تنهد المثقف الغربي وقال لجليسه المثقف العربي بغمّ ومرارة: لا تحسدونا نحن الغربيين على ما نحن فيه، فلو بدأت باحصاء القضايا التي نواجهها والمشاكل التي نعاني منها، لما انتهيت حتى الالفية الرابعة. ومن أين ابدأ، والله لا اعلم، فكلها متداخلة متشابكة مع بعضها كأحلام المجانين. فهناك وقبل كل شيء مشكلة المخدرات والادمان الذي اخذ ينتشر حتى في المدارس الابتدائية، بل ان هناك بعض الدول اخذت تشرّع تعاطيها، وعلى نفقتها. قضية الملونين، وتعاطفهم، وولائهم المطلق لجذورهم، ومنابتهم الاصلية، وعدم اندماجهم حتى بين الاوساط التي يعملون فيها ويعتاشون منها. الثلوج والفيضانات والاعاصير الموسمية من جهة، والتلوث والتصحر، وثقب الاوزون من جهة ثانية، ثم هناك ظاهرة الاحتباس الحراري حول الغلاف الجوي للكرة الارضية. مشكلة الخلافات المزمنة حول التسويق الزراعي بين دول اميركا اللاتينية، والشمالية والاتحاد الاوروبي. مشكلة جنون البقر، وجنون البشر وخاصة في اعياد الميلاد ورأس السنة. الغاء الحدود المشتركة بين الدول الاوروبية، واحتمال ادخال واخراج أي شيء من دون أية مراقبة أو مساءلة. استخدام اليورانيوم المستنفذ في بعض الحروب الاقليمية، وما يسببه من مشاكل صحية ودولية. الصراع المستمر على مصادر الطاقة، والسهر الدؤوب لايجاد بدائل لها في المستقبل. مشكلة الارهاب الدولي واحتجاز الرهائن ونسف السفارات. تذبذب أسعار البورصة ومضاربات الاسهم، والثراء الخيالي، والافلاسات الجنونية. اضرابات الطلبة والعمال والعاطلين عن العمل والفلاحين والحرفيين والصحافيين والاطباء والمرضى، والقضاة والسكارى والمشردين والمخنثين، والشاذين جنسياً. مشكلة حرب النجوم، وعسكرة الفضاء، والمحطات المأهولة، والمذنبات المجهولة. مشكلة اللجوء السياسي، وما يتكبده دافع الضرائب المحلي من نفقات اقامة وتنقل وسكر وعربدة ومناقشات في المقاهي، وما يستتبع ذلك من عنف وخطف واغتيالات. انهيار النظام العالمي القديم وافرازاته ومخلفاته، وقيام النظام العالمي الجديد وافرازاته ومعطياته. صراع الثقافات الانكلوسكسونية والفرنكفونية واللاتينية في المسرح والسينما وكل فنون الابداع الاخرى. العولمة، والانترنت، والتنصت، وكشف الاسرار الرسمية والشخصية والدينية على الملأ ولمن يريد. ثم هناك أنظمة ملكية، او جمهورية، وامارات مستقلة، ومجلس نواب ومجلس شيوخ، ومجلس لوردات، وجمعية وطنية، وحكومة اقاليم، وحكومة مركزية، وحكومة ظل، وصحف، ومجلات، واذاعات، وتلفزيونات، ووكالات انباء معارضة، وموالية ومستقلة، واستطلاعات رأي، وتكتلات نيابية، واقتصادية ولكل منها رأي يختلف عن الآخر في كل ما يدور في العالم. حمى المباريات الرياضية، وعنف المشجعين، وتهور المراهقين، وسباق خيول ويخوت ودراجات، ومصارعة ثيران، وصراع ديكة. *** ثم اذا اردت ان تلبس فهناك آلاف الموديلات والمقاسات والألوان. ان تشرب وتدخن فهناك آلاف الانواع من الخمور والتبوغ ان تكتب... فهناك آلاف الانواع من الاقلام والدفاتر والمحابر ان ترسم، فهناك آلاف الانواع من الالوان والانابيب ان تعزف، فهناك آلاف الآلات الموسيقية الوترية والكهربائية ان ترقص، فهناك آلاف الملاهي والمسارح والمرابع الليلية والنهارية، وحتى في الشوارع. هات افكارا فقط لتكتب وترسم وترقص وتعبّر عما تريد في أي موضوع وفي أي مجال. ثم في كل شارع، وزاوية وشرفة ومنعطف، وجبات سريعة، ومأكولات شرقية وغربية، وصينية، وروسية، ومكسيكية، ويابانية، وآسيوية، والمعجنات الايطالية، مع ما لا يحصى من المشهيات والمقبلات والحلويات حتى للقطط والكلاب. ولذلك فان المشكلة الاساسية التي تعاني منها مجتمعاتنا وحتى قططنا وكلابنا في الوقت الحاضر هي مشكلة: البدانة. *** وهنا ربت المثقف العربي على كتف زميله الغربي، وقال له مواسياً وباستعلاء مشوب بالشفقة: كان الله في عونكم. اما نحن فليس عندنا أي شيء من هذا... اذ ليس هناك ما هو احلى من البساطة. فليس عندنا ساعات عمل، أو ساعات راحة او قيلولة ولا أطعمة شرقية، أو غربية، أو متوسطية ولا قطط، ولا كلاب ولا فراشات ولا تبوغ، ولا خمور، ولا رقص، ولا غناء ولا كتب، ولا كتاب، ولا أدب، ولا ادباء، ولا نقّاد ولا صحف، ولا مجلات، ولا استطلاعات رأي، ولا معارضة، ولا موالاة ولا يمين، ولا وسط، ولا يسار ولا مصانع، ولا مزارع، ولا عمال، ولا فلاحون ولا طب، ولا اطباء، ولا مستشفيات، ولا عيادات ولا متاحف، ولا حضارات، ولا مدارس، ولا جامعات. ولا ارض محتلة، ولا مستقلة ولا نظام عالمي جديد، او قديم ولا بترول، ولا فوسفات، ولا غاز طبيعي، او صناعي ولا اعياد ميلاد، دينية، او شخصية، او عائلية ولا اسلحة تقليدية، او بالستية، او بلاستيكية، او حتى اسهم نارية ولا سفن فضاء، ولا سيارات، ولا دراجات، ولا حتى جرارات ولا جبال، ولا سهول، ولا وديان، ولا صحارى، ولا بحار، ولا مستنقعات، ولا انهار، ولا غابات، ولا ثلوج، ولا امطار، ولا ضباب، ولا شمس، ولا قمر، ولا نجوم؟! ليس عندنا سوى: شعوب وسجون، سجون وشعوب، شعوب وسجون، سجون وشعوب وشعوب وسجون، سجون وشعوب، شعوب وسجون، .....