهم، دون سائر الأقاليم البديلة التي استعرضوها، بسبب جاذبيتها لليهود وما يرتبط بها من حنين ديني عاطفي جرى النفخ فيه بينهم عبر حملات دعائية فكرية جبارة.
كان توسل الأبعاد الدينية وما زال مدخلاً أصيلاً من مداخل استقطاب يهود العالم إلى المشروع الصهيوني. ولا يقل عن ذلك دلالة على أهمية استخدام هذه الأبعاد وتوظيفها، تأكيد مركزية مدينة القدس في الوجدان اليهودي وتكرار الإشارة إلى أسطورة الهيكل وإعادة بنائه. ولنا أن نلاحظ مدى سيطرة الرواية الدينية على عشرات الملايين من مسيحيي الغرب الذين يعتقدون أن قيام إسرائيل واستيطانها يهودياً، يعجلان في عودة المخلص قبل نهاية العالم. في المقابل، لا يمكن فهم البنية التحتية الثقافية للأمة العربية بمعزل عن العقيدة الإسلامية. وفي فقه قيام الحضارات وقعودها، لا يتحدث أهل الذكر عن فعل حضاري عربي إلا مقترناً بالإسلام. لذا، فإن الأكثر تداولاً واستقراراً في هذا الفقه هو مصطلح الحضارة العربية الإسلامية. ويغالي البعض هنا إلى مستوى إنكار أنه كان للعرب حضارات سابقة لانتشار الإسلام.
ومن تجليات العروة الوثقى بين العروبة والعرب والإسلام، عدم التفات العرب إلى قومية بعض الحكام وذوي الأمر والنهي عليهم ما داموا من المسلمين. وبقيت هذه السمة منذ إطلالة الإسلام إلى نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار الخلافة العثمانية على وجه التقريب. وطبقاً لهذا الاقتناع لم ينظر العرب إلى الخلفاء الأتراك على أنهم مستعمرون. وإلى ربع الساعة الأخير من حياة الدولة العثمانية، ظلت قطاعات عربية واسعة عثمانية الهوى، ترغب في إصلاح أحوال هذه الدولة وليس زوالها. على أن هناك شواهد توجب اعتبار أن حركة التيار الإسلامي في العالم العربي عموماً، تأثرت بوتيرة أو بأخرى بما يمثله المشروع الصهيوني من تحديات دينية. فقبل مئة عام تواكبت المشاورات الدولية الغربية حول تطبيق المشروع الصهيوني، مع السعي العربى للانفكاك على أسس قومية من أسر الحكم العثماني الممتد تحت ضغط الآصرة الإسلامية. وغداة أفول ذلك الحكم، كان يمكن الفكرة القومية العربية أن تتجذر أكثر على حساب النوازع الإسلامية الدينية السياسية التقليدية، لولا عدد من الكوابح، أبرزها: خيانة الغرب القوميين العرب عبر اتفاقية سايكس بيكو السيئة الذكر، ودعم المشروع الصهيوني بكل مضامينه الدينية. وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن الملك فيصل الأول بن الحسين هو صاحب مقولة «الدين لله والوطن للجميع»، التي اشتهرت إلى يومنا هذا كدليل على الدولة المدنية الخالية من الانحيازت الدينية.
والحاصل أن سيرورة الصراع الصهيوني العربي، وإحباط القوى القومية العربية مراراً، أعادا البريق وقوة الدفع والجاذبية إلى أصحاب الرؤى الدينية في الرحاب السياسية العربية. ومن ذلك على سبيل المثال، أن نفراً من هؤلاء فسر هزيمة العرب عام 1967 بابتعادهم من الإسلام وتعاليمه واضطهاد قواه السياسية. ثم إن مغالاة بعض القوى الدينية الإسرائيلية الشديدة التطرف في إبراز الطابع الديني للصراع وإصرارها على تهويد القدس، بل وتهويد فلسطين التاريخية برمتها إن أمكن، كانا ولا يزالان دافعين كافيَين لإذكاء رؤية مضادة مقاومة في الجانب العربي، تقول أن فلسطين أرض وقف إسلامي وأن القدس مسرى النبي محمد (عليه الصلاة والسلام) وأولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وأنه لا يجوز التفريط في ذلك كله بالمطلق.
في الوقت الراهن، تتزامن وتتوازى محاولات تأكيد يهودية دولة إسرائيل مع بلوغ القوى الإسلامية مواقع فاعلة ومتقدمة في المشهد السياسي العربي. وسواء جاء هذا التزامن بمحض الصدفة أو كان تجلياً لفعل صهيوني إسرائيلي استدعى رداً عربياً إسلامياً، فالأرجح أنه سيؤدي إلى تعقيدات مضافة لعملية التسوية، ذلك لأن الصراعات المشحونة بالأبعاد الروحية الدينية نادراً ما تقبل التسويات العابرة أو الحلول الوسط.
* كاتب فلسطيني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.