تعاظمت المخاوف مع إعادة بسط الكرملين سلطته على مصادر الطاقة الروسية. والقرينة على هذا هي بروز دور شركة"روسنفت". وكانت"روسنفت"، وهي أسست في 1993، شركة قابضة عادية تستغل بعض حقول النفط، الى أن وضعت يدها على أصول شركة"يوكوس"التي اشترتها اسمياً من شركة مالية مجهولة الهوية، عنوانها مقهى في مدينة تير. وعندها أصبحت"روسنفت"ثالث أكبر شركة نفطية في البلاد، يبلغ إنتاجها 1.5 مليون برميل نفط يومياً. ورئيس الشركة، بوغدانشيكوف، خبير في مجال النفط. وأما رئيس مجلس إدارتها، إيغور سيشين، فكان نائب رئيس الأركان في قيادة بوتين. وپ"غازبروم"، الشركة الحكومية التي تسيطر على 90 في المئة من انتاج النفط الروسي تقريباً، وثيقة الارتباط بالكرملين. ويشغل النائب الأول لرئيس الوزراء، ديميتري ميدفيديف، منصب رئيس مجلس الإدارة. وهو وريث بوتين المرجح. وبعد تأزم علاقتها بأوكرانيا، تسعى الشركة الى امتلاك شركة توزيع النفط في بلدان أخرى. وهي اشترت قاعدة العملاء الصناعية والتجارية للشركة البريطانية الخاصة،"بينين ناتشورال غاز". ويحتمل أن يكون حقل أنابيب النفط القطاع الآتي الذي تزمع الدولة وضع يدها عليه. وتفيد الوثائق الرسمية التي ألقت"تايم"نظرة عليها، عن تحركات في الكرملين تخطط الى احتكار مشغّل الأنابيب،"ترانسنيفت"، قطاع أنابيب النفط والغاز. في شباط فبراير الماضي، رفع وزير الصناعة والطاقة الروسي، فيكتور كريستنكو، تقريراً الى بوتين اقترح أن تمتلك"ترانسنيفت"الحصة الروسية في كونسورتيوم أنابيب قزوين. وهي شركة تملكها حكومتا كازاخستان وعُمان، وتسيّر أنبوب نفط طوله 1.500 كلم من غرب كازاخستان الى مرأب بحري في مرفأ نوفوروسيك على البحر الأسود. وليست السياسة نعمة على الدوام. فروسيا تدعم مالياً بعض شحنات"روسنفت"في القطار من حقول فانكور الى الصين. وهي قادرة على بيع الكمية نفسها الى أوروبا من دون حاجة الى دعمها، فتقلل تكلفة النقل المرتفعة. وعلى هذا، ترجح كفة تحسين العلاقات السياسية بالصين على كفة الاعتبارات الاقتصادية. ويقدّر فلاديمير ريزكوف، عضو الدوما المستقل، ان الباعث الأول على الخلاف مع أوكرانيا، أوائل العام الجاري، كان رغبة"غازبرزم"في زيادة أسعارها،"وليس الرغبة في إحياء الامبراطورية الروسية أو معاقبة الرئيس الأوكراني فيكتور يوتشنكو". ويفيد نائب سابق لوزير النفط الروسي، فلاديمير ميلوف، أن كبار المسؤولين، وأولهم بوتين، تقلقهم المسائل العائدة الى المؤسسات وعملها. وكتب ميلوف في صحيفة"نوفايا غازيتا"الروسية ونصف الشهرية:"ذهلت عندما اكتشفت ان الجزء الأعظم من العمل في مكتب الرئيس يدور على تفاصيل قطاع النفط. وشعرت أن بوتين ينهض بجزء كبير من مسؤوليات مدير غازبروم". ويؤدي التباس الأدوار هذا الى التباس تناول أوروبا السياسة الروسية. والقرينة على هذا أن"ورقة خضراء"، نشرتها اللجنة الأوروبية في آذار مارس، دعت الى انتهاج سياسة طاقة خارجية مشتركة، ركنها تنسيق العلاقات مع روسيا وپ"الأوبك". والحق أن سرعان ما اصطدمت الورقة باعتراضات حكومات الاتحاد الاوروبي التي ترغب كل واحدة منها في صوغ سياساتها الطاقية على حدة. فبولندا، مثلاً، تخشى روسيا بوتين، جارتها الكبيرة الى الشرق، وتقلقها الخسارة المرتبة عن تعاون روسياوألمانيا. وأما ألمانيا، أكبر زبائن روسيا في أوروبا الغربية، فتميل الى اعتماد الموارد الروسية على نحو واسع. ويشغل المستشار الألماني السابق، غيرهارد شرودر رئاسة مجلس مراقبة شركة مشتركة بين"غازبروم"وشركتين ألمانيتين. وتتولى هذه مد أنبوب غاز في البحر يصل روسيابألمانيا. ولعل السبب في تعاظم الاستيراد الألماني الاعتقاد بأن روسيا هي"أفضل البدائل عن الشرق الأوسط". وتختلط بعض المراءاة بالمخاوف الغربية من سياسة الطاقة الروسية. فيلاحظ جوناثان شتيرن من مؤسسة اكسفورد لدراسات الطاقة ان الدولة تملك الجزء الأكبر من شركات الطاقة الوطنية بفرنسا وإيطاليا. والدولة في البلدين تقرر هوية مديري الشركات هذه. ومن غير تردد، وقّعت غير دولة أوروبية عقود غاز مع الروس تلبي حاجاتها الى 2015. ويتوقع ان يتعاظم الطلب الأوروبي على الطاقة، فيما تحتاج روسيا من جهتها الى رؤوس الأموال الغربية إذا أرادت المضي على زيادة إنتاجها من النفط والغاز. ويتوقع أن تبلغ الاستثمارات أكثر من ثلاثمئة بليون دولار في 2030، في قطاع الغاز وحده. واستثمرت شركة"بريتيش بتروليوم"مثلاً 8 بلايين دولار في مشروع مشترك على الأراضي الروسية. ويقول جون براون، المسؤول التنفيذي في الشركة، ان روسيا"أحد البلدان الأقوى ضماناً لواردات النفط الى أوروبا والعالم". ولكن بلداً يسجن أحد أنجح رجال أعماله، أو يمنعه من الدخول اليه، يسود الاعتقاد بأنه غير موثوق. ولا تتستر الكلمات المعسولة التي يتلفظ بها مدير"روسنفت"، أو بوتين نفسه، على هذه الحقيقة. عن بيتر غيمبل ، "تايم" الأميركية ، 10\7\2006