أكدت عضو مجلس الاحتياط الفيديرالي (المركزي الأميركي) المحافظة اليزابيث ديوك، في عرض مفصل لآفاق القطاعات الرئيسة في الاقتصاد الأميركي، أن أوضاع العقار التجاري تزداد تدهوراً لكنها شددت على أن متاعب القطاع الذي تزيد حجم ائتماناته العقارية على ثلاثة تريليونات دولار، لم تنجم عن تخمة في البناء كما الحال في أزمة بداية تسعينات القرن الماضي، وإنما عن ظروف اقتصادية صعبة. وتوقعت أن يبدأ القطاع بالتعافي تدريجاً حالما يعزز الاقتصاد أداءه بما يسمح في حدوث تحسن ملموس في سوق العمل. وخرج العقار التجاري بأنواعه الأربعة الرئيسة، بروج المكاتب والمجمعات التجارية وأبنية المصانع وشقق البيع والإيجار الفاخرة، واحداً من ضحايا أزمة الائتمان العالمية، غير أن متاعبه انحصرت إلى حد كبير في الولاياتالمتحدة والمملكة المتحدة، وبدرجة أقل في استراليا وإسبانيا واليابان. ووفقاً لمؤسسة البحوث الأميركية «ريل كابيتال اناليتكس» المتخصصة في العقار التجاري، انفردت أميركا وبريطانيا بنحو 90 في المئة من صروح القطاع المتعثرة التي تقدر قيمة رهونها على المستوى العالمي بنحو 240 بليون دولار. وفي أميركا، حيث تزيد قيمة رهون الصروح المتعثرة على 175 بليون دولار، ويتوقع محللون أن تزيد خسائر المصارف المساهمة بخاصةٍ الصغيرة والمتوسطة، على 100 بليون دولار، بدأت متاعب القطاع في تشرين الأول (أكتوبر) 2007 وتفاقمت تدريجاً لتنتهي إلى انخفاض الأسعار في مؤشر «موديز للعقار الجاري» بنسبة 45 في المئة نهاية تشرين الأول 2009. وحدث معظم الانهيار خلال العام الماضي ولم يستثن أي من أنواع العقار التجاري وإن كانت خسائر المجمعات التجارية أقل من غيرها بفارق كبير نسبياً. لكن أكثر ما يحير المتخصصين في شؤون القطاع، أن انهيار الأسعار لم يشجع المستثمرين المحلّيين أو الأجانب على «اقتناص الفرص المغرية»، وأعلن «اتحاد مصرفيي الرهون» أن مبيعات العقار التجاري انخفضت 72 في المئة في الفصل الثالث 2009 مقارنةً مع الفترة ذاتها من 2008، التي شهدت بدورها انخفاضاً بنسبة 66 في المئة مقارنة مع الفصل ذاته من 2007، مشيراً إلى تأثر كل أنواع العقارات التجارية بلا استثناء. ولفت الاتحاد إلى أن عام 2007 شهد تحليق قيمة المبيعات إلى ذروة تاريخية متجاوزة مبلغ 425 بليون دولار، بينما يستبعد أن تكون تجاوزت مستوى 40 بليوناً في 2009. وفي منهاتن (نيويورك) حيث انخفضت أسعار بروج المكاتب 40 في المئة منذ الذروة انهارت المبيعات بحسب تقرير نشرته «ايسترن كونسوليديتيد»، إلى 5.5 بليون دولار في 2009 من 63 بليوناً 2007. ويعود إحجام الاستثمارات على ما يبدو، إلى الكابوس المطبق على القطاع، فعلى سبيل المثال اتفقت «دبي العالمية» في 2007 على مشاركة «إم جي إم ميراج» في تمويل مشروع «سيتي سنتر» في لاس فيغاس (مناصفة)، وهو مجمع ضخم متعدد الأغراض تكلفته 8.5 بليون دولار، وافتتح ضمن احتفالات العام الجديد. وشمل الاتفاق تملك دبي العالمية نحو 28 مليون سهم بسعر 84 دولاراً للسهم، إلا أن سعر سهم الشركة الأميركية انخفض إلى أقل من دولارين في آذار (مارس) الماضي وإن كان ارتفع إلى 12 دولاراً قبل أيام. ويفسر كابوس القطاع وتقلباته الحادة انخفاض حصة العقار التجاري الأميركي في الاستثمارات العربية – الخليجية المباشرة من 50 في المئة بداية العقد الأول من الألفية الثالثة إلى 25 في المئة في نهايته على رغم ارتفاعها إلى أربعة أمثالها، من 9 بلايين دولار سنة ألفين إلى 36 بليوناً نهاية الفصل الثالث من 2009 وفقاً لتقارير لوزارة التجارة ومكتب التحليلات الاقتصادية، وتعود في غالبيتها إلى مستثمرين من السعودية والإمارات والكويت وقطر ولبنان.