غالباً ما يعتبر فقدان شخص عزيز غيبه الموت أو الفراق تجربة مؤلمة بالمعنى الحرفي للكلمة، ولكن ما مدى صحة هذا التعبير في ما يحدث فعلاً في دماغ الانسان؟ للاجابة على هذا السؤال لجأ فريق من العلماء في كلية علم النفس التابعة لجامعة كاليفورنيا الاميركية الى استخدام تقنية تصوير الرنين المغناطيسي لمعرفة ما يجري فعلا في الجملة العصبية في دماغ الانسان. وأظهرت التجربة ان المناطق الناشطة في الدماغ لدى الاصابة بأوجاع جسدية هي نفسها في حال الآلام العاطفية المتعلقة بالشعور بالاستبعاد ورفض الآخرين الذي يؤدي الى الانطواء على النفس. لقد طلب فريق الباحثين من 13 مشتركاً متطوعاً مشاهدة مباراة كرة مضرب على شكل ألعاب فيديو الكترونية وتحكموا بعملية تدفق الدماء في ادمغتهم بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي، واكتفى المشاركون في فترة اختبار أولية بلعب دور المتفرج ثم شرع كل منهم في الاختبار الحقيقي بلعب شوط وبعد فترة قصيرة توقف اثنان من اللاعبين الافتراضيين في البرنامج المعلوماتي عن ارسال كرة المضرب الى المشاركين فشعر المتطوعون فجأة بالاستبعاد وشعروا بألم جسدي أظهره التغير الكبير في تدفق الدم في منطقتين أساسيتين في الدماغ، القشرة الدماغية الأمامية التي تلعب دوراً مهماً في تنشيط وتحريك الألم الجسدي. وأظهرت صور الرنين المغناطيسي ان نشاط هذه المنطقة بدأ بالتصاعد لدى المتطوعين في الوقت نفسه الذي شعروا فيه. اما الجزء فيقع في داخل القشرة الدماغية القريبة من جهة ما قبل الجبهة الجبين، وسجلت نشاطاً من نوع آخر ازداد طرداً مع تناقص الشعور بالاستبعاد. وتدل نتائج هذه التجربة ان الجزءين المذكورين من الدماغ يتعرضان للتحريض عندما يعاني الانسان من الشعور بالاستبعاد والرفض، وينعكس ذلك الاماً نفسية لدى الشخص، فالقشرة الدماغية الامامية تلعب دورا مهما واساسيا في إحداث الضيق والأذى العاطفي في حين تقوم القشرة الواقعة ما قبل الجبين بتنظيم العواطف لتخفيف الشعور المؤلم. وتطابقت نتائج هذه الدراسة الميدانية مع الفكرة العلمية السائدة بأن الآلام العاطفية والأوجاع الجسدية تتأتى في المناطق نفسها في الدماغ، وثبتت نتائج اختبار ميداني أجراه الباحثون قبل 25 عاما أظهر ان المركبات الكيماوية العصبية التي تخفف الاوجاع الجسدية تساعد ايضاً على تخطي الآلام النفسية الناتجة عن انفصال الحيوانات عن القطيع الذي تعيش معه. يذكر هنا ان هذه التجربة تناولت الصيصان الكتاكيت والفئران والكلاب والقطط ولم يتم استخدام تقنية الرنين المغناطيسي فيها. ويعتزم فريق العلماء في جامعة كاليفورنيا تعميق هذه الدراسة لتشمل لاحقاً اشخاصاً يعانون من انفصال حقيقي عن شخص عزيز غيبه الموت أو قرر قطع العلاقات نهائياً مع من يحب وذلك باتباع تصوير مناطق الدماغ المسؤولة عن الآلام والاوجاع بتقنية الرنين المغناطيسي.