عندما أعلنت «انفستكورب» أخيراً تحقيق قفزة كبيرة في أرباحها وعزتها جزئياً إلى استقرار قطاع العقار الأميركي بعد خمس سنوات من أزمة كارثية مكلفة، لم تكن تتحدث بالأماني أو بنبرة تفاؤلية طال انتظارها خصوصاً أنها ضخت للتو 300 مليون دولار لتعزيز موقعها في هذا القطاع الأكثر جاذبية للاستثمارات الخليجية. وتعتبر «انفستكورب» ونظيرتها البحرينية «آركبيتا» إضافة إلى «دبي العالمية» الإماراتية أبرز الشركات الاستثمارية الخليجية الناشطة في سوق العقار الأميركي وإن كانت استثماراتها تشكل جزءاً يسيراً من رؤوس الأموال الخليجية الموظفة في الاستحواذ المباشر على الأصول العقارية ونشاط التمويل العقاري غير المباشر وناهزت قيمتها في ذروتها عشية انفجار الأزمة المالية 100 بليون دولار. استثمارات ضخمة وتعكس ضخامة الاستثمارات الخليجية، التي تقابلها استثمارات أميركية مباشرة في دول مجلس التعاون الخليجي قدَّرت مجموعة من باحثي كلية العلاقات الخارجية في جامعة جورج واشنطن قيمتها ينحو 250 بليون دولار، مدى ارتباط ربحيتها البديهي بتعافي قطاع العقار الأميركي وزوال آثار فضيحة الرهون العقارية الرديئة التي أوقعت هذا القطاع ومعه الاقتصاد الأميركي في أزمته التاريخية. وظهرت دلائل استقرار سوق العقار الأميركي في النصف الأول من 2011 بينما لم تتأكد أولى مؤشرات التعافي إلا عندما أعلنت وزارة التجارة الثلثاء الماضي تسجيل قفزة غير متوقعة في مشاريع إنشاء العمارات ذات الوحدات السكنية المتعددة إذ ارتفع معدل الشروع ببناء هذه العمارات، المخصصة للإيجار وتشكل عنصراً ثابتاً في المحافظ العقارية للاستثمارات الخليجية، بنسبة تزيد على 25 في المئة في تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت. وشدد وزير التجارة جون براسون على أهمية الانتعاش القوي في حركة بناء العمارات واعتبره، إلى جانب مؤشرات أخرى خصوصاً ارتفاع معدلات الإيجار في الآونة الأخيرة، «دليلاً أكيداً على تعافي قطاع العقار السكني ومقدمة لأنباء سارة للاقتصاد الأميركي في العام الجديد 2012». لكن أبرز دلائل الاستقرار وربما بداية التعافي تجسد في تباطؤ وتيرة انخفاض أسعار المنازل حيث بلغت نسبة التراجع السنوي في الفصل الثالث من السنة الحالية في مؤشر «ستاندرد آند بورز/ كيس شيلر» 3.9 في المئة بالمقارنة مع 5.8 في المئة في الفصل الثاني، ويولي معظم المحللين أهمية خاصة لهذا التباطؤ فعلى رغم توقع أن يشهد العام المقبل المزيد من الانخفاض قبل الانتقال إلى مسار تصاعدي في النصف الثاني من 2012 أو 2013 هناك اعتقاد شبه جازم أن قطاع العقار الأميركي وضع الأسوأ خلف ظهره. تفاؤل ويستند المتفائلون بقرب انتهاء كارثة قطاع العقار الأميركي إلى الكثير من المؤشرات المهمة في مقدمها تخلي أسعار السكن عن كل المكاسب التي حققتها في سني الطفرة منخفضة بنهاية الفصل الثالث من 2011 بنسة 38 في المئة من ذروتها في منتصف 2006 إضافة إلى انتعاش مبيعات المنازل في النصف الثاني من السنة الحالية وانخفاض أسعار الفائدة على الرهون العقارية وكذلك ارتفاع السيولة لدى شركات الاستثمار العقاري ولا سيما الخليجية إلى مستويات قياسية. وكشفت أحدث تقارير مجلس الاحتياط الفيديرالي (البنك المركزي) أن قطاع السكن الأميركي تخلى عن 5.6 ترليون دولار من مكاسب سني الطفرة بنهاية 2009 ثم رفع خسائره إلى 6.6 ترليون بنهاية أيلول (سبتمبر) الماضي بثبات ولكن ببطء ملحوظ دأبت إدارة الرئيس باراك أوباما على إرجاعه إلى حزمة برامج الدعم الشديدة السخاء التي طبقتها في وقت مبكر من الأزمة المالية وما صاحبها من انكماش في النشاط الاقتصادي. وتمثل هدف برامج الدعم الفيديرالي في إنقاذ مؤسسات التمويل العقاري شبه الحكومية المتورطة في فضيحة الرهون الرديئة من إفلاس محقق ذي تداعيات كارثية ليس على قطاع السكن والاقتصاد عموماً بل أيضاً على الاستثمارات الأجنبية، وشملت هذه البرامج ضخ وزارة الخزانة 200 بليون دولار لتملك 80 في المئة من أسهم «فريدي ماك» و «فاني ماي» علاوة على استحواذ البنك المركزي على ما قيمته 1.5 ترليون دولار من السندات المورقة على الرهون وسندات الدين التي أصدرتهما هاتان المؤسستان اللتان تتمتعان بضمانات فيديرالية غير مدونة. وساهمت برامج الدعم في التقليل من مخاوف الاستثمار الخليجي وبصورة أعم الأجنبي من دون أن تقضي عليها كلياً، فبعدما بلغت هذه الاستثمارات ذروتها في 2008 عند 1.5 تريليون دولار من ضمنها 60 بليوناً من الاستثمارات الخليجية عادت وانخفضت بحلول منتصف السنة الماضية إلى نحو ترليون دولار وكذلك فعلت الاستثمارات الخليجية الطويلة الأجل التي تراجعت هي الأخرى، في عملية نزوح مستمرة، إلى 16 بليوناً.