كان نائب حزب البعث عاصم قانصوه رأس حربة مواجهة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في مجلس النواب عندما طالب جنبلاط بإعادة انتشار الجيش السوري في لبنان تطبيقاً لاتفاق الطائف وبتصويب العلاقات اللبنانية - السورية. وقد فُهمت حملة قانصوه على انها موقف سوري مباشر ضد جنبلاط وضد مطلبه بالذات. وغالباً مع اعتبرت ردود فعل قانصوه، البعثي المخضرم وعضو القيادة القومية لحزب البعث يشارك في اجتماعاتها وهو اللبناني الوحيد فيها، بمثابة "اشارات" سورية رسمية حيال بعض ما يجري في لبنان. وغالباً ايضاً ما تصرّف نائب بعلبك - الهرمل من تلقائه، يستبق ما قد يطلبه السوريون او لا يطلبونه، ويطلق مواقفه. وفي الحالين، فالرجل اللبناني، هو صوت عقائدي لسورية في المعادلة السياسية في البلاد. وعلى رغم هذا الموقع، وتحالفه الوثيق مع سورية لعقود، لم يحتل موقعاً بارزاً في السلطة الا عام 1996 في الانتخابات النيابية، ثم في انتخابات 2000.ےالوسط" حادثته. اتخذ الرئيس بشار الأسد خطوتين مهمتين حيال لبنان في الأشهر الأخيرة، الأولى مباشرة اعادة انتشار الجيش السوري في لبنان والثانية اطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية، فهل تعكس هاتان المبادرتان الرغبة الجدية في الانفتاح على موضوع العلاقات اللبنانية - السورية وعلى كل الأفرقاء اللبنانيين؟ - حتماً، لأن القرار الذي اتخذه الرئيس بشار الأسد ليس جديداً ولا هو نابع من الضغوط التي مورست أخيراً في شأن هذين الموضوعين في الشارع اللبناني وكادت توصل المجتمع اللبناني مجدداً الى حافة التناقضات والانقسامات الداخلية، مما ترك أثراً خطيراً على السلم الأهلي وعلى وحدة هذا المجتمع وتضامنه. وذلك ما لمسناه اخيراً من البيان الذي وقعه 150 عالماً مسلماً في عكار وحملوا فيه بقسوة على البطريرك الماروني، وهذا يعني في حال تماديه بداية انشقاق في المجتمع اللبناني بين المسلمين والمسيحيين حول وجود الجيش السوري في لبنان والعلاقات بين البلدين على نحو ما طرح اخيراً من اكثر من طرف. وكان من المستحسن لو لم تصدر هذه المواقف بغية الافساح في المجال امام مبادرتي الرئيس الأسد من ضمن التنسيق القائم وبين الرئيس إميل لحود. وهذا الأمر ليس جديداً، بل بدأ من شهر نيسان أبريل الماضي، تسلك كل المواضيع التي تشكل بطريقة او بأخرى هاجساً لدى اللبنانيين طريقها الى الحلول السليمة من خلال الدولتين اللبنانية والسورية وبين الرئيسين، فنتجنب كل هذه العراضات التي لمسناها في الفترة الأخيرة وتركت أثرها على الشعب اللبناني، خصوصاً ان الوضع اللبناني لا يزال هشاً وطري العود. وأقصد الوحدة الوطنية والتضامن بين فئات الشعب، بحيث ان اي سجال سياسي او شعبي مع سورية او ضدها على نحو متشنج سيتسبب بإشكالات وخلافات حادة نحن في غنى عنها، سلباً او ايجاباً، عن حق او عن غير حق. لذلك من المفضل اتمام ما يشكو منه اللبنانيون او بعضهم على نحو ما يحصل الآن، وبخاصة بعد اطلاق المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية. وأنا على اقتناع بأن كل الافرقاء الذين يثيرون هذه المعطيات وهواجسهم كانوا يعلمون سلفاً بإعادة الجيش السوري انتشاره على الأراضي اللبنانية، وان هناك ملفاً هادئاً ودقيقاً يدرس على نار بطيئة بين الرئيسين بشار الأسد وإميل لحود اضافة الى قضايا اخرى سيأتيان قريباً على تنفيذها وتتصل بالأوضاع الاقتصادية والتنسيق والتعاون بين البلدين في قضايا العولمة والمشاريع المشتركة، علماً ان الرئيس عمر كرامي أفصح أخيراً عن بعض المواضيع التي بدأ البحث فيها مع الرئيس بشار الأسد بإنشاء مصفاة كبيرة بين سورية ولبنان تُبنى على الشاطئ اللبناني وتلبي حاجات البلدين ومتطلباتهما من النفط. وهذا المشروع هو من سلسلة مشاريع يجري البحث فيها في سياق التعاون بينهما، من غير ان ننسى مشروع الغاز الجاري بحثه الآن. كان ينبغي ترك هذا العمل يشق طريقه على نحو ما يعد له بعيداً عن الاضواء في ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية - السورية طبقاً لما يخطط له الرئيسان خصوصاً الرئيس الأسد، وهو ما أعلنه في خطابه الأول بعد انتخابه، وسمعت ذلك شخصياً في مؤتمر القيادة القطرية في ما يتعلق بإعادة النظر في كل القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية وبإيجابية بالغة لم يخفها وبقلب منفتح على الجميع وبيدين ممدودتين للتعاون، وكان الرئيس بشار يريد ان يتم ذلك من خلال الرئيس لحود، اي الدولة اللبنانية. وهذا الموقف ربما لم يستحسنه بعض الأفرقاء اللبنانين المتضررين حتى من العلاقة بين البلدين، فأرادوا اللعب في الوقت الضائع بغية محاولة اثارة العلاقات وطرح الشكوك بازائها في مرحلة اقليمية نعي جميعاً دقتها وأهمية تضامن لبنان وسورية في مواجهة التهديدات الاسرائيلية الموجهة الى لبنان وسورية على السواء مع تعثر مفاوضات التسوية في المنطقة. ومع ذلك في وسعي طمأنة اللبنانيين خصوصاً الى ان الاوضاع سائرة في اتجاهها الصحيح، علماً ان موقف الرئيس إميل لحود في ما يتعلق بملف الصراع مع اسرائيل كان الموقف المميز والمؤمن بذلك، لا امام الاميركيين ولا امام الاسرائيليين، المصر على رفض مس تلازم المسارين اللبناني والسوري على رغم الامتار القليلة عند الخط الازرق لانسحاب الجيش الاسرائيلي وعلى رغم مزارع شبعا المحتلة. كل ذلك هو محور اتفاق الرئيسين اللبناني والسوري من اجل حماية الموقف اللبناني - السوري المشترك في المفاوضات وفي الاصرار على السلام الشامل والعادل في المنطقة. لذلك أدعو الجميع الى ترك الموضوع الى الأيدي السليمة التي تهتم به والمؤمنة بوحدة مساري لبنان وسورية. الى ماذا يؤول ذلك؟ - أستطيع ان اؤكد ان لبنان سيكون المستفيد الفعلي من العلاقة المميزة مع سورية. قرار بلا ضغوط هل ان المواقف الاخيرة من شأنها استعجال كل الخطوات الآيلة الى تصويب العلاقات اللبنانية - السورية ام الى تأخيرها لئلا يقال ان ذلك يحصل تحت وطأة الضغوط التي يعتبر انها تتسم بتشنج؟ - لن تؤثر كل هذه الضغوط في القرار الذي اتخذه الرئيس بشار سابقاً، ولا هو وليد هذه الضغوط. القرار متخذ منذ أشهر، وجميعنا نعرف ان قرار اعادة الانتشار بدأ تنفيذه قبل اشهر خصوصاً في شهر نيسان، وجميع الأفرقاء يعرفون الأمر. لذلك أعتقد إن هناك سوء نية في طرح موضوع اعادة انتشار الجيش السوري في لبنان، كما لو ان هناك فاتورة ما يجب ان تسدد الى جهة ما، ولا أعرف مَن تكون هذه الجهة. كل الناس شاهدوا اعادة انتشار الجيش السوري، ورئيس الجمهورية على معرفة مسبقة به. فلماذا اذاً كل هذا الضجيج المحيط بالموضوع. وسورية ماضية في تنفيذ اعادة الانتشار بحسب اتفاق الطائف وصولاً الى مراحله الأخيرة. مجتمع رخو ما هو سر امتناع سورية في المرحلة السابقة عن تطبيق هذا البند في اتفاق الطائف، فيما تبدو الآن متحمسة له؟ - أعتقد ان السبب هو استمرار الحاجة الى هذا الوجود العسكري في المرحلة الماضية تعزيزاً لمناعة الاستقرار الداخلي ومنع اي اخلال بالأمن، ولم يكن في الامكان وقتذاك الاستغناء عن وجود الجيش السوري في بيروت والمناطق الاخرى لحماية الاستقرار والوحدة الوطنية وفي مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. وأعود الى التأكيد ان المجتمع اللبناني كان آنذاك رخواً وطرياً وغير متمكن من مناعته، فضلاً عن ان الجيش اللبناني الوطني كان في حاجة الى بعض الوقت لإعادة بنائه وتجهيزه. وقد لاحظنا جميعاً في السنوات الماضية حجم التعاون والتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري عملاً بالمعاهدة المعقودة بين الحكومتن اللبنانية والسورية. وهو تنسيق عسكري وأمني. قرار الرئيس بشار الأسد الآن في شأن اعادة الانتشار يأتي في ظروفه وتوقيته اللذين وجدت القيادة السورية امكان اللجوء الى هذا القرار. فضلاً ايضاً عن ان هذا القرار مطبوع بالشخصية المنفتحة التي للرئيس بشار الأسد. وهل سيطاول الأمر مناقشة العلاقات بين البلدين بوجوهها الاقتصادية خصوصاً؟ - لم يقفل هذا الباب ابداً في المواضيع الاقتصادية. انما المطلوب الآن تنفيذ ما اتفق عليه. اذ ثمة كثير من الاتفاقات الاقتصادية بين البلدن بنواحيها المختلفة لم يطبق ابداً او طبق خلافاً للاتفاقات، وهذا ما يقال في مسائل واتفاقات المياه والبترول والجمارك والصناعات المشتركة والزراعات. اتفق على كل ذلك، لكن لم يطق حتى هذا التاريخ على نحو ما يجب ان يكون. صحيح ان هناك شيئاً ما قد طبّق في عدد من القطاعات. ما أطالب به في الاتفاقات الاقتصادية هو تطبيق ما نصت عليه هذه الاتفاقات. وعندها يستطيع اللبناني معرفة المكان الذي يجد فيه مصلحته. التطبيق الفعلي والسليم هو الذي يكشف لنا مصالحنا وسبل المحافظة عليها. حلفاء سورية هل تعتقد إن هذه الخطوات التي يقدم عليها الرئيس السوري هي جزء من الانفتاح السياسي، غير المسألتين الامنية والاقتصادية، على أفرقاء لبنانيين آخرين؟ - لا تغير ابداً في سياسة الرئيس بشار الأسد حيال حلفاء سورية في لبنان، وهو سائر على خطى والده الرئيس الراحل حافظ الأسد. وستحرص سورية على علاقاتها وصداقاتها التاريخية مع حلفائها، لكنها تقف ايضاً عند موقع متوازن من كل الأفرقاء اللبنانيين، وهو ما تعبر عنه استقبالاته للقيادات اللبنانية في دمشق ومحادثاته معها واصغاؤه اليها واظهاره مقداراً كبيراً من الانفتاح على مختلف الآراء والاتجاهات والقوى بما فيها تلك التي تختلف مع سورية على مسائل كثيرة. وهو انفتاح يتعين على اللبنانيين جميعاً مساعدته عليه بتوسيع نطاق الاتصال مع كل القوى سواء من خلال الدولة اللبنانية او عبر لقاءاته بها بغية ان نصل جميعاً الى قواسم مشتركة في كل ما هو مثار للخلاف وللتباين في الرأي بين سورية وبعض القوى اللبنانية. والعلاقة مع الدولة اللبنانية؟ - كل ما يقوم به الرئيس بشار الأسد يجري بمعرفة الرئيس إميل لحود وموافقته والتنسيق الكامل معه. وهذا التنسيق هو المصدر الفعلي لضمان هذا الحوار ونجاحه وبلوغه اهدافه التي يتوخاها الرئيسان اللبناني والسوري كما سائر الافرقاء، والذي أكثر ما نحن في حاجة اليه في مواجهة التهديدات الاسرائيلية التي تستهدف لبنان وسورية معاً