قنبلة هيروشيما في اليابان أتت على كل ما هو حي وقضت على الاخضر واليابس باستثناء شيء واحد استطاع ان يتحدى القنبلة وهو الجينكو الذي تمكن من الانبعاث من بين الانقاض في الربيع التالي لإلقاء القنبلة الذرية، ومنذ ذلك اليوم زاد اعجاب الباحثين به وكثرت التحريات لكشف أسراره. والجينكو شجر معمر عرف منذ اكثر من 300 مليون سنة، موطنه الاصلي الصين، إذ يعتبر عندهم كنبات مقدس وهو متوافر على شكل ذكر وأنثى، إلا أن هناك صعوبة جمة في التمييز بين الجنسين. يتمتع الجينكو بقدرة خارقة جعلته يواجه كل عاديات الزمن البيئية والجوية، وحتى القنبلة الذرية لم تقدر على محوه من خارطة الطبيعة فهو نبات عنيد مقاوم جبار لا يخشى برودة الشتاء ولا حرّ الصيف ولا التلوث ولا الميكروبات وحتى الحشرات لا تسبب له سوى خدوش سطحية لا تكاد تذكر. عرف الصينيون شجرة الجينكو منذ اكثر من 4000 سنة وهم يستفيدون منه كله تقريباً، من خشبه وقشرته وفاكهته وأوراقه، وهذه الاخيرة لها مزاياها الطبية سنحاول في الحال المرور عليها لنتعرف على فوائدها. الباحث الاميركي جيرالد. س. وينتر كان من بين اكثر المهتمين بشجر الجينكو. وفي هذا الخصوص قام العام 1979 بدراسة على الجرذان لمعرفة مدى تأثير خلاصة اوراق الجينكو على الوظائف الادراكية عندها، وبعد مرور اشهر على علفها يومياً بخلاصة أوراق الجينكو لاحظ الباحث ان الجرذان غدت اكثر حيوية ونشاطاً وأكثر مقاومة للسرطان اضافة الى انها عاشت لمدة اطول من الاخريات اللاتي لم يحصل لها شرف تناول اوراق الجينكو ، وبناء على هذا فقد خلص الباحث وينتر الى ان اوراق الشجر تملك آثاراً ايجاربية على صعيد الوظائف الادراكية كما انها تطيل العمر. وفي محاولة لتفسير خصائص الجينكو الدماغية وجد العلماء ان اوراقه تزخر بمضادات اكسدة قوية لها فائدتها في قمع الافعال المدمرة للجذور الكيماوية الحرة التي تحاول جهدها النيل من الخلايا الدماغية مؤدية الى انحرافها عن وظائفها كما هو الحال في داء الخرف الشيخي الزهايمر الذي يترافق بضياع الذاكرة مع اضطراب في القدرات الادراكية، وبناء على ذلك فان الباحثين يوصون باعطاء الجينكو لمنع الجذور الحرة من التراكم في المخ لكي لا يخلو لها الجو فتعمل على هواها. أيضاً يملك الجينكو خواصاً ايجابية على الدورة الدموية فغناه بمضادات الاكسدة المعروفة بالفلافونيدات يمكنه من توسيع الشرايين والأوردة، وهذا ما يؤدي الى تدفق الدم الى الاعضاء الحيوية والمهمة كالدماغ والقلب، وقد استطاع البحاثة ان يستدلوا بأن الجينكو يسهم في زيادة واردات الدماغ من سكر الغلوكوز الذي يعتبر الغذاء الرئيسي لخلاياه، وهذا يعني زيادة فعالية المخ خصوصاً على مستوى الذاكرة. وفي دراسة المانية سابقة افاد المشرفون عليها ان الجينكو يسهم في تحسين الوظائف العقلية عند المصابين بداء الزهايمر 309 اشخاص من المتطوعين المصابين بالمرض قبلوا الخضوع لدراسة قُسموا فيها الى مجموعتين: المجموعة الاولى تناول افرادها كبسولات حاوية على الجينكو، أما المجموعة الاخرى فقد اخذ اعضاؤها مادة البلاسيبو عديمة الاثر، وفي ختام الدراسة التي استغرقت 6 اشهر سجل العلماء نتائج ايجابية على صعيد القدرات المخية عند الذين استهلكوا خلاصة الجينكو اذ بلغت نسبة تحسن القدرة الفكرية عندهم 35 في المئة، بينما لم تتعد ال13 في المئة عند المجموعة التي اخذت الحبوب الوهمية. وطبعاً ان هذه النتائج مبدئية وليست نهائية لانها لم تستغرق مدة طويلة من الزمن لمعرفة فوائد الجينكو على المدى الطويل. اما على صعيد الدوران الدموي فحدّث ولا حرج، فقد كشفت الابحاث ان الجينكو يقف حجر عثرة امام تكدس الصفيحات الدموية داخل الاوعية بحيث يمنع تكوّن وتشكّل الجلطات المسؤولة عن الكثير من الازمات الصحية القلبية والدماغية. ان الجينكو يعمل على تسهيل سيولة الدم، وبهذا فهو يقوم على تحسين الدورة الدموية وخصوصاً على مستوى الاوعية الدقيقة وهذا ما دعا بعض المختصين الى وصف الجينكو لمعالجة بعض الامراض الوعائية مثل داء رينو وداء العرج المتقطع في الطرفين السفليين. وفي ما يتعلق بالجنس فلا توجد اي دراسة تلمح من قريب او بعيد بفائدة الجينكو في هذا المجال، بالمقابل هناك دراسة حديثة قالت إن تناول الجينكو مفيد في اصلاح الخلل الجنسي الناتج عن اخذ الادوية المضادة للخمود النفسي، ففي دراسة طاولت 33 رجلاً وامرأة يتعالجون بتلك الادوية لاحظ الباحثون ان اعطاء الجينكو ساهم في ازالة الاضطراب الجنسي بنسبة تجاوزت 80 في المئة. أخيراً فإن آخر الاخبار المتعلقة بالجينكو ذكرت بأنه يحسّن النظر عند المصابين بمرض ارتفاع الضغط داخل العين والمسمى ب"غلوكوما" ففي بلاد الطليان اجريت دراسة شملت 16 امرأة و11 رجلاً يعانون من الغلوكوما، قسم منهم تناول 40 ملغ من خلاصة الجينكو 3 مرات في اليوم ولمدة 3 اشهر، في حين ان القسم الآخر وُضع افراده تحت عقار البلاسيبو عديم النفع، وعندما شارفت الدراسة على نهايتها تم ايقافها لمدة 8 اسابيع استراحة لتبدأ الدراسة مرة ثانية، ولكن مع عكس الطريقة العلاجية في المجموعتين لمدة 3 اشهر اخرى. وطوال فترة الدراسة قام البحاثة بمراقبة شيئين هما: ساحة الرؤية والضغط داخل العين، وفي الختام توصل العلماء الى ما معناه ان خلاصة الجينكو ساهمت في تحسين البصر ولكن لم تسجل اية فائدة تذكر مع البلاسيبو. اما عن سبب تحسن الرؤية فيعتقد البحاثة ان الجينكو ييسر سريان الدم نحو العصب البصري وهذا ما يفسر سره في تقوية النظر